وجهة نظر

النموذج التنموي الجديد للمملكة ومرحلة كورونا

في ظل التطلعات التي يسعى إليها المغرب، والتي تواكبها مجموعة من الإصلاحات التي تطال مختلف الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية، كلف الملك محمد السادس لجنة مستقلة لبلورة نموذج تنموي قادر على جعل المغرب يصطف إلى جانب الدول المتقدمة من خلال ما ينتظر من تنزيل هذا النموذج من تحقيق لممارسة ديموقراطية لقضاياه، ورفاء وعيش كريم لساكنته، وعدالة مجالية بين جهاته.

لذلك كان من الضروري أن يحظى هذا النموذج بمجموعة من الخصائص التي تجعله نموذجا مغربيا خالصا، بارتكازه على خصوصيات دستورية وحضارية وقيمية وبشرية وطبيعية للوطن، تضمن له الاستدامة وتحقيق جميع أهدافه.

ولعل المهام والخطى التي باشرتها اللجنة في سياق بلورتها لهذا المشروع المجتمعي استحضارها لمرتكزات ثلاثة: مرتكز تقويمي وآخر استباقي وثالث استشرافي للتوجه بكل ثقة نحو المستقبل، وهذا يبرز كون هذا النهج يعتبر واعدا من الناحية النظرية على الأقل.

ومما يزيد من منسوب الثقة في نهج اللجنة، ما تقدم عليه من استشارات واسعة وتجميع للمعطيات والآراء والاقتراحات من مختلف الحساسيات السياسية والنقابية والجمعوية، ومن مختلف المؤسسات والفاعلين والمفكرين والخبراء والمهتمين…مما يدل على نهج تشاركي أفقي وعمودي واسع.

إلا أنه من الواضح أن اللجنة قد باشرت أعمالها التشاورية في ظل مناخ عالمي وإقليمي ومحلي خاص، ومع ظهور أزمة كرونا كوفيد 19 فإن الأوضاع قد عرفت تغييرا جدريا عميقا طال الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم أجمع.

لذلك فخريطة التحالفات في العالم قد تشهد بعد كوفيد 19 تغيرات عميقة، حيث بدأت مؤشرات سحب الثقة في أمريكا تظهر للعيان، كما أن انهيار أسعار النفط العالمية ستؤثر بدون شك على الدول المصدرة والمستهلكة على السواء، علاوة على ظهور مؤشرات انهيار بعض التكتلات الاقتصادية كالاتحاد الأوروبي.

أما على المستوى الداخلي للمغرب، فعلى الرغم من كون الشعب المغربي ومؤسساته الاقتصادية والاجتماعية قد أبانوا عن تضامن غير مسبوق ضد الجائحة، فإن توزيع المنح على المتضررين من صندوق الجائحة قد فضح المستور، إذ أبان من جهة، أن القطاع غير المهيكل بالمغرب يشكل نسبة مقلقة مقارنة مع نظيره المهيكل،ومن جهة ثانية يبقى الفقر السمة الأساسية التي تميز المجتمع المغربي،

جاء هذا من خلال التقرير الذي قدمه وزير المالية محمد بنشعبون يوم الاثنين 27 أبريل 2020، حيث أبان أن وجها من أوجه الصرف لصندوق كورونا، ذاك المخصص لدعم الاسر والذي يشمل ملياري درهم خصص للأسر الهشة بالمغرب وعددها 4300000 أسرة منها 2300000 أسرة تتوفرعلى بطاقة المساعدة راميد والباقي لا تتوفر عليها وهذا يعني أن الملايين من الشعب المغربي تقتات على القطاع غير المهيكل. ومن جهة ثالثة ومن خلال التخبط الذي وقعت فيه الحكومة وأجهزتها باصطدامها بصعوبات كبيرة في تحديد الأسر المستفيدة من الدعم من دونها، يضع مندوبية التخطيط في حرج كبير، حيث يبقى السؤال عن جدوى الإحصاء الذي تصرف فيه ميزانيات ضخمة، إذا لم يكن قادرا على توفير قاعدة معطيات دقيقة للاستعانة والأخذ بها في مثل هذه الحالات.

ومن الأمور التي أماطت اللثام عنها أزمة كورونا كذلك، ما أبرزه المغرب والمغاربة على قدرتهم على تجاوز التبعية لأوروبا وذلك من خلال قدرة المصانع المحلية والكفاءات العلمية والتقنية المغربية على الإنتاج والتصدير يتجلى ذلك في السرعة التي تعاطت معها المصانع في إنتاج أجهزة التنفس الاصطناعي، والكمامات، علاوة على قدرة فلاحتنا على تزويد السوق المغربي دون اللجوء لأسواق خارجية. بالإضافة للقدرة الفائقة للتعاطي مع مثل هذه الأزمات تبين ذلك من خلال الفترة الزمنية القياسية التي أنشأ فيها المستشفى الميداني بالدار البيضاء لاستقبال مرضى محتملين بكوفيد 19.

هذا غيض من فيض من معطيات أفرزتها الأزمة، فهل تعطي لجنة النموذج التنموي الجديد للمملكة لنفسها مساحة من الزمن والتأمل والأخذ بهذه المتغيرات لبلورة نموذج، مبني على إنتاج الثروة وتوزيعها بشكل منصف على الشرائح الاجتماعية وعلى جهات المملكة وقادر على تحقيق الاستقلالية التي طالما ناشدها المغاربة منذ عهود؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *