وجهة نظر

كورونا والانتماء للمكان

ظل الانتماء للمكان حاضرا بقوة في معتقد وإحساس الإنسان على مر العصور والأزمنة، وقد تمتد هذه العلاقة الروحية التي ترافق الإنسان وهو على قيد الحياة، إلى ما بعد ذلك عندما يوصي بدفنه في المكان الذي ارتبط به طيلة حياته.

ومما يزيد من جدوة هذه المكنونات تجاه الأرض، ما راكمه الإنسان من تجارب وأنشطة حياتية مختلفة وتقاسم مع الأقرانمنذ صباه في مجاله، وبدرجة أقل ما شكله جمال المكان أو خصبه من عشق لديه.

ولعل حنين الإنسان المهاجر لأرض وطنه لتجسيد حقيق لهذه العلاقة الروحية.

ومن بين ما يجسد هذه العلاقة كذلك، كون الإنسان رفع التحدي وواجه الصعاب من أجل الدفاع عن مجاله فخاض الحروب ودافع من أجله بكل استبسال، كما وظف مقاربات عدة من أجل الرفع من شأنه وإبراز مقوماته التي قد تميزه عن باقي المجالات، فكانت المقاربة الفنية كإحدى المقاربات التي تبرز ذلك، حيث تغنى الشعراء بالمغرب وبعضهم تغنى بمراكش وفاس وآخرون بزاكورة وتافيلالت وغير ذلك كثير. كما ظهر العشق والانتماء للمكان في المنافسات الرياضية، فهناك من ناصر الرجاء ومن ناصر الوداد ومن ناصر فرقة من الفرق الأخرى التي نبعت ونضجت في نفس مجاله.

إن هذا الفرش يحيل إلى ما يعيشه العالم في هذه الآونة، من صراعللتغلب على مرض كوفيد 19 خصوصا وأن المؤشرات تدل على كون المعركة ضد المرض لا زالت طويلة، والأفق يبقى ضبابيا على مستوى إيجاد لقاح فعال يجنب البشرية الكارثة، مما جعل الحكومات تسابق الزمن وتتعامل مع المرض باستراتيجيات ورؤى مختلفة تروم الحفاظ على الصحة النفسية والجسدية للإنسان أولا، وتجنب الاقتصادات الوطنية من السكتة القلبية.

وفي الآونة الأخيرة بدا واضحا أن هذه الاستراتيجيات تنحو نحو الانتقال التدريجي للتعاطي مع الحياة بشكلها الطبيعي مع ما يلزم ذلك من حذر شديد واتخاذ احتياطات كبيرة مخافة العودة لنقطة الصفر.

والمغرب كما تشير لذلك جميع الإحصائيات والمعطيات، رغم احتوائه للفيروس، لم يتغلب بشكل نهائي عليه، مما يجعل من المعركة تسير في اتجاه أكثر حزما، مع ما يتطلب ذلك من إيجاد بدائل وخطط جديدة للتعاطي مع المرحلة المقبلة التي سيعرف فيها المغرب تخفيفا لانطلاق تدريجي للأنشطة الحياتية: اقتصادية واجتماعية وثقافية.

واستحضارا لما سبق تقديمه، من كون الإنسان ظل عبر التاريخ يسعى لتلميع صورة مكانه، فإن المقاربة التنافسية في التعاطي مع المرض تبقى إحدى المقاربات التي سيكون لها تأثيرها الإيجابي في الحد من انتشارهواحتوائه بأقل التكاليف، حيث يمكن إعلان المناطق الآمنة سواء كانت جهة أو إقليما أو مدينة أو قرية أو حيا، مع توظيف منح الشارة الخضراء للمجالات التي استطاعت أن تتغلب على الفيروس وتجعل منها منطقة خضراء آمنة.

ويبقى دور الإعلام الوطني والجهوي والمحلي مرتكزا أساسيا في الترويج لذلك ومواكبة جميع المستجدات وإعلانها في وقتها ليكون لها الأثر المباشر في نفسية المواطن، لحضه وتشجيعه على الاجتهاد أكثر من أجل جعل مكانه يتبوأ موقعا وسط المواقع التي تغلبت على الفيروس.

بالإضافة لذلك، وبما أن المعركة ضد كورونا هي مسؤولية جماعية، فإن إطلاق مشاريع للتحسيس والتوعية والإرشاد في الشوارع العامة بعد الحجر الصحي، من خلال نصب خيام لذلك، سيكون لها بدون شك، الأثر الفعال في تطويق المرض والتغلب عليه، ولعل التجارب السابقة التي خاضتها اللجنة الوطنية للوقاية من حوادث السير – سابقا-الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية – حاليا-من خلال إطلاقها لمشاريع توعوية كخيام السلامة الطرقية قد أعطت أكلها في الحد من حوادث السير.

إن تنزيل هاتين المقاربتين، يعتبر من الأمور الهينة، خصوصا إذا استحضرنا دور المجتمع المدني وجوانبه المشعة التي تكمن في قوة انتشاره الواسع عبر التراب الوطني، حيث لا تكاد تجد حيا أو قرية صغيرة تخلو من هيئة تنموية، وانخراطه المسؤول والواعي في تدبير مثل هذه المشاريع التي تروم السلامة الإنسانيةالنفسية والعقلية والبدنية، علاوة على ما يكونلتوظيف بعض مميزات الشعب المغربي الذي عرف عنه التحدي والانخراط المسؤول من قيمة مضافة لإنجاح تنزيل المقاربتين سالفتي الذكر.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *