وجهة نظر

هل يخاف “ضباط الشرطة القضائية” من قلم “الريسوني”؟

الصحافي سلميان الريسوني

يبدو أن التكوين الحقوقي لبعض المحسوبين على الصفين التقدمي والحداثي، في المغرب، لا يتجاوز، ولو بدرجة واحدة، تكوين المنتميين للتنظيمات السياسية-الدينية المنغلقة، التي تعتقد أنها تشتغل مع “الله” (وهو منها بريء)، والتي لا تعترف إلا بأعضائها (جنود الله) وحقوقهم، وتنتصر لهم من باب العبارة التالية: “أنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً”، بمعناها الشعبي.

ظهر ذلك جلياً من خلال بعض “الردود” التي تُدين سُليمان الريسوني، بشكل مباشر مفضوح أو بشكل متستر وضمني، من أشخاصٍ ينتمون لشبيبات “اليسار” أو لتنظيمات تقول إنها حداثية، قبل حتى اتضاح سبب اعتقاله (مساء يوم الجمعة الـ22 من ماي الجاري) في خرق سافر لـ”قرينة البراءة”.

والمبرر الذي يُحاججون به، والذي بنوا عليه مواقفهم، يتمثل في تصنيف سُليمان من تيار سياسي يسمونه قدحاً بـ”الإخوانجية”، مما يعني أنها مواقف أو “ردود” تثير الخنق والغثيان، قبل الرفض، كونها تصدر من أُناسٍ، يقولون إنهم ينهلون من فلسفة الأنوار ومن الشرعة الدولية لحقوق الإنسان!

ولا يستقيم التساؤل مع هؤلاء حول ما إذا كانوا يقرأون افتتاحيات الريسوني؟ وهل يعرفونه أصلاً؟ لأن ذلك سيجعل المتسائل مثلهم تماماً، بل إن الصح أو المعقول هو تذكيرهم بالفقرة الـ3 من الفصل الـ23 من الدستور، التي تنص على:”قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان”، ودفعهم إلى التساؤل التالي: هل احتُرم مقتضى هذه الفقرة الدستورية السّامية؟

ومن بعده إلى هذه التساؤلات: لما لم تُوجّه الاستدعاء إلى سُليمان بدل اعتقاله مباشرةً؟ هل كان سيتخلّفُ عن موعد الحضور أم أنه كان سيهرب ويتوارى عن الأنظار؟ لماذا اعتُقل والأصل في الاعتقال أن يكونَ الشخصُ في “حالة التلبس بالجريمة” حسب فقهاء القانون؟

ثم: لماذا وُضِع تحت تدابير الحراسة النظرية مع العلم أن هذا الإجراء يلجأ له ضباط الشرطة القضائية بإذن من قضاة النيابة العامة في الحالة التي يخافون فيها أن يقوم المشتبه فيه بإخفاء معالم الجريمة أو الفرار؟ ماذا سيُخفي المشتبه فيه هنا، الذي هو سُليمان مع ابراز أن القضية التي يُتابع فيها، يُقال أنها تعود إلى سنة 2018؟ وهل سيهرب؟ وإلى أين؟ وهل يستطيع؟

أسئلةٌ كثيرة تُطرح على الذين يُعتقد فيهم أو يُفترضُ أنهم يُدافعون على حقوق “الإنسان”، (الإنسان كيفما كان) وتدفعهم إلى اتخاذ مواقف “حقوقية” في القضية، حقوقية فقط، بدون الانحياز إلى سُليمان الذي لا يُمكن أن نعتبره منزهاً من المنسوب إليه.

هنا قد يتساءل سائل عن الطرف الثاني في القضية: أليست له حقوق إنسانية؟ الجواب يأتي سريعاً، وبدون لف ودوران، ويقول: نعم له حقوق، والقضية يجب أن تأخذ مجراها القضائي، لكن، لكن ذلك لا يتناقض مع توجيه الاستدعاء لسُليمان بدل اعتقاله.. ولا يُبرر وضعه تحت تدابير الحراسة النظرية بدل البحث معه وتركه يذهب إلى قضاء العيد مع أسرته.. ولا يُبرر ارساله إلى “الاعتقال الاحتياطي” بدل متابعة التحقيق معه في سراح مؤقت.. البراءة هي الأصل!!!

إذن المسألة واضحة، إنها حقوقية محضة، ولا تهم تقدمية أو رِجعية الإنسان. والرجعية طبعا هي: توزيع “صكوك الحقوق” بميزان “هاذاك ديالنا” أو “هاذاك ديالهم”. فالإنسانية تتجاوز التصنيفات الضيقة العبيطة الغبية!

مُسَاءَلةُ الضُّبّاط..

في خضمِّ كل ما تقدّم نُسائل السادة “ضباط الشرطة القضائية”، المنتمون منهم إلى السلطة القضائية أو غير المنتمون إليها، المكلفون بهذه القضية، إن كانوا يقرأون معنا هذه المقالة، الأسئلة الآتية: لما لم تقوموا بالبحث مع المشتبه فيه في حالة سراح؟ ما الدافع إلى استمرار التحقيق معه في حالة اعتقال؟ لماذا لا تتركونه يتابع عمله الصحفي مادام أنه بارئ إلى حد الآن؟

أيمكن القول أن الغرض من اعتقاله هو اعتقال افتتاحياته؟ وبتعبير آخر: أتخافون أو يزعجكم قلمه أيها السادة المحترمون؟

إن طرح سؤال الخوف من قلم الريسوني، تُعززه ثلاث اعتبارات هي: أولاً؛ البراءة هي الأصل قانوناً وبل حتى منطقياً وإنسانياً. ثانياً؛ القضية تعود إلى 2018، ومبرر إخفاء معالم الفعل أو تغييرها غير وارد. ثالثا؛ الريسوني سيكتب عدة مقالات قبل الـ11 من يونيو 2020.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *