وجهة نظر

حكومة الإنقاذ: هل المغرب يحتمل المزيد من التأخر؟

” اعْقِلُوا الْخَبَرَ إِذَا سَمِعْتُمُوهُ عَقْلَ رِعَايَةٍ لاَ عَقْلَ رِوَايَةٍ، فَإِنَّ رُوَاةَ الْعِلْمِ كَثِيرٌ، وَرُعَاتَهُ قَلِيلٌ” . الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه.

وفق تنسيق حزبي مدروس تحرَّكت مكونات المنظومة الحزبية المغربية عبر إشهار النشر على أوسع نطاق لأضاليل المنافحة الكاذبة عن الديمقراطية و الدستور. هكذا خرجت علينا الأمانة العامة لحزب العدالة و التنمية ببلاغ إدعاء رفضِها لكل خطاب يستهدف المساس بالاختيار الديمقراطي تحت دعوى النجاعة في مواجهة تداعيات الجائحة. و هكذا – أيضا- تبِعها ذاك الذي إتهمه أعضاء حزبه بالتزوير و الخروج عن القواعد القانونية المؤطرة للعمل الحزبي و الإنقلاب عن الهوية النضالية لمشروعهم الفكري. نعم أقصد الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة ،حيث علَّق على مطلب حكومة الإنقاذ قائلاً أنه تصورٌ خارجَ دستور 2011 ، و أن ما هو خارج الدستور فهو غير قابل للنقاش. ثم ينضاف إلى الحزبين الرئيسيين في ترتيب الخريطة السياسية العديد من الحساسيات الحزبية الأخرى التي أطلقت سهامها بهدف إسقاط مطلب حكومة الإنقاذ تحت مبرر إحترام الديمقراطية و الدستور المفترى عليهما.

و لأننا أمام عقليات حزبية متحجرة ترفض كل أشكال التغيير الإيجابي، و تسعى بأساليب المناورة الرخيصة لإبرام الفذلكات السياسية المشبوهة. و لأننا أمام عقليات متجاوزة تعاني من تناقض خطير بين أقوالها و أفعالها، تناقض يضرب كُنْهَ الإصلاحات التي جاء بها دستور 2011 عُرْضَ الحائط.

فإننا نجدها تلبس لبوس المطالبة باحترام الديمقراطية و الدستور ، فيما هي عقليات غير عقلانية تغلق جميع منافذ القيم الديمقراطية الحقيقية حتى ناءت بأعباء إنتكاساتها مصداقية المنظومة الحزبية. و التي أيضا تأبى إلاَّ أن تأخذها العزة بإثم الجهل أو التَّعامي عن الاختيارات العديدة المتاحة التي يمنحها نص و روح الدستور 2011 لأمير المؤمنين الملك محمد السادس.

و إذا كان الوصول إلى السلطة من الأهداف المشروعة لأيّ حزب سياسي ، فلا يمكن أن يتحقق ذلك إلاَّ في إطار برنامج اقتصادي واجتماعي واضح يخدم مصلحة المواطنات و المواطنين في إرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن و الحرية و الكرامة و المساواة، و تكافؤ الفرص، و العدالة الاجتماعية، و مقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.

و إذا كان من غير الجائز للأحزاب السياسية أن تؤسس على أساس ديني أو لغوي أو عرقي أو جهوي، وبصفة عامة، على أي أساس من التمييز أو المخالفة لحقوق الإنسان تبعا لأحكام الفصل السابع من الميثاق الأسمى للأمة المغربية.

فإن أكبر مؤشر على إنتهاك الأحزاب لأحكام دستور 2011, يتحدد عند فرط التمييز و تجزيئهم لمنظومة حقوق الإنسان و إنقلابهم على المكتسبات الدستورية في مجال الحريات و الحقوق الفردية.

إن أزمة المغرب الراهنة تتلخص في الفراغ المعرفي عند الأحزاب السياسية، و في إنعدام البرامج العلمية-العملية القمينة بمواجهة تداعيات أزمة كورونا الكارثية عبر إقتراح الخطة الإقتصادية البديلة. كما أن حرص القيادات السياسية على تأمين الغنيمة المستدامة أدى بمكونات المنظومة الحزبية إلى الدخول في مرحلة إنحطاط غير مسبوق، تتمثل في ارتباك سياسي حقيقي، و عجز خطير عن لعب دورها الدستوري. و الأخطر من ذلك أن قيادات الأحزاب تتناوب على تبادل الذم ثم المغازلة السياسوية فيما بينها ، و تترك الباب مواربا للإستفادة من إقتسام كعكة التحالفات الحكومية التي يقودها تنظيم العدالة والتنمية دون الوفاء بأرقام برامجه الإنتخابية الذي على أساسها تحصّل على مقاعده البرلمانية.

و لأن المناسبة شرط، فالمعارضون لمطلب حكومة إنقاذ تجدهُم -بالأساس- أولئك الذين ساهموا في تمييع الأوضاع السياسية و تعطيل الطفرة الإقتصادية. و ترَاهم لا يزالون كذلك ، سواء عبر رئاستهم للحكومة منذ عشرية زمنية، أو عبر المناصب التي يتحكمون بها بواسطة مجموعة من الوزراء و المدراء و الموظفين و المنتخبين الموزعين على مؤسسات و جهات مختلفة.

و منه فلا يحق لمن جعل المغرب يعاني من التأخر طيلة مرحلة ما بعد دستور 2011 التي امتدت إلى ما يقارب عشرية كاملة، لا يحق لهم أن يعمدوا إلى التمترس خلف أفخاخ الشعبوية و الانتقائية في العمل بالقيم الديمقراطية و الأحكام الدستورية قصد عرقلة تشكيل حكومة إنقاذ جديدة.

و لأن السَّيِّءَ بالسَّيِّءِ يذكر ، فإن نفس القيادات الحزبية التي ترثي حكومة الفصل 47 بحجج واهيّة، ستجدها في مقدمة المتهرِّبين الراكبين على موجة حراك الشارع الذي قد ينتفض احتجاجا على إنهيار الأوضاع الإقتصادية و الإجتماعية نتيجة الضلال الحكومي و المقترحات الحزبية العقيمة التي لا تقدم الأجوبة السياسية و التنموية على أسئلة المرحلة وعلى تحدياتها، بما يمكن من الإسهام الجماعي في تحقيق الرهانات وتجاوز الصعوبات.

حيث تظل الأسئلة الحقيقية التي نحن في مسيس الحاجة إلى جواب عنها مطروحة وفق مايلي:

هل المغرب يحتمل المزيد من التأخر؟

و هل لدى الوطن القدرة على تحمل ترَف المُناكَفات السياسوية التي لا تبالي بالمصالح العليا للأمة المغربية، و إنما تعمد بشكل خبيث إلى تحوير النقاش و زرع الغموض و الإلتباس و التشكيك؟

و هل من يريد فعلا الإنتصار لمصلحة الوطن و المواطنين، يتَّبِعُ سبيل دهاقنة المنظومة الحزبية في إبتداع هرطقة لا تناضل من أجل غاية الديمقراطية و لا تفْقهُ في الإنقاذ شيئا و لا تقبل الإقرار بالاختيارات العديدة المتاحة التي يمنحها نص و روح الدستور 2011 لأمير المؤمنين الملك محمد السادس!.

إن إستشراف المستقبل ينطلق من التحلي بشِيَم الإعتراف بالحقيقة و الإرتقاء من مستنقع السلوكات السياسوية التي تضع العوائق المصطنعة أمام إبداع خطة شاملة لإنقاذ البلاد. و في هذا السياق نجهر بالصوت كَيْ نصدح بالتأكيد على أننا كلنا معنيون بضرورة مراجعة الذات و الاستفادة من فرصة تشكيل حكومة الانقاذ و تنفيذ حزمة من الاصلاحات الجديدة بعيدا عن فتنة تصفية الحسابات و تبادل الإتهامات.

فعوض الإنشغال بهواجس الخسارة الشخصية، يجب على القيادات الحزبية أخذ فرصة دستورية لتصحيح أوضاع مؤسساتها الداخلية و معالجة قصورها الذاتي عن الإضطلاع بمهامها الدستورية الذي أظهر عيوب عدم توفيقها بين السرعة و الفعالية في تقويم اختلالات تدبير الشأن العام. مع التمسك بنبل النأي عن محاولة هدم الدولة على أجساد الجميع تنفيذا لرغبة أفراد أو انتقاما من هذا الطرف أو ذاك.

نعم ، أعتقد جازما أن المغرب تتهدده أزمة غير عادية بل هناك إجماع أنها أزمة غير مسبوقة في تاريخ الوطن. أزمة متعددة الأبعاد تفرض على مكونات المنظومة الحزبية التحلى بالمروءة و إعمال العقل و إستيعاب معنى الإلتزام. مثلما تحتم عليها تحمل مسؤولياتها الدستورية أولا بتسريع عملية الإنسحاب من أجل الفسح في المجال للقادرين على تنفيذ خطة الإنقاذ الشاملة و تقديم الحلول الناجعة ، و ثانيا بإستغلال هذه الإستراحة الدستورية لتجديد السعي بالوطنية الحقة و المواطنة الصادقة إلى إعادة بناء مؤسساتها الحزبية على أسس دستورية و ديمقراطية سليمة.

ختاما إنها أحزابنا الخاسرة مدعوة – اليوم- إلى دعم مطلب حكومة الكفاءات القادرة على إنقاذ الوطن . و منه أود التنبيه إلى أن الأحزاب المغربية مطالبة بتوسيع دائرة الفهم و الإدراك، و الاعتراف أن المغرب ليس بالمرحلة السهلة و الطبيعية، إنما نحن في مرحلة شديدة الصعوبة و هي استثنائية بكل المقاييس. مرحلة تحتاج إلى نيات صافية و عقول مبدعة و سواعد بناءة ، للاستفادة من الخبرات والقدرات التي يزخر بها المغرب بما يضمن مصالح الوطن و المواطنين في إطار جو من التضامن و التكاثف و الإبداع.

فهل كنا سنلتمس من الملك التدخل لو قامت الأحزاب السياسية بواجبها ؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *