منتدى العمق

العلاقات الاجتماعية بعد كورونا

سيتساءل ساءل عن مصير العلاقات الاجتماعية بعد جائهة الفيروس ،هل ستجعلها أكثر متانة ؟ أم ستقلص التلاحم الاجتماعي الكائن قبلا .الكل يعرف أن الانسان إجتماعي بطبعه لا يمكن أن يعيش سواء ضمن جماعة تحميه جسديا و غدائيا و روحيا ، يصعب أن يعيش لنفسه وبنفسه ، الجماعة تعتمد عليه كما يعتمد عليها ، الأفراد ضمنها يشكلون شبكات علاقات جد معقدة الكل يؤدي وظيفة تساهم في استمرار النسق .هذا الواقع يفرض علينا أن ننسج علاقات مع الآخرين نوعية العلاقات تحددها إما القرابة أو المنفعة أوالجوار . العيش في جماعة لآلاف السنين مكن البشر من أن يطور و يحسن سلوكاته تجاه الاخرين بغيت تحقيق العيش المشترك بين مختلف الأفراد المشكلين للتجمع البشري ، هذا العيش المشترك الذي تتطلب من الإنسان التخلي عن سلطته الطبيعية للجماعة التي ستضمن له من بعد ممارستها دون المساس بالآخرين . هذه الطفرة التي فرضتها الحتمية التطورية ستنتقل بالإنسان من الحالة (الطبيعية) التي كانت تتميز بالهشاشة على مستوى الروابط الاجتماعية إلى حالة (التعاقد) الأكثر تلاحما اجتماعيا. هذا ما سيدفع البشر الأول لتأسيس مجتمعات مدنية قائمة على التراضي وليس الإكراه ،ليكون بذلك (التراضي) أساس كل العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع . فماذا نقصد إذن بالعلاقات الاجتماعية ؟ماهي أنوعها وأشكالها ؟

. من صفات الإنسان أن يبني علاقات بينه و بين الآخرين بغض النظر إن كانت علاقات إيجابية (إنسانية)أو سلبية ، وجود الإنسان ضمن جماعة بشرية يعني بالضرورة وجود تفاعلات إجتماعية سواء كانت داخل الأسرة أو العمل أو الجوار …إلخ ،ليس مهما مدى تطور أو تخلف هذه المجتمعات ، فالبنيات الاجتماعية تنسج مع بعضها علائق تضمن من خلالها الاستقرار و الإستمرار ، ذلك عبر خلق مساحات من التفاوض بين مختلف الأنساق . تجدر الإشارة أنه ليس هناك تعريف واحد وأوحد يتفق عليه الجميع . ما سيدفعنا إلى إعطاء تعريف عام وشامل نحاول ما أمكن ـأن يكون تقريبيا للمفهوم ، يقصد بها ” الروابط والأفعال المتبادلة بين الأفراد والتي تنشأ من طبيعتهم الاجتماعية ،يأخذ هذا التفاعل الاجتماعي أنماط متعددة تتمثل إما في علاقات إيجابية (التعاون . التضامن …..إلخ)أو سلبية (الصراع. المنافسة . القهر….إلخ) لما تستقر أنماط هذا التفاعل وتأخذ شكلا منتظما فإنها تتحول إلى علاقات إجتماعية كعلاقات الأبوة ..الصداقة …الزمالة … السيادة ..التبعية….. إلخ ” .

ومن خلال هذا التعربف سنحاول أن نحدد أنواع هذه العلاقات ؛ 1_العلاقات الاجتماعية المبنية على أساس القرابة. 2_العلاقات الاجتماعية الأسرية 3_ العلاقات الاجتماعية المنبية على الصداقة أو الزمالة. 4 _علاقات المنفعة والمصلحة . ـأشكال هذه العلاقات تتخذ بدورها 4 أنماط ؛ 1_ علاقات إجتماعية وقتية. 2_ علاقات إجتماعية طويلة الأجل. 3_ علاقات إجتماعية محدودة. 4_ علاقات اجتماعية مباشرة وغير مباشرة .

مما لا شك فيه أن العلاقات الاجتماعية قد تعرضت لمجموعة من التحولات التي حدثت في المجتمعات نتيجة التطورات التي أوصلت البشرية إلى الثورة الصناعية ، فقد قامت هذه الأخيرة بقتل كل أشكال التضامن التقليدي الموجودة بين أفراد المجتمع و عملت على أن تستبدلها بأشكال وقيم جديدة من شأنها أن تمس بالبنيات الاجتماعية ….. ،ر غم هذا التغير على مستوى العلائقي وما أفرزه ذلك من أزمات و مشاكل ، إلا أن العلاقات الاجتماعية ستضل قائمة وستضل ضرورية في حياة لأفراد.

صلابة ومتانة العلاقات الاجتماعية تختبر في الأزمات ، ولعل الأزمة الوبائية التي يعيشها العالم اليوم إختبار حقيقي لقياس مدى سماكة تماسكنا في مواجهة هكذا كوارث، هذا الوضع الحالي المأزوم هو الذي سيكشف عن منسوب الأنسنة في سلوكاتنا تجاه بعضنا . إننا اليوم مطالبين بحشد جهودنا كمختلف فعاليات المجتمع من أجل تعزيز مفهوم التضامن ونشره كقيمة سلوكية متبادلة بيننا . ذلك عبر التدخل لتقديم المساعدة للفئات الهشة كونها الأكثر عرضة للفيروس ، وبشكل خاص المرضى و الشيخوخة وذوي الإعاقة و ذوي الدخل المحدود ،ذلك تحسبا لأي إنعكاس قد يترتب عن تفشي الفيروس في نطاق أوسع .

إلى حدود الآن علاج الفيروس لازال مجهولا ، ما دفع الدول إلى فرض الحجر المنزلي على الأفراد لمنع كل أشكال التواصل المباشر للناس مع محيطهم الاجتماعي لحصر الوباء في رقعة محددة ولإبطاء معدل إنتشاره بين الأفراد ، حجر الناس في أماكنهم دفعهم للجوء لأشكال بديلة للتواصل الكلاسيكي .وهو التواصل الرقمي الشيء الذي يفسير الإقبال الكبير على مواقع التواصل الإحتماعي في هذه الفترة الحرجة ، نجد أنها بقدر ما تساهم في تخفيف وطأة أزمة الإتصال المباشر بين الأفراد بسبب الحجر , بقدر ما تساهم أيضا في زرع خطاب التهويل والتخويف في نفوس الناس الذين يعيشون حالات نفسية جد هشة ، تجعلهم يذهبون إلى تصديق أي معلومة و لو جانب الصواب .الشيء الذي إنتبهت له الدول ما حتم عليها التدخل من أجل منع ترويج الأخبار التي تنشر الذعر بين الناس .

السؤال الأكثر طرحا اليوم ، هو ما بعد الكورونا ؟ لأن هذا الأخير لن يمر مرور الكرام سيلحق تغيرات جذرية ببنياتنا الاجتماعية . الكل اليوم يتفق على أننا لن نعد كما كنا قبل الكورونا ، الكثير من الأشياء حدثت ستدفع الدول لإعادة النظر في سياساتها ، خاصة من ناحية السيادة الصناعية تحقيق الإكتفاء الذاتي الغذائي والصناعي وخاصة فيما يتعلق بالمنتوجات الطبية ، فك ارتباطات التبعية بالدولة المركزية وبناء إقتصادات محلية قوية قادرة على مواجهة هكذا أوضاع ، تشجيع الصناعات المحلية وفرض القيود على الواردات الأجنبية ، الإستثمار أكثر في القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم و السكن ، إعادة النظر في سياسة خوصصة القطاعات الحيوية خاصة الصحية بعد الثغرات التي سجلت على المنظومات الصحية للدول وعدم قدرتها على إحتواء الوضع ، الاهتمام أكثر بالجانب الاجتماعي وتفعيل سياسات إجتماعية ناجعة للتصدي لكل أشكال التفاوت و الإقصاء الإجتماعيين ……إلخ . مع كل هذه التبعات التي ألحقها فيروس كورونا بالمجمتع الإنساني :

_ ألا يمكن أن نفقد إلتحامنا وتماسكنا ويؤدي بنا ذلك للتباعد و الإنعزال الاجتماعيين ؟
_ألا يمكن أن يعيدنا هذا الوضع إلى حالتنا الأولى الطبيعية التي كنا عليها ، التي تنتهك فيها كل المعايير الإنسانية؟
_أم أنه سيحي في نفوسنا الإنسانية ومبادي التضامن والتعاون وسيقوي مناعتنا الاجتماعية ضد أي إهتزاز أخر ؟
_ألا يمكن له أن يجعلنا نعيد النظر حول القيم المتوحشة السائدة التي أفقدت للإنسان أدميته ؟

هذه الأسئلة لن نستطيع الإجابة عليها الآن ، مرحلة ما بعد الكورونا هي التي ستجيب عليها و بكل موضوعية ، مهما كانت طبيعة الإجابات سنتقبلها بصدر رحب , الأهم بالنسبة لنا أن نتعلم الدروس . صحيح أن تاريخ البشرية ملىء بالاخطاء لكنه أيضا ملىء بالإنجازات العظيمة التي إرتقى من خلالها الإنسان بنفسه إلى أرقى مراحل التطور البشري ، سنتجاوز المرحلة كما تجاوزنا مراحل سابقة ، لكن بعضنا سيدفع ثمن ذلك ، لابأس هذه هي سنة العيش في كوكب الأرض….

* طالب ماستر سوسيولوجية المجالات القروية والتنمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *