وجهة نظر

كورونا والمحاكمة الاجتماعية

مهلا يا سادة، فقد حان وقت الإدانة. عجوز شمطاء مُعمّرة، تجاعيد جمالها تُخفي وراءه حبّ السيطرة، لتكشف واقعنا وعتمته النكراء..فقد تسلّل الرُّهاب إلى عوالمنا، واشتدت أنانيتنا وتناسلت أطماعنا وانهارت مساحيق أقنعتنا. فمن له إذن الحق في الإدعاء؟

افتتح المقال، والعجوز غائبة لينوب عنها الزمان مقدما مُلتمسَ الدّفاع ونظراته المُحيرة نستقرئ عبرها أن فصول المحاكمة ستطول جلساتها. اختلطت الأوراق والحيرة تطاردنا. فمن تكون هاته “الكورونا”؟

وقف الزمان والثقة في النفس تُخفي حماسته، أقسم يمينا أن يقول الحق احتراما للفضيلة؛ فتصبب الحضور عرقا خوفا من الفضيحة..وبكل جرأة قال: كورونا هي مرآة الأحقاد، فقد تناسلت من رحم الحياة اللاأخلاقية، إنها أرملة غير شرعية يبحث العالم بأسره لفرملتها وقبرها، لكن أليس لها الحق في الحياة!!

خيّم الهدوء على العالم، وهناك من ذرفت عيناه الدموع، فالكل استنشق طعم الكريهة، ولعمري أن حربنا قد انقلبت هزيمة. وفي إطار العلنية والحضورية واصل الزمان دفاعه مُقدما أدلة إتباث في حق المجرم والمشارك والمساهم.

صمت الزمان، وقال الإنسان: لقد حان دوري في الكلام، وبدون استئذان نصب نفسه مُطالبا بالحق العام؛ لقد استأسد علينا هذا الوباء، وباعد بيننا وبين الآباء، وحرمنا من التجوال، فاختفى القيل والقال. فحياتنا فقدت طعم الهناء، فعمّ الشقاء وبزغ ربيع العناء.

للأسف، فمعالم الإدانة غير واضحة وفصولها غامضة، فنحن أمام جريمة خائبة وأخرى مستحيلة، وعليه تمّ حفظ الملف، لكن هناك من طالب بتأجيل الجلسة..

بعد رفع الحجر الصحي، عُقدت الجلسة، فتقدم للشهادة عظيمان: أحدهما الحق والآخر المنطق، فأكدا على أنّ الإنسانية فقدت أصالتها، والرأسمالية فاقت سرعتها، والحياة الأسرية تباعدت أركانها، والقيم الإجتماعية تراجعت مظاهرها. فالعالَمُ هو المسؤول، الرغبة والجشع قادا البشرية نحو الهلاك، فالجميع تخلّص من رداء الأخلاق وارتدى عباءة الرذيلة، التنكّر موهبتهم، والتسلّط مبتغاهم، فهناك من سعى نحو الريادة الاقتصادية، وهناك من طمع في السيادة الكونية، وآخرون خطّطوا لاغتيال الديمقراطية وخصْي الحريات الفردية، لكن الجميع تنفّس سمّ المؤامرة، وعوض فرض السيطرة عمّت الندامة.

بعد المداولة، انفلت الحكم من رحم المعاناة، فانتصر الزمان، وكانت البراءة حليفة “كورونا”، أمّا الإدانة فتحملتها البشرية جمعاء، فالمسؤولية تقصيرة، والجُرم جناية عقوبتها لن تكون أشدّ ممّا تكبده العالم من هلع وتهافت ومأساة. فللّه ذرّكم وذرّ أبيكم!!

* طالب باحث في علم الإجتماع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *