منتدى العمق

ميتافيزيقا كورونا..

منذ نشأة الفلسفة، وتغلغلها بين شعوب العالم، ظل مبحث الميتافيزيقا جزء لا يتجزأ من البحث الفلسفي، وعنصر أساسي يوجّه العقل في علاقته المفارقة مع الواقع الحسي، اعتبارا لقدرته على بناء معرفة تسمو على العيني المشخص.

غالبا ما تُفهم الميتافيزيقا من منطلق التباعد بين المادي الملموس، الذي توفر له التجربة ممكنات فهمه، وإدراكه، وبين المفاهيم التي تسبح في سماء المجردات، وتوفّر لها المعرفة العقلية شروط تحليلها، ومن ثمّ فهمها خارج المألوف والاعتيادي.

كورونا فيروس أشبه بمفهوم تحكمه بنية ميتافيزيقية، إن على مستوى إدراكه ماديا حيث حدود الفهم الطبي، أو من حيث تداوله مجتمعيا حيث أسئلة القلق متصلة مباشرة ببنيته الميتافيزيفية، وهي أسئلة بدأ طرحها مع ظهور الوباء، لكن التعمّق فيها تزامن مع السيرورة الوبائية التي تشهدها مجتمعات العالم.

في هذا الباب يُسجّل انتقال الفهم من محطة الريبة والتشكيك، التي لازمت الفرد طيلة المرحلة السابقة، إلى مرحلة التحقّق الباعث على كثير من الاطمئنان المعرفي، وهذا جد مهم اعتبارا لإشكالية تنزيل التوجيهات والتدابير، بحكم أن الاستهتار الذي ميّز وما زال يميّز بعض سلوكيات الناس، مسكون بخلفيات كثيرة من بينها عدم وصول ” الشبع” المعرفي لمنتهاه، وهذه مهمة العلماء والأطباء والباحثين، الذين يُفترض انشغالهم بالمفهوم بالتزامن مع انشغال واشتغال السلطات والأطقم الطبية.. وغيرهم من المتدخلين في حرب كوفيد19.

مؤسسات البحث العلمي، ومعها الأطر الباحثة في الفلسفة والسوسيولوجيا.. لا يجب أن تظل خارج دائرة الاهتمام بقضايا المجتمعات، وبانشغالات الناس اليومية، ويزداد هذا الهاجس كلّما اقترن بخطر محدّق من حجم كورونا فيروس، لأنه من جهة يزكي الشعور بالقلق والخوف من الموت، كما يزكّي، من جهة ثانية، القلق من ” اللامرئي”، وهذا الطرح يعنيني أن أشير إليه بالنظر إلى كون التقدم البشري، والتطور الحضاري.. كل ذلك أفرز أنواعا من التحديات، وأشكالا من المآزق التي تهدد البشرية، وغياب الانسجام بين التقدم التكنولوجي – العلمي.. والتطور الفكري والثقافي المجتمعي يزيد من اتساع الهوة بين القطبين، والنتيجة هي تصنيف ” ميافيزيقا” الوباء ضمن اللاعقل الذي لا يقبله العقل.

وختاما، القراءة السابقة تُسعف في توضيح جدلية المرئي واللامرئي، كنا تُسعف في تجاوز التشكيك الهدّام الذي لا يستند لرؤية علمية وفلسفية، وما ينطبق على كورونا يصدق على قضايا كثيرة، ليست زائفة كما كان يُنظر إليها من مدخل الفلسفة التحليلية والمنطقية، وإنما هي قضايا مؤسسة لفهم علمي عميق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *