منتدى العمق

تركيا وسياسة الكيل بـ”سياستين”

كاتي رأي

مما لا شك فيه، أن تركيا اليوم في عهد الحزب الحاكم “العدالة والتنمية ” وبقيادة “اردوغان”. قد باتت في المنظور الواقع الدولي ذات حيز كبير داخل المشاهد الدولية، وعلى صفحات الإعلام المتعددة. فرغم أن تركيا الحديثة قد مرت بعدة أحداث، منذ قيامها، الا أن الواقع والموقع التركي اليوم أصبح ينافس بقوة في مجال “الجيو سياسي”، بل يتخطى ذألك إلى عدة مناطق ونفوذ، وهذا يعتبر منهاج معتمد منذ مدة وقد قام “اردوغان ” بتطبيقه على أرض الواقع، ويمكن أن يكون قد أستلهم هذه الإستراتيجية من صديقه القديم وزير خارجيته ومنافسه الحالي “أحمد داوود اوغلوا ” وكتاب المعنون: العمق الإستراتيجي ل”تركيا”..

” فالسياسية “الأردوغانية” الحالية ؛ورغم أنها قد كانت بين قوسين تحت المحك، بسب الانقلاب العسكري ،إلا انها قد اعتمدت على اسلوبين متناقضين ،ويمكن اعتبارها من “مخرجات ومدخلات السياسة التركية الحالية “.

فبعد الانقلاب الفاشل، اتجه أردوغان إلى إسكات الخصوم الداخلية بالأساس” سياسة داخلية ذات أبعاد عاطفية وموجه لكسب “الشعب التركي “، وسياسة خارجية، الهدف منها إرجاع النفوذ التركي داخل مجال القديم وبالقوة أو عن طريق التدخلات “البرغماتية” المنفعية.

أولا: رجوع آيا صوفيا…وكسب قلوب الداخل.

الظاهر أن تحويل “آيا صوفيا” من متحف إلى مسجد لم يكون صدفة في مخيلة الرئيس “اردوغان”، فالواقعة رغم أنها شأن تركي داخلي توقيتها و حيثياتها قد أختارها النظام الحاكم في تركيا بدقة وعناية، بعد ما كان يعاني من أزمات اقتصادية حادة وتراجع العملة المحلية، وهذا يدخل في “المدخلات السياسية “،أو بعبارة إخراج الأزمات الداخلية بمقاييس أخرى.

إن هذا القرار السيادي قد أشعل الأضواء والأبواق المناهضة لسياسة “أردوغان “، في بعض الدول غربية، وبعض المحسبين عليها من العرب، يتباكون على ما قام به “اردوغان”، بتحويل “آيا صوفيا “من متحف إلى مسجد.” وهي في الأصل كانت مسجد”. هذا التأويل والضجيج هل هو مبني على مفردات ووقائع حقيقية أم أنه فقط تسيس وشماعة ضد ما فعله “أردوغان”؟

فرغم الاختلافات السياسية مع توجهات الرجل في العالم العربي، الا أن ما قام به، يعتبر انتصار لمبادئ السيادة، ورغبة وطموحات الشعب. فما وقع عليه الرجل، هو نتاج فكر، ورؤية أختارها الشعب التركي، واستخلصها هذا الأخير.

لذلك، تركيا حصنت أمنها القومي، ومدركاتها من كل الأشكال التبعية السابقة، وهذا تحسد عليه، ويعطي الانطباع أن السياسة الداخلية التركية، أصبحت ذات طابع يتماشى مع “العواطف ” الشعبية والرغبة في الاستقلال الذاتي عن الدول، والإملاءات الخارجية.

على النقيض من ذألك، أما العرب “المطبلين”، والخارجين عن المسار، فماذا سوف نقول لكم، وأنتم من وقعتهم على بيع القدس الشريف ب”صفقة القرن “.أما “هيجان” الغرب على الواقعة، وإدخالها ضمن غطاء الدفاع عن “التراث العالمي” والحريات، في ذألك مردود عليه، وبالشواهد، والأدلة، وهو في الأصل العثرة الوحيدة، التي تعرقل بها أنقرة لدخول النظام “الإتحاد الأوربي”.

ثانيا: التدخل الخارجي. وجه تركيا الثاني!

بما ان السياسة التركية الداخلية تنتهج أسلوب يمكن القول انه يسير وفق الرغبة الشعبية، ويعطى الفخر والاعتزاز للفرد التركي، لكن هل ما تفعله تركيا داخليا تجسده خارجيا مع شعوب المنطقة؟

نحاول هنا تسليط الضوء على ليبيا كنموذج.

فالصراع الداخلي “الليبي”، وكثرة الأطراف الأجنبية المتورطة، والداعمة لهذا الانقسام الدموي. ودخول طرف أخر وهو تركيا “عسكريا سياسيا، اقتصاديا. يطرح السؤال التالي حول هذا التدخل: هل “يغرق” “أردوغان ” في المستنقع الليبي؟

منذ مقتل “معمر القذافي ” ورحيل عن الساحة الليبي، والمشهد ببلاد “عمر المختار ” لم تعرف الاستقرار والأمان، بل قسمت ليبيا إلى مناطق وجهات تابعة لفصائل، تتحكم فيها أجندات، ومصالح إقليمية ودولية.

فرغم أجود عدة لقاءات واتفاقات بين الفرقاء السياسيين” أتفاق الصخيرات نموذجا”، لتهدئة الساحة وتوقيف الحرب، إلا أن ذلك لم يجدي نفعا ولم يسقط قرار القتال الدائر بين الليبيين.

من هنا أتى التدخل التركي، وعلى خطوات، بداية كان كمساعدات للوجستية “للحكومة الليبية ” في طرابلس، وبعدها تطور إلى دعم عسكري، ثم تدخل مباشر

لمساعدة “الحكومة ” ضد فصائل “حفتر ” المدعوم من بعض الدول العربية والأجنبية.
لكن، عند مقارنة التوجهات السياسة التركية داخليا وخارجيا، نجد أنها باتت تعتمد “العصا القوية”، في تعاملاتها الخارجية من أجل بسط النفوذ، واستغلال الصراعات داخل الدول العربية مثل جل المتدخلين الأخرين، هنا تصبح المصالح أكبر من الجميع، ويخرج مفهوم “الغاية تبرر الوسيلة ” إلى العلن. لذألك، من يقول إن التدخل التركي في ليبيا أتى بعد التدخلات المتكرر من دول أجنبية، وإقليمية عربية في الشأن الليبي، ليكون شماعة أمل في القول مردود عليه.
فعندما نرجع إلى مقياس السياسة، والنفوذ، والمصالح، نجد أن “تركيا”، لا تختلف كثيرا في مفهوم “التدخل “،عن باقي الدول المتدخلة، في المشهد الليبي، بل هناك حصة يجب تقاسمها داخل ليبيا. ويمكن القول في هذا الشأن أن السياسة التركية الداخلية، تخالف سياساتها الخارجية، وتعاطيها مع الصراعات الإقليمية المتكررة.

في الأخير، تبقى السياسة التركية عامة، تنتهج سياسة غير متكافئة داخليا وخارجيا، ودالك راجع إلى استعداد النظام التركي، إلى تقديم التنازلات في الداخل لكسب قلوب الشعب “التركية”، لكن في المقابل، لن تسمح بتلك التنازلات الخارجية في الدول العربية، رغم انها لا تجلب إلا مزيدا من الدمار، والصراعات لشعوب هذه الدول. من هنا من ينتظر أو يقول إن التدخلات الأجنبية هي الحل، فعليه أن يتمعن جيدا في حال: ليبيا، العراق، سوريا، اليمن … إلخ.

* باحث في العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *