مجتمع

المعلم الناوي.. صانع تقليدي مراكشي يطوع النحاس ويحوله إلى تحف فنية (فيديو)

على نغمات مهدئة منبعثة من طائر صغير على مقربة منه، ينهمك المعلم الناوي في إتمام قطعة فنية عبارة عن هيكل نظارة مصنوعة من الفضة.

يضعها على عينيه ثم ينظر في المرآة، يتفحصها بين يديه كتحفة نادرة تستحق كل الرعاية والعناية، قبل أن يعود لطرقها خفيفا بمطرقة صغيرة ويتمم تفاصيل دقيقة على جنباتها.

يقول الناوي لجريدة “العمق” وهو يرفع بصره من قطعته المفضلة وينظر نظرة عميقة: “لا تصنع جمالا دون أن تكون محبا لكل ما جميل في الإنسان والطبيعة”.

“طبايلي”

استطاع محمد الدواز المعروف باسم “الناوي” وسط أصدقائه وزملائه، أن يترك بصماته في عالم الصناعة التقليدية بالمدينة العتيقة لمراكش وفي المغرب عبر بوابة حرفته “تطويع المعادن والنقش عليها” المسماة “تطبايليت”.

بحب جارف وموهبة متقدة يحول كل قطعة نحاس نصل يديه إلى تحف فنية جعلت منه أمهر صانع في مسابقات عديدة.

مخزنه الموجود متواريا بأحد زقاق ضيق بأحد الأسواق التقليدية، تحول إلى متحف صغير، تجده فيه أشياء مبهرة مثل نسخة مصغرة من صومعة الكتبية الشهيرة، أو أسطرلاب من النوع الرفيع، وأشكالا هندسية متنوعة.

يقول عنه محمد الزكراوي، وهو رئيس جمعية للصناع التقليديين: “تواضع الناوي في علاقته مع الناس في حياته اليومية، يقابل إتقان قل نظيره في صنعته، فهو يعد عملة نادرة بين الصناع القادرين على تطويع قطع النحاس دون الحاجة إلى تلحيم قطع بعضها ببعض”.

“مواهب”

يحكي الناوي أنه ورث هذه المهنة من عائلته فأبوه كان “طبايليا” وأيضا خاله، ولجها بعدما حصل على الشهادة الابتدائية، يذكر أسماء معلميه بكثير من الفخر والاعتزاز ويذكره واحد واحدا بأسمائهم وصفاتهم.

عندما تعلق بالحرفة أعطاها كل وقته وجهده وتفكيره، يبحث عن كل جديد منفتحا على تجارب في مختلف بقاع العالم، المزج بين الفكرة والصنعة أفضى به إلى أن يكون من أمهر الصناع ويحصل على جوائز متعددة في المغرب ويشارك في معارض وطنية ودولية.

يقول متأثرا: “بالرغم من الجائحة وغياب الزبائن، أجلس في محلي مستأنسا بطائري المغرد، ومخططا لأعمال أخرى قد أباشرها بعد رفع هذا الوباء والبلاء”.

“هموم”

يحكي الناوي بحسرة ما آل إليه وضع الصانع التقليدي الذي همش خلال السنوات الأخيرة. بدون تغطية صحية وتقاعد، يعتمد على حبه وشغفه بالمهنة والتضامن بين أفراد العائلة ليستمر في ممارستها إلى أن يشاء الله.

حين يتمم عمله الحالي، يعيد الناوي تحفته الفنية إلى علبتها المزركشة المصنوعة بيده، يحمل قطعة خام أخرى يقلبها بين يديها كأنه يريد أن توحي إليه بفكرة جديدة قبل أن يبدأ بطرقها طرقا خفيفا سيقضي حتما في النهاية إلى تحفة أخرى.

للناوي مواهب متعددة، فهو يحب أن يعبر عما بداخله بواسطة الرسم التشكيلي، ويطوع الحرفي العربي في أشكال هندسية رائعة.

يختم قائلا: “الإبداع مستمر مادامت الحياة مستمرة، والإنسان بطبيعته التي فطرها الله عليها قادر أن يواجه متاعب الحياة ويرسم البسمة وسط الحزن والألم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *