وجهة نظر

كورونا أيقظت الأحزاب وأدخلتها قسم الإنعاش وجراحة الأعطاب والكسور

تابعت النقاشات التي عرفتها مواقع التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة والتي لها علاقة بإشكالية دستورية، ألا وهي تعين حكومة تيقنوقراطية تسير الشأن العام خلال ازمة كورونا، ورغم اتفاقي على أن الدستور المغربي حاسم في هذه النقطة بالضبط ولا يمكن التراجع على النهج الديمقراطي، إلا أنه لي رأي آخر في بعض الأحزاب السياسية التي يجب ان تفكر قبل كل شيء في إعادة هيكلتها وبرامجها وتلميع صورتها..

رأيى في النقاش الواقع حاليا على مواقع التواصل الاجتماعي حول الديمقراطية والتقنقراطية، كمواطنة مغربية غيورة على وطنها قبل الاحزاب السياسية..

فالعالم يعيش منذ ما يقارب سنة على الوقع المدوي والمزلزل لفيروس كورونا، العالم بقواه العظمى ذات القوة الاقتصادية والعلمية والتكنولوجية والعسكرية والنووية والمخابراتية والسياسية غير المسبوقة في تاريخ البشرية، ينحني اليوم مهزوما مكلوما تائها أمام القوة الضاربة لفيروس مجهري فائق الصغر، لا تراه العين المجردة، تتقاذفه الأيدي والأفواه البشرية عبر أمواج ورياح العولمة النفاثة النافذة لكل الحدود حتى انتشر عبر كل أطراف العالم كالنار في الهشيم.

العالم بقواه العظمى يحصي أمواته اليوم بعشرات الآلاف وخساراته الاقتصادية والمالية والاجتماعية بآلاف الملايير من الدولارات وعشرات الملايين من العاطلين وملايين الشركات المفلسة بفعل الملازمة الإجبارية للبيوت درءا للعدوى القاتلة.

العالم بكل دوله لم يستطع لحد الآن الوصول إلى القضاء على هذا الفيروس، بل أكثر من ذلك اننا وجدنا أنفسنا أمام مجموعة من التحاليل العلمية المتناقضة والمختلفة بحيث يصعب معها الوصول إلى حقيقة واحدة وواضحة لهذا الفيروس.

كل هذا ونحن في المغرب أحزابنا السياسية تناقش إشكالا محسوما دستوريا غافلين النقاش الحقيقي الذي يجب ان يكون الأهم ويدخل في أولوياتهم، الا هو ما بعد الازمة وكيفية مواجهتها، وذلك بوضع برامج للنهوض بالبلاد والعباد على المستوى الاقتصادي والمالي والاجتماعي..

يلزم تسليط الضوء على مجموعة من الملاحظات حول بعض الاحزاب السياسية وهي كما يلي..

من الاحزاب السياسية من تعرف أزمة قيادات، حيث لعقد من الزمن فشلت معظم الاحزاب على إنتاج قيادات حزبية تحظى بالمصداقية والقبول الشعبي لها. ذلك أن الشعب المغربي اليوم يريد قائدا بخطاب واضح وهادف وعلمي وليس خطابا مستهلكا وفارغا لا يستجيب لطموحه ولا يحترم ذكائه..

الأحزاب السياسية تعرف حاليا ازمة أطر وتأطير، حيث أن أول مهمة للأحزاب السياسية هو تأطير المواطن سياسيا وأهم هو انتاج أطر متفوقة في جميع المجالات وقادرة للوصول إلى مراكز القرار من أجل خدمة الوطن عبر النهوض بجميع مجالاته وحسن تدبير مؤسساته ..

بعض الأحزاب السياسية تعرف أزمة برامج، ذلك أن المواطن المغربي يجد نفسه أمام برامج مستهلكة وسطحية ومتكررة وغير منطقية وغير مقنعة ولا تخدم المصلحة العامة للبلاد، أليس الأجدر بها في هذه الفترة الزمنية ان تفكر في البحث عن برامج تحتوي إستراتيجيات متقدمة وهادفة لإنقاذ البنيات الاقتصادية والمالية والتوازنات الاجتماعية لبناء اقتصاد طموح ومجتمع متضامن وإعداد الوسائل المالية الضرورية لتمويل النموذج التنموي الجديد الذي يتطلع له الكل لحفظ الأحد الأدنى من الكرامة لكل فرد من المجتمع والإبقاء على مصدر رزقه. علما بأنه لولا الاستباق والحكمة والتدبير المتميز الذي أبان عنه جلالة الملك لتدبير هذه الجائحة لوصل البلد للإفلاس العام ولكان الموتى بعشرات الآلاف ولتبخرت كل جهود للحفاظ على طموحات المواطن الاقتصادية والاجتماعية المتعددة والملحة ..

الأحزاب السياسية تعرف أزمة تشبيب هياكلها وقيادتها،

وهذه نقطة جد مهمة، حيث يجب على الأحزاب فتح المجال للشباب الطموح لتقلد مناصب المسؤولية داخل الهرم الحزبي اولا وداخل المؤسسات الدستورية ثانيا. لا يعني ذلك تجاهل خبرة وتجربة ورزانة القيادات القديمة بل يجب ان تبقى كعين أبوية تحرس استمرار الحزب وتقدمه.

هناك من الأحزاب السياسية التي تعرف أزمة خطاب، إن المواطن المغربي اليوم يرفض الخطاب الأجوف والفارغ والمتكرر والممل الذي يهدف بالأساس إلى الضحك على العقول والدقون، والاستهزاء من الذكاء الفردي والجماعي.

الأحزاب السياسية تعرف أزمة تدبير، إن قصر الزمن السياسي يجعل بعض المسؤولين الحزبيين في تسابق مع الزمن لتحقيق طموحاتهم الشخصية وليس انتظارات الشعب وبالتالي مشاريعهم خططهم دائما قصيرة في الزمن وأغلبها هدر للمال العام، على خلاف المؤسسة الملكية التي خارج الزمن السياسي تجدها دائما تضع مشاريع كبرى تهدف بالأساس للنهوض بالبلاد لمدة طويلة الأمد.

ان الأزمة الأخيرة قد عرت على الضعف الكبير والهشاشة المخجلة لبعض الأحزاب مما يفتح المجال لأسئلة عريضة عن مدى مصداقية سلطتها وشرعيتها لبسط نفوذها والتحكم في مستقبل سكان هذا الوطن الذين لم يختاروها أبدا – اذا ما أخذنا بعين الاعتبار نسبة المشاركين في الانتخابات الأخيرة والعزوف عن التصويت – لكي تمارس عليهم هذه السلطة العبثية التي هدمت مناعتها فيروس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *