وجهة نظر

من الإسلاموفوبيا إلى المسلموفوبيا.. المسلمون الغربيون وضرورة تكييف الخطاب (2/2)

الجزء الثاني

إشكالية المصطلحات وتكييف الخطاب.

قمنا في الجزء الأول من هذا المقال بتشخيص الوضع وإيضاح بعض ما يتوجب فعله على من سميتهم “المسلمين الغربيين” وأنا واحد منهم، وفي هذا الجزء سأهتم خاصة بضرورة تطوير الخطاب والمصطلحات المستعملة ومنها كلمة الإسلاموفوبيا.

إذن ولإتمام ما ذكرت أقول أن تكييف الخطاب واجب وضروري بتغير المفاهيم، مع الاحتراز من عدم السقوط في ازدواجية الخطاب، فالواقع يثبت لنا أن نفس المصطلحات وإن لم يتغير معناها فإن حمولتها الثقافية تتحول بتحول الثقافات، وتتبدل بتقلب الأعراف والتقاليد، فالمقبول هنا ليس مقبولا بالضرورة هناك، والمرفوض هنا ليس حتميا مرفوض هناك، فلما يصرح الواحد في المجال السياسي أنه إسلاميا مثلا فهو قد يقصد أنه ذو مرجعية إسلامية، أو ينتمي إلى حزب أو حركة إسلامية ، بيد أن فهمها يختلف حسب المخاطَب، وتعتبر الكلمة قدحية عند العموم في الغرب ومعناها الانتساب إلى تيار التطرف الإسلامي وفي أحسن الأحوال الأصولية الإسلامية المتشددة وبالتالي قبول التسمية يعني الاعتراف ضمنيا بالانتساب إلى تيار متشدد أو متطرف.

ومما يجدر ذكره، كون بعض السياسيين الغربيين في أوروبا وربما بإيعاز من بعض الدول العربية يختار عنوة سياسة عدم التفريق والتمييز في خطابه وسياساته بين المعتدل والمتشدد من أبناء الحركة الإسلامية وكل من يتخذ الإسلام كمرجعية خارج الممارسات التعبدية المحضة فهو في قفة ‘الإسلام السياسي‘ التي صنعت ليوضع فيها الجميع.

قد نتحدث عن المرجعية الإسلامية في المجال السياسي مع مقارنتها بالمرجعية المسيحية، ونشبه بين الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مع الأحزاب الديمقراطية المسيحية، لكن ليس الجميع يستحضر هذه المقارنة، وكلمة ‘الديمقراطية’ مهمة جدا، مع اعتبارها مبدأ جامعا وليس مجرد آلية انتخابية فقط.

اقرأ أيضا: من الإسلاموفوبيا إلى المسلموفوبيا.. المسلمون الغربيون وضرورة تكييف الخطاب (1/2) :

بعد هذه التوطئة، نتحدث عن مصطلح الإسلاموفوبيا التي تتخذ الإسلام كمرجعية لغوية، وبما أنها مصطلح غير تعبدي فإنها توضع في نفس القفة الذي ذكرت ، وتنسب قهرا إلى ‘الإسلام السياسي” ، لذا بات ملحا القيام بتجديد يحافظ على معنى مصطلح الإسلاموفوبيا دون أن يقع في الفخ.

من المعلوم لدى الجميع أن كلمة الإسلاموفوبيا الذي يدافع بها الكثير من المسلمين عن أنفسهم مكونة من كلمتي “الإسلام ” و”فوبيا” وهي الخوف المستمر والمزمن من الشيء وعدم تحمله وكراهته.

تحول معنى الكلمة وتطور -علاوة على معنى الخوف من الإسلام – للدلالة على شكل من أشكال العنصرية والتمييز بين الشعوب على أساس الدين ، أي كراهية المسلمين وعدائهم.

بيد أن الكثير من المفكرين الغربيين أصبحوا يردون الكلمة إلى معناها الأصل أي الخوف من الإسلام وكراهته دون المسلمين ويعلنون صراحة وبحجة حرية التفكير والضمير والتعبير أنهم إسلاموفوبيون، يخافون من الإسلام بل ويبغضونه كدين وفكر وإيديولوجيا، محتجين بالعديد من الحجج والأباطيل، ومنها أن الإسلام يتمثل ويتجسد في التصرفات المشينة للمسلمين، وهو الحاضنة الإيديولوجية التي تؤدي إلى الإرهاب وتحاول فرض الشمولية الفكرية على حد زعمهم، كما ذكر ذلك الوزير الأول الفرنسي والمرشح السابق للرئاسيات الفرنسية فرانسوا فيون في كتابه “هزم الشمولية الإسلامية”.

إذن انتقاد الإسلام جاء في هذا الباب، دون مراعاة للطبيعة السيكولوجية للمسلمين وارتباطهم الروحي مع رموزهم الدينية ، ومن ثمة اعتبر بعضهم مسألة ‘الكاريكاتير’ والتجديف نوعا من “حرية التعبير” لا تراجع عنها.

بل أن العديد من الجمعيات الحقوقية مثل الحركة ضد العنصرية ومعاداة السامية والأجانب في بلجيكا أو نظيرتها في فرنسا تقر بوجود مشكل في الدفاع عن دين معين، ولا يمكن أن تتدخل إلا للدفاع عن أشخاص وقعوا تحت التمييز العنصري بسبب انتمائهم الديني.

إذن نصل إلى نتيجة مفادها أنه في ظل القوانين الغربية خاصة غير الأنجلوسكسونية منها ومن أجل المرافعة والذود عن المسلمين ومقدساتهم وجب سلوك مسلك آخر للمرافعة والدفاع ضد إساءات تدخل في ‘خانة التمييز والعنصرية وتحقير الاخر’ لا في خانة ‘حرية التعبير’.

فما الذي يجرمه القانون الدولي عامة والأوروبي خاصة؟ القانون يجرم خطاب الكراهية الذي يسيئ ويعادي الأشخاص ويميز بينهم بسبب انتماءاتهم الدينية أو العرقية أو الثقافية أو بسبب اللون والجنس ..الخ

الآن إذا عدنا إلى قضية الكاريكاتير- ولو أنني أتبنى منها موقف التجاهل – وأصبحت مرافعتنا مبنية على القول أن الغرض من الرسوم المسيئة هو الإساءة إلى المسلمين وليس إلى الإسلام، باعتبار الرسول ص المثال الأعلى لكل مسلم في تصرفاته اليومية العادية وليس التعبدية فقط وعليه فالمقصود هو إذا كان قدوتكم هكذا فأنتم أسوء منه بكثير.

ومن هنا يتحتم تغيير المصطلحات المستعملة وخلق مصطلح يجيب على الظرفية ويتجاوز الإشكاليات المذكورة ويستطيع به المسلمون الدفاع عن أنفسهم كمواطنين لهم نفس الحقوق والواجبات.

ومن ثم يتضح استحسان استعمال المصطلحات والكلمات التي لا يشوش عليها ، تلك التي يمكن أن تلقى بعض الآذان الصاغية، وبعض العقول المستنيرة غير الحاقدة، وبعض المناضلين القادرين على تبنيها، وتجنبنا الحجج الواهية وتفضح أسلوب ” إياك أعني واسمعي ياجارة ” .

من خلال ما ذكرناه، يظهر لي أن المصطلح الذي يليق هو ذاك الذي تتجلى فيه معاداة المسلمين بكل وضوح وعليه أقترح تغيير كلمة “الإسلاموفوبيا” بكلمة أخرى لعلها تفي بالغرض ألا وهي كلمة ‘المسلموفوبيا’.

* عمر المرابط
مهندس خبير في التحول الرقمي
باحث  في الشؤون السياسية
نائب عمدة مدينة أتيس-مونس الفرنسية سابقا

 

 

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • عبدالله الخروبي
    منذ 3 سنوات

    لا التعليقات