وجهة نظر

التطبيع.. ماله وما عليه‎

كاتب رأي

نتابع نقاشا كبيرا على جميع المنابر الإعلامية حول التطبيع الرسمي مع إسرائيل بيد الرجل الاول لحزب إسلامي عقيدته المذهبية واضحة للعيان من ربط الاتصال بمن تسبب في تهجير ،وقتل شعب بأكمله في فلسطين.

كل هذه الأمور المحيطة بواقعة التطبيع مع إسرائيل معروفة، والتبريرات التي صرحت بها الامانة العامة للحزب والحركة والفعاليات الحزبية الموضحة لسلوك توقيع الاتفاق مع الكيان الإسرائيلي والأمريكي أكدت بالملموس مجموعة من القناعات:

اولها أننا أصبحنا عاجزون على تقديم رؤية واضحة في سؤال من نحن؟ اي أن قضية الهوية والمرجعية تجعل من الإسلاميين المشاركين في تسيير أجهزة الدولة سواء حكومة أو مؤسسات

دستورية أن يميزوا بين قناعة الانتماء العقدي بما يحمله من تصورات واضحة،و تحتاج إلى المراجعة والنقد وإعادة النظر في قضايا أساسية ، تدخل ضمن العلاقات الخارجية التي لا نملك فيها رؤية واضحة بل فقط انضباطنا لمواقف جاهزة وثابتة ، ولا نستطيع أن نعطي رأيا في الخيارات المطروحة، رغم أننا نسير حكومة تمتلك أغلبية ، ولها سند شعبي هام ، وعلى اعتبار أن هذه القضايا تتسم بنوع من القدسية وأن لها أبعاد وطنية مرتبطة بالثوابت الوطنية .

ثانيها :أننا نحن الإسلاميون مازلنا غير قادرين على أن نميز بين الموقف العاطفي والموقف السياسي ، ولذلك بقيت العاطفة هي التي تدافع على القضية الفلسطينية وتضامننا مع الشعب الفلسطيني في المسيرات الوطنية والوقفات الاحتجاجية ، رغم أن مسلسل القضية كله هزائم واتفاقيات بين أصحاب الشأن الفلسطيني وبين الاحتلال الإسرائيلي ورعاية أمريكا، وما نتج عن هذه الاتفاقات من تجزيئ المجزئ وتقسيم المقسم، حتى أصبحت فلسطين 48 وفلسطين 67 وفلسطين 92 وفلسطين القطاع وفلسطين غزة ، كل هاته المراجعات تدل أن الآخر يملك استراتيجية للاحتلال وتأبيده بما يضمن استمراريته ونموه في الوطن العربي وحتى ابعد نقطة وهي المغرب وعمقه الإفريقي.

ثالثا: أن التطبيع مع الكيان الإسرائيلي ليس هو المشكل ، بل المشكل هو أننا ظننا أننا في خيار المقاطعة نجحنا في وقف هذا الكيان الغاصب والذي استطاع أن يضمن نفوذ استراتيجي في المنطقة ،رغم الادانات المتكررة له من طرف المنتظم الدولي في جرائمه ضد غزة وأطفالها، الا انه بنفوذه القوي ضمن رعاية امريكية رغم العزلة السياسية التي عانى منها، والتي جعلت منه يفكر بطريقة تعيد سيناريو كامب ديفيد جديد بنفس عالمي عولمي سمي بصفقة القرن، مما أعطى له نوع من تبييض جرائمه بعقود تطبيع مع العديد من الدول العربية التي كانت تعارض مجرد التفكير في ربط اتصال مع هذا الكيان وخاصة بعد توالي جرائم الدمار للسكان المدنيين بغزة وبعض المناطق الفلسطينية.

رابعا :عدم وجود رؤية موحدة لمواجهة التطبيع مع إسرائيل من جهة وخاصة من الإسلاميين باعتبارهم الخيار المتبقي لنفس المقاومة بعد انهيار الأنظمة العربية الداعمة لتيارالقومية ، وخاصة العراق وسوريا وليبيا واليمن ، ولذلك هذا الاختلاف في من طبع وربط اتفاقات استراتيجية بين تركيا مثلا واسرائيل وهي اتفاقيات خطيرة بثقافتنا العاطفية تشكل خيانة للقضية وتجريم لتركيا ، لكن حينما نريد أن نعيد النظر في العديد من المواقف التي كانت جريئة فيها، وواجهت إسرائيل بضغط دولي وقف العدوان على غزة وكذا مواجهتها في العديد من الملتقيات، يجعلك تقف مصدوما وعاجزا على الفهم أو التحليل فالموقف التركي يجب أن يكون نموذجا في الممارسة والعمل الديبلوماسي، لأنه يشكل انموذج قوي ومنافح على القضية الفلسطينية رغم معارضة العديد من الأطراف، للتدخل التركي الذي يعد عضو في الحلف الاطلسي وتربطه مع إسرائيل علاقات جيواستراتيجية في المنطقة ، تجعل منا في حاجة إلى أن نفهم أن الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي لا يحسم بالعواطف والكوفيات الشامية ، بل بقدرتنا أن نعيد قوة المغرب الدبلوماسية بما يضمن حضورا قويا في المنتديات الدولية كما كان حينما فرحت أمريكا تحت الصدمة باعتراف المغرب باستقلالها ومراسلة الدول الاوربية الكبرى بهذا الاعتراف.

خامسا: عدم القدرة على التمييز بين الحليف الإستراتيجي للقضية الوطنية المغربية والطرف الآخر المرتبط بالعديد من المواقف والجرائم ضد الإنسانية يجعلنا قاب قوسين من أن نحقق أهداف ديبلوماسية والواقع أن المغرب قبل عشر سنوات كان يعيش عزلة أملتها الطبيعة الجيوستراتيجية التي فرضتها الدول الجارة غير الصديقة وحتى الصديقة منها ، مما جعله يحتاج إلى تفكيك هاته العزلة بقرار رجوعه إلى العمق الإفريقي بما يضمن قوة ونصيرا استراتيجيا وتغيير للمواقف ، فهل رجوع المغرب للاتحاد الإفريقي هو اعتراف بالمرتزقة ،سيكون سؤالا غبيا في علم العلاقات الدولية ،لانه علم واقعي نحتاج إلى دراسته بشكل يجعلنا نكون قناعتنا بشكل علمي وليس بعاطفة عصبية تفقدنا حتى صدق ما نعتقده، هذا من جهة ومن جهة ثانية نفهم أن الدبلوماسية لاتبنى بالشعارات ، بل هي تاريخ من التواصل الدولي بين الحليف الإستراتيجي الذي يؤمن بقضيتك ويدافع على وجودك في المنتديات الدولية ، وبين الشريك الذي تربطك معه علاقات تاريخية ربما يعتبرها الآخر المزعج خيانة له ،لأنها تذكره بالماضي الاستعماري رغم انه في وقت ارتكب افظع من جرائم في حق شعبه ابان إجهاض التجربة الديموقراطية.

لذلك يجب أن نكون واعون بأن هاته هاته الوقائع تجعلنا بحاجة إلى فهم ودراية عالية في فهم المواقف الدولية التي ماهي الا ضربات صدمة تبين عجزنا على التحليل وعدم قدرتنا على التعبير، لذلك سيبقى خيار مواجهة إسرائيل مجرد حلم أو عاطفة ندغدغ مشاعر الطفل الذي بداخلنا ، أظهرت أننا نصنع مواقف في حين ان المواقف هي التي تصنعنا.

* خبير بالمعهد العربي للتخطيط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *