وجهة نظر

عودة عصر الانحطاط.. تربية إسلامية أم وهابية؟

يتعلق الأمر بالضجة التي أثارتها مقررات التربية الإسلامية لهذه السنة الدراسية بالمغرب، بما تحمله من مصادر متطرفة ومضامين غريبة لا علاقة لها بالتدين العام للمغاربة، دولة ومجتمعا. وقد ارتأينا فحص أحد هذه المقررات، عنوانه: ”منار، التربية الإسلامية، للسنة الأولى للتعليم الثانوي التأهيلي”. وقد أثار استياء عاما في داخل البلاد وخارجها، سيّما من طرف أساتذة الفلسفة والعلوم الاجتماعية والإنسانية. وسرعان ما تبين لنا أن خطورته تتجاوز مجرد تكفير الفلسفة والعلم، إلى الترويج لمضامين دينية هي بالذات ما تعتمد عليه التنظيمات المتطرفة الإرهابية.

وهنا يحق التساؤل حول هذا التناقض الصارخ بين الالتزامات المعلنة للدولة المغربية بمحاربة التطرف والإرهاب، وبرعاية حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا، وبين ما تقرره رسميا في مدارسها العمومية من أفكار مناهضة للحداثة والديموقراطية، كما تروّج لها جماعات الإرهاب الإسلامي.

1. مصادر ناقصة:

كان الغرض في الأصل فحص المصادر التي اعتمد عليها أصحاب المقرر لمناقشة جدواها البيداغوجية، لكن سرعان ما خاب الظن، ليس فقط بسبب النقص الواضح في نوعيتها، بل من حيث أنها لم تُستثمر استثمارا منهجيا بقدر ما جاءت على شكل أسانيد ذات حقيقة مطلقة لا يسع التلميذ إلا التسليم بها دون نقاش، عوض دفعه إلى النظر في تاريخيتها ومراجعة مسلماتها كما يليق بكل كتاب بيداغوجي جاد.

بلغ مجموع المصادر حوالي 30 مصدرا ومرجعا. الثلث منها للمتقدمين(القرن 3و4هـ) والثلث الثاني للمتأخرين(مابعد القرن 5هـ) والثلث الباقي للمعاصرين من الكتّاب لما بعد عصر النهضة. وراء هذا العدل الظاهر شطط واضح لكل من له اطلاع. إذ لم تحض هذه المصادر بنفس المعاملة والاهتمام. وأغلب هؤلاء الكتاب المعاصرين هم من أتباع الوهابية الذين لا تخلو منهم قناة خليجية ولا موقع إلكتروني خليجي، مثل الزنداني وزغلول النجار ومتولي شعراوي وحنبكة الميداني وسيد العفاني… ومن الغريب ألا يوجد من ضمن المصادر ولا مغربي واحد مثل محمد بلعربي العلوي أو علال الفاسي أو المختار السوسي أو عبدالله كنون أو طه عبدالرحمن…

وغيرهم كثير. وممّا له دلالة واضحة على الميولات الأيديولوجية لأصحاب هذا المقرر، أننا لا نجد ضمن مصادرهم القديمة لا ابن حزم ولا الشاطبي ولا حتى مالك بن أنس، رغم أنهم يعيشون في كنف دولة تدّعي أنها على مذهب المالكية في الفقه، والمقاصد في الشريعة.

وفي المقابل، يتمّ الاحتفاء بالحنابلة وعلى رأسهم ابن تيمية وابن القيم الجوزية، بل يتعدّى الأمر إلى الاستشهاد بنصوصهم وتبنّيها في إعداد الدروس. رغم أن نصوصهم هي المادة الأساسية التي تعتمدها التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وهي نصوص تنتمي إلى ما اصطلح عليه المؤرخون بعصور الانحطاط في الحضارة الإسلامية. والأغرب، أننا لا نصادف أبدا مصادر علم الكلام العقلانية، رغم أن المفاهيم الأساسية المستعملة في المقرر هي مفاهيم كلامية مثل العقيدة، العلم، الإيمان، العقل، العدل، التوحيد… إلخ.

مفاهيم تطاول عليها المحدثون والفقهاء المتأخرون وأفرغوها من محتواها وجعلوها ألفاظا عامّيّة لاتليق إلا بالأميين، في خطب الجمعة. وهو ما سعى أصحاب المقرر لحشو أذهان التلاميذ بها دون تنبيههم كما يجب بيداغوجيا إلى مصادرها الأولى. لم يُعتمد فعلا في هذا المقرر إلا أقوال أهل الحديث وبضعة من الفقهاء المتأخرين على مذهب الحنابلة. فهل هذا مقرر مغربي للتربية الإسلامية أم للمذهب الوهابي؟

2. مفاهيم مشوّهة:

وبما أن المنطلق كان بمثل هذا النقص، فقد كان لكل هذا أثر على سلامة المفاهيم المستعملة، وعلى رأسها مفهوم “العلم”.فرغم التعريف الساذج لمفهوم العلم الحديث، فقد تمّ الاعتماد بالمطلق على مفهوم العلم كما كان سائدا في القرون الوسطى، قبل الثورة المعرفية الكبرى التي عرفها العالم في العصر الحديث. والأدهى أن أصحاب المقرر أشاروا صراحة إلى أن المفهوم المعتمد عندهم هو ما قال به ”الفقهاء والمحدثون والأصوليون”. وذلك حتى يظل مفهوم العلم غامضا عند التلميذ، فيظن ألا فرق بين علم الفقهاء والمحدثين والعلم الحديث إلا بالموضوع. هؤلاء يدرسون الطبيعة والإنسان والمجتمع، والآخرون يدرسون النصوص المقدسة.

في حين أن الفرق الشاسع بينهما يكمن في كل شيء: في المبدإ والمنهج والغاية. كيف لم يفهم أصحاب المقرر أن مفهوم العلم الحديث لا ينطبق إلا على المعرفة الاستكشافية، وأن الغاية منه اكتشاف المجهول لا إثبات المعلوم. وأن منطلقه الشك في كل شيء، لا اليقين . وأنه النظر المجرد من أي اعتقاد ديني أو فلسفي أو أيديولوجي، لغاية إبداع نظرية تفسيرية أو إبطالها أو توسيع مجال استعمالها أو تعديلها. فأين هذا من “علم” الفقهاء والمحدثين؟؟

ونفس الجهالة تنطبق على مفهوم الفلسفة. يقدّم أصحاب المقرر نظرية أوغست كونت في المراحل الثلاث، دون الإشارة إلى صاحبها باعتبارها هي الفلسفة بعينها. ثم يعارضونها بما يقول الفقهاء والمحدثون بشكل فجّ قد لا يكون في صالح الدين. وحتى عندما يقسّمون مباحث الفلسفة إلى مبحث الوجود ومبحث المعرفة ومبحث القيم المنقسم إلى علم المنطق وعلم الأخلاق وعلم الجمال؛ يشيرون إلى أن كل ذلك موجود في الدين ما عدا علم المنطق وعلم الجمال. فكيف يدّعون أن الدين عامّ شامل لكل المعارف، واثنان هامان جدا لا يشملهما؟ لن نشير إلى المنطق، فأهميته واضحة اليوم لكل عاقل، رغم ادعاءات ابن تيمية؛ ولنقف عند الجمال. ألا يعلم أصحاب المقرر أن الفنّ كان في أساس تطوّر الأقيسة المعرفية التي أدّت إلى الثورة العلمية والصناعية التي تعرفها الحضارة اليوم؟؟ أقيسة تجاوزت الأقيسة اللغوية التي لا يعرف الفقهاء غيرها.

وما يقال عن العلم والفلسفة يقال أيضا عن مفهوم البيئة. ففي غياب وعي تاريخي، لم يفهم أصحاب المقرر أن مفهوم البيئة مفهوم مستجدّ، لم يظهر إلا في إطار المجتمع الصناعي الحديث، حيث أضرّ النشاط الصناعي المكثف بالنظام البيئي العام. وأن هذا المفهوم لم يكن موجودا من قبل لهذا السبب الأساسي. لقد كان أولى بأصحاب المقرر اللجوء إلى تعريفات العلماء البيئيين (الأيكولوجيين) لتحديد مفهوم النظام البيئي، عوض ذلك التعريف الأمّي الساذج الذي وضعوه. إذا كان النظام البيئي نسق مترابط بين الكائنات الحية والمناخ والأرض، وهو أمر يتمّ اكتشاف عناصره كلّ يوم، فكيف يستطيع التلميذ استخراج هذا المفهوم من نصوص قديمة لم تكن البيئة مشكلا بالنسبة لأصحابها؟

وفي نفس منطق الدّجل، يتناول أصحاب المقرر مفهوم التسامح. يفذلكون الكلام العامّي حوله ليصلوا إلى أن المراد منه المسامحة مع من أساء في حقّنا. إن التسامح هنا هو مرادف لكلمة Pardon ، ويتجاهلون المعنى التاريخي المتعارف عليه عند الحقوقيين والذي يفيد قبول الاختلاف في المعتقدات الدينية، وأن الكلّ متساو في حقوق المواطنة بغض النظر عن ديانته ومعتقداته. لكن أصحاب المقرر لا يريدون من التلميذ معرفة أن التسامح هو ترجمة لكلمة Tolérance وهو مفهوم لم تصله البشرية إلا بعد صراعات دينية وطائفية كبرى كالتي عرفتها أوروبا وعرفها العالم الإسلامي، بالضبط بسبب هؤلاء الفقهاء والمحدثين الذين يعجّ بهم هذا المقرر البئيس. 

3. معلومات خاطئة:

من أسوإ ما يمكن أن يفعله المربّي أن يبلّغ المتعلم معلومات كاذبة، كالتي نجدها في هذا المقرر .يؤكد أصحاب المقرر، دون أن يرفّ لهم جفن، في موضوع الكفاءة: ”استمدّت القطاعات والدوائر والمؤسسات مبادئ التكليف من قصة يوسف عليه السلام الذي ولاّه ملك مصر خزائن الأرض بعد أن أكّد يوسف عليه السلام، وتأكّد للملك ”الريان بن الوليد” بدوره مدى كفاءته واستحقاقه لتولّي منصب وزارة المالية” (كذا!!) ولنا أن نتساءل منذ متى جلس المسؤولون لاستنباط مبادئ التكليف من قصة يوسف أو من القرآن برمته؟ ألا يعلم الجميع أن مبادئ التكليف في نظام الإدارة الحديث مستمدّ مباشرة من النظام الإداري الذي تركته الحماية الفرنسية؟ هذا إما جهل أو كذب صراح لا يليق برجال التعليم، وفوق هذا يضع فكر التلميذ في وضع حرج وهو يرى بالفعل ألا علاقة بين قصة يوسف ونظام الوظيفة العمومية.

ثم هل كان هناك فعلا في الماضي شيء اسمه ”وزارة المالية” أم هذا مجرد تشويه متعمد للاصطلاح؟ أما أن يؤكد أصحاب المقرر، بكل ثقة، أن ملك مصر آنذاك اسمه ”الريان بن الوليد”، فتلك قصة أخرى، تثبت جهلهم العميق بمنهجية المؤرخين الإسلاميين القدامى الذين كانوا يتحفظون على كل المرويات المتعلقة بما قبل الهجرة، حيث يبدأ التاريخ الحق في نظرهم، لضعف أسانيدها وهي إسرائيليات في مجملها، ويعتبرونها من أساطير الأولين، فيروونها على حالها دون تدخل منهم، ليبيّنوا إلى أي حدّ كان الناس يعيشون في ضلال مبين.

وحول موضوع البيئة، يؤكد أصحاب المقرر دون تمحيص، أن ”للإسلام قصب السبق في توجيه البشرية للحفاظ على البيئة لأهميتها” ثم يستشهدون بأحاديث لا تفيد إلا الاهتمام بالزرع والغرس وإحياء الأرض الموات للاستثمار الفلاحي أساسا، وليس تنظيرا لنظام بيئي لم يفقد توازنه بعد، مما نجد أكثر منه في أدبيات الحضارات السابقة على الإسلام بقرون عديدة. وهي حضارات زراعية أصلا، وليست رعوية كما نجد عند نفس البدو حتى الآن. فماذا سيكون موقف التلميذ عندما يطلع على تلك التجارب الحضارية الكبرى؟؟

وإمعانا في الترويج لمعلومات، في أحسن الأحوال، خاطئة، يقولون بصدد ”الإيمان وعمارة الأرض”: “وتعمل آلات هذه الشركات (=الإشهارية) ليل نهار على التدمير الشامل لمقومات الحياة الإنسانية البيئية والصحية (…) كما تعمل إنتاجات أخرى فكرية في مجالات متعددة حقوقية وفلسفية واجتماعية على تدمير الحياة الأسرية والاجتماعية” ثم يلخّصون الغزو الفكري في ”الفكر الذي يقول لهم إن القيم والأخلاق والمبادئ لغو ساقط من الحساب”، كما لو كان هذا الكذب والدّجل في هذا المقرر هو الأخلاق بعينها. فمنذ متى كانت الإنتاجات الفكرية الحقوقية والفلسفية والاجتماعية تسعى إلى تدمير الحياة الأسرية والاجتماعية، ونحن نرى مستوى الرقي الحضاري والإنساني الذي وصلته البشرية بفضلها، مما لا يسع التلميذ إلا لمسها مباشرة ومقارنتها بمستوى “الحضارة الوهابية” التي يمتح منها أصحاب المقرر.

4. أسلوب لا بيداغوجي:

يحافظ كل رجال التربية على مقوّمات الأساليب البيداغوجية في التلقين. لكن هنا لا يسع المرء إلا التعجب من إدراج نص لزغلول النجار يؤكد فيه تماثل عدد الكواكب مع عدد إخوة يوسف: إحدى عشر كوكبا والشمس والقمر. ولا ندري ما قول أساتذة الجغرافيا في الموضوع ولا حتى الفائدة المرجوة من نص كهذا في تفسير سورة يوسف.

وفي درس آخر، يتمّ الاعتماد على نص لفقيه حنبلي هو حبنكة الميداني يشير فيه إلى العلم الذي يدركه البشر وعلم الغيب، الذي يعتبره ” ممّا استأثر الله بعلمه”. لكن المقرر يطالب التلميذ بذكر عناصر ذاك الغيب بالذات من النص نفسه الذي يؤكد عدم إمكانية الاطلاع عليه.

ولأنه لا يخفى على من اطلع على هذا المقرر أن عقدة أصحابه هي الفلسفة والعلم الحديث، فإنه لن يفهم كيف يطالب المقرر التلميذ بالبحث عن نصّ لأحد فلاسفة الإسلام يتحدث فيه عن الإيمان ؟؟ ليس لأن ما كتبه هؤلاء الفلاسفة شاسع جدا لا يستطيع أصحاب المقرر أنفسهم الإحاطة به، بل لسبب أهم وهو أن الإيمان ليس مفهوما فلسفيا أصلا، بل هو مفهوم كلامي (=علم الكلام). فكيف يطلب من التلميذ البحث عمّا ليس موجودا، إلا لتسفيه الفلسفة والقول بأنها لا تهتم بالإيمان؟؟ هل هذا أسلوب أخلاقي، حتى لا نتساءل عمّا هو بيداغوجي في المسألة؟؟

ونفس الشيء يقال عن مطالبة التلميذ بمقارنة عقيدة التوحيد بالمذاهب التي ”اخترعها البشر” كما قالوا. وينسى هؤلاء أن الفقه والحديث والأصول هي كذلك من اختراع البشر. وأن مفهوم التوحيد نفسه غير متفق عليه بين المسلمين. وإلا، من هو الموحّد على الحقيقة: المحدثون والفقهاء الذين يجسّمون الله آخذين ألفاظ القرآن على ظاهرها اللغوي، والقائلين بقدم القرآن مع الذات الإلهية، أم المعتزلة الذين قالوا بخلق القرآن لتنزيه الذات الإلهية من الشرك والحاملين لألفاظ القرآن على المجاز، أم أهل التصوف القائلين بالحلول وبوحدة الوجود؟؟ ألم يكن أجدى دفع التلميذ إلى فحص هذه المواقف لتكوين فكرة عن صعوبة الموضوع. إن التلميذ سيصطدم بهذه المقولات متى توسّعت مداركه مستقبلا، وحينها لن ينفعه أسلوب الخطابة الذي لا يغني في هذا المقرر.

5. أهداف خطيرة:

ماذا ننتظر من الاعتماد على مصادر ناقصة، ومفاهيم مشوّهة، والترويج لمعلومات خاطئة بإسلوب بعيد عن مقتضيات البيداغوجيا غير الوصول إلى أهداف خطيرة اجتماعيا وفكريا.

يؤكد أصحاب المقرر على تسويغ استعمال الحيل الفقهية التي ذمّها كثير من الصحابة والتابعين، لما فيها من تحايل على الشرع، ومقتضاها كما قال الشاطبي:” تقديم عمل ظاهره الجوازلإبطال حكم شرعي، وتحويله في الظاهر إلى حكم آخر”، وهل تفعل داعش والقاعدة غير هذا في كثير من الأمور؟

وعندما يركز أصحاب المقرر على وجوب اليقين التام، بل اليقين أيضا ”بالنصر والتمكين” (كذا!)، لا الشك المفضي إلى البحث المعرفي وتوسيع مجال النظر، ويؤكدون من جهة أخرى على أن ”الحجاب أمر من الله” وليس أمرا خلافيا بين الفقهاء، وأن من يشك في ذلك ”يكون قد ترك أمر الله”.. فلنا أن نتصوّر ردّ فعل المتعلم الذي يثق في أستاذه. وإذا أضفنا إلى هذا ما يقرأه التلميذ على لسان ابن القيم الجوزية من أن ”أصل الدين الغيرة، ومن لاغيرة له لادين له (…) فإن ذهبت القوة وجد الداء المحلّ قابلا” كما ورد في المقرر، فللقارئ أن يتصوّر تلك الغيرة ذات الحمولة الأيروسية في ذهنية المراهقين ممزوجة بالدين وإلى ماذا تؤدي.

وعندما يقرأ في المقرر:”أرعى حفظ مجتمعي بالتضامن مع أبناء وبنات وطني لحفظ كرامتهم، مسهما(ة) -مما أتيح لديّ- بوقايتها من كل فاحشة تروم فسادها”، فإننا لاندري ماذا يمكن أن يكون متاحا للتلميذ، هل حجر أو سيف أو رشاش أو قنبلة؟؟ ومما يزيد الطينة بلّة، هو تساؤل على شكل تأكيد من أصحاب المقرر حول: ”كيف يكون دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في صيانة الحضارة” و”ما موقفك ممن يفسد في الأرض ولا يصلحها؟” أليس كل هذا تسويغا واضحا للعنف المؤدي للفتنة؟ وليس غريبا، بسبب ميولاتهم الأيديولوجية، أن أصحاب المقرر لم يشيروا ولا مرة واحدة، إلى موقف الفقهاء غير الحنابلة إلى أن ”الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” هو من صلاحيات ولاة الأمور فقط، ولا يجوز للأفراد القيام به إلا على أنفسهم، درءا للفتن والمظالم وحفظا للتلاحم الاجتماعي والاستقرار السياسي.

وأخيرا، ندعو المسؤولين الذين وافقوا على هذا المقرر إلى القيام بمقارنة بسيطة بين ما ورد فيه وما يوجد في أدبيات جماعات مسيحية متطرفة مثل جماعة ”شهود يهوه” les témoins de Jéhovah وليكن منشورهم: La vérité qui conduit à la vie éternelle للوقوف على مدى التطابق والتماثل بينهما في الدجل والمغالطات العلمية والتاريخية. إلا أن هناك فرقا شاسعا بينهما: إن الدول ”المسيحية” لا تسمح أبدا بأن يتمّ تدريس هذه المواد في مدارسها العمومية فأحرى أن تتبنّى مضامينها. لإنها بكل بساطة دول عقلانية حسمت منذ قرون مع هيمنة رجال الدين على ضمائر المواطنين. وجعلت العقل هو أسّ كل شيء: الديموقراطية في السياسة، والمواطنة في الاجتماع، والعقلانية في الفكر، والحرية في المعتقد التي يتمتع بها المسلمون على أرضها.

وعليه، فإذا كان المسؤولون يسعون حقأ إلى دولة الحداثة والديموقراطية، كما يدّعون، فقد صار واجبا إما إلغاء مادّة التربية الإسلامية هذه وتعويضها بعلم الأديان المقارن، وإما بجعلها مادّة اختيارية لأن كثيرا من المواطنين لا يوافقون على مضامينها الوهابية.
وكلمة أخيرة للمؤلفين: لو طبّقنا عليكم مضمون درس الكفاءة والاستحقاق الوارد في هذا المقرر على علاّته، لوجدتم أنفسكم في الشارع، في أحسن الأحوال.

ــــــــ

باحث مغربي وعضو منتدى الفكر الحر