وجهة نظر

ثمن السياسة وللسياسة أسعار

أصبحت ممن يضحكون في وجه من يسمون أنفسهم برجالات السياسة. نعم استهزء بكلامهم، عفوا بسلعتهم، التي أصابها الإفلاس. صحيح أنني مدين للسياسة بتعليمي و مدرستي و مستوصفي و مسرحي وأغنيتي و اناشيدي و لكني لست مدينا للأحزاب التي لبست ثوبا آخر منذ أكثر من عقدين من الزمن في بلادي. نعم سوف أستمر في متابعة الندوات السياسية التي أعرف أنها ستحبطني من اليسار إلى اليمين.

وسوف أعترف بأني جزء ممن فقدوا الثقة في من لا زالوا يلعبون دور المغاويير في مسرح سياسة بلادي. سمعت شابا اكتسحه شيب، كان وزيرا و أمينا عاما لحزب صغير له مقر كبير شيد بالملايير في أرقى الأحياء بالعاصمة ولا أدري من أين أتى المال و التمويل. هذا الشاب لا زال يضع اوزاره على أكتاف الآخرين و هو الذي لم يعرف كم قاسى من سبقوه في مواجهة أبسط حاجيات الحياة.

قيادات الأحزاب لدينا تعرف تكلفة ممارسة السياسة. شبكتهم في مجال المال و العقار و العقود و الشركات تسهل إختراق وساءل التأثير و الصورة و حصد الأصوات. و من حاول الاصطياد خارج الشبكة يكتفي بصيد قليل لا يؤمن تواجده في خارطة التمثيل في مجالس القرار. المسألة في تسيد قوة تدبير مليارات الدولة و توجيهها قطاعيا و إختيار المستفيد من الصفقات و المعفى من الضريبة و المستولي على الخيرات و الموجه للإستثمار. قد تكون جاهلا بكل البرامج القطاعية و لكن يكفي أن تضبط ميزان الربح و الخسارة حين تستثمر في السياسة. ليس المهم تكلفة إستقبال أو عشاء أو إستضافة في فندق أو تنظيم حفل بحضور الملاح، و لكن أن تكون الفاتورة النهائية بما في ذلك الاكراميات أقل كثيرا من أرباح سوف تأتي كمساهمات في مشاريعك في كافة القطاعات. و رغم كل هذا يستصغر السياسي العالم بخبايا البيع والشراء في التزكيات كل صحافي طرح سؤال قيمة السياسة في زمن البيزنيس.

نعم للسياسة ثمن، وقد كان هذا الثمن سجنا و نفيا حرمانا و غيابا. هذا الثمن الذي يمكن أن نسميه بالثمن التاريخي لم يعد له مكان في السوق الحالية للإنتخابات. الثمن اليوم رصيد بنكي و عقارات و مصالح تقضى. الكل يعلم ميكانيزكات السوق و الزعماء ينكرون و يصل بهم الحد إلى تسفيه من صور تدبير السوق من الداخل . و حين يتم تناول سوء التدبير يتم الهجوم على التقنوقراط و تنسب إليهم آفات العصر و امراضه و ربما حتى كوفي 19 و ننسى أن كل الأحزاب سكتت عن الوزراء التقنوقراط مالكي مفاتيح وزارات السيادة و تعاملت معهم في انسجام و حاولت أن تطلب ودهم و استجدت عدم نشرهم لملفات تدينها. و ترجع القيادات غير التاريخية لتصب الغضب على الصحافي و على المثقف و على المواطن لتحمله كل الأوزار و خصوصا الاستجابة لإضعاف الأحزاب.

و حتى أحزاب الإدارة أصبحت تحاول البحث عن سكن آمن و مستقر في حي أحزاب قديمة المنشأ و ذلك طمعا في غسيل آثار حاضر مستفز. و لأن الارتجال في كتابة التاريخ لن يضع ابدا حزب الإستقلال جنبا الى جنب مع الأصالة والمعاصرة فإن ردة فعل الأمين العام الجديد للوافد الجديد دائما لم تستسغ تريث نزار بركة، خلال ندوة جمعتهما أخيرا، في الإعلان عن التحالف المستقبلي لحزبه. و هنا يظهر الفرق جليا بين بنيات قديمة و أخرى تبحث عن السرعة و لو ادت الى حوادث مميتة تاريخيا.

للسياسة ثمن يخيف من لم يخابر سنوات الرصاص و يغري من يبحث عن المواقع و الصفقات. الأسعار ترتفع مثلما ارتفعت مستويات الثراء لدى بعض رواد سوق السياسة و لو كانوا من الجدد لكنهم من أصحاب مهن لها من السحر ما يغني و يفقر . و حين نسأل السادة الأمناء العامين عن تراجع ثقة المواطن في السياسة و ليس في وطنه، يواجهونك بوابل من النقد أنك، أيها الصحافي و الملاحظ و المثقف و المبدع المسرحي و السينمائي ، السبب في تراجع نبل السياسة و إضعاف الأحزاب. حسبنا الله ونعم الوكيل. و السلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *