وجهة نظر

قرار البرلمان الأوروبي: خطأ جغرافي وتاريخي

أول الكلام  أن سبتة و مليلية مدينتين مغربيتين  محتلتين أراد الإتحاد الأوروبي أو أختفى تحت عباءة الأجداد المستعمرين.  أول الكلام أن نص القرار محشو بعبارات  تكررت عدة مرات على مستوى التعليلات التي وصل عددها إلى 11 و التى غلب عليها من جهة لغة ديبلوماسية تبين أهمية العلاقات مع المغرب و من جهة أخرى لغة يختلط فيها اللوم بالعتاب و الانتقاد الذي يصل إلى مستوى الإدانة.  صياغة القرار غير الملزم تعكس الصعوبة التي وجدها الإسبان في إقناع البرلمانيين بإصدار قرار كله إدانة  و كله تضامن مع عضو في الإتحاد الأوروبي.  الغريب أن الإنتماء إلى هذا الإتحاد يعفي أعضاءه من أخطائهم الاستعمارية و يقدم لهم شرعية في الحاضر السياسي لكي يستمروا فى فرض أمر واقع يعاكس المبادىء العليا للقانون الدولي.

القارىء للقرار قد يظن أن المرجعية في القانون الدولي هو ما اجازته مؤسسات الإتحاد الأوروبي.  ولولا الثورة التي عرفتها بعضعمليات التشريع على مستوى الأمم المتحدة  لما كان هناك وجود لقانون البحار  و قوانين أخرى في مجال حق الشعوب في الحفاظ على ثرواتها  و مقتضيات كثيرة في مجال البيئة و حقوق الإنسان و محاربة الإستعمار و نتائجه. و للعلم فكل المآسي التي عرفها العالم خلال القرن العشرين من حروب  و استعمار  كانت بفعل قيادات أوروبا  في الوقت الذي كانت فيه قوى أخرى في آسيا  و أميريكا خارج منطق الإستعمار الأوروبي  تحت غطاء تعميم قيمهم الحضارية و هدم ثقافات في عدة قارات.

إسبانيا تحمل اوزار تاريخ مليء بالجرائم و لا قدرة لنخبتها السياسية بكل مكوناتها بما في ذلك يسارها بالاعتراف بحروب الإبادة في  أمريكا و حربها الكيماوية على شمال المغرب. و للعلم فإن مأساة تهجير  و تقتيل الاندلسيين لم تجد لدى حكومات إسبانيا سوى تعامل سياساوي قبيح تمثل في الإعتذار للاندلسيين  اليهود فقط مع تقديم شهادة اعتراف  عن ماض عنيف و لم يقدم أي إعتذار للمسلمين و لو كانوا ذوي أصول أوروبية أندلسية  و ذلك لمجرد أنهم اعتنقوا دينا غير ما يعتقد جيش ايزابيلا الكاثوليكية . و من حسن الطالع أن الأبحاث التاريخية تفضح ما تعرض له أبناء الأندلس من جرائم ضد الإنسانية على يد اجداد من يؤثثون الفضاء السياسي الإسباني.

ولأن من صوتوا  في البرلمان  الأوروبي و هم لا يمثلون الأغلبية الكبيرة التي تمنتها إسبانيا المستعمرة لا يعرفون الواقع  و لن يعترفوا بفظاعة ردة فعل الحرس المدني الإسباني خلال يوم تجاوز حدود وهمية من طرف شباب  و أطفال تأثرت عائلاتهم بأزمة إغلاق أبواب سبتة  و بالكوفيد.  أوروبا تبكي على من تعرض من أبناءها لعنف من طرف أي سلطة غير أوروبية و تتغاضي عن العنف الذي طال الأطفال من طرف غلاة الحرس المدني الحاقد.

كان علينا أن ننتبه لما كان منتظرا منذ شهور  و للتسخينات التي اججتها قوى اليمين في سبتة من أجل الضغط لإعادة الروح إلى شبكات التهريب الذي يكبد اقتصادنا عشرات الملايير من الدراهم. ولا يجب أن ننسى تفاعل عائلات تعيش بين الفنيدق  و سبتة  و انقطعت بينها سبل التواصل و الأرزاق. و في ظل هذا الوضع تم الإعداد لما جرى من اقتحام جماعي لسبتة بما في ذلك الأطفال.  صحيح أن الارتباك رافق تعليق وزير خارجيتنا على الأحداث  و هو ما ركز على محتواه قرار البرلمان الأوروبي  و صحيح أيضا أن إسبانيا اختارت الاستفزاز باستقبالها المفرط في التواطىء لمجرم كبير.  و لم يجد من صوت على القرار البرلماني سوى تكرار أسطوانة السلطات الإسبانية حول الطابع الإنساني لهذا الإستقبال.  و ماذا إذا استقبل المغرب زعماء المناطق الإسبانية التي تطالب  بالاستقلال.

الأزمة لم تنتهي  و ربما ساعد برلمان أوروبا على تاجيجها  و هو الذي  يصطنع المطالبة بالحفاظ على الطابع الاستراتيجي لعلاقة بلدين جارين تنعكس على علاقة المغرب بهذا الإتحاد المتهاوي. و لعل ردة فعل البرلمان الإفريقي على تدخل البرلمان الإفريقي دليل على الخطأ الذي تم اقترافه بالتدخل المتحيز في أزمة ثنائية بين بلدين. أوروبا تأكلها فيروسات آتية من ماضيها الإستعماري و لم تعد تقوى على تسجيل حضور فاعل أمام قوى الإقتصاد  و السياسة في عالم اليوم و التي لا تعترف بحضور القارة العجوز.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *