وجهة نظر

حتى لا نهدر مزيدا من فرص التنمية المحلية

مازلنا نجتر التخلف على مستوى تدبير العديد من الجماعات ببلدنا. والخوف، أن نستمر بعد الانتخابات المقبلة في هدر فرص التنمية المحلية التي هي مسلسل مستمر ومتطور من الجهود، يتطلب مشاركة كل الفعاليات الحزبية، والاقتصادية،  والاجتماعية، والمدنية،  الموجودة  بتراب كل جماعة على حدة، علاوة على الدور الكبير الذي يجب أن يؤديه المثقفون والإعلاميون والخبراء  في بسط أسباب تردي التدبير المحلي وتقديم الحلول العلمية  والواقعية  اللازمة  لتجاوزه. والحقيقة أننا نعيش فعلا أزمة التدبير المحلي، وما ينتظرنا من تحديات جسيمة لتجاوز مخلفات جائحة كورونا، ليس بالهين.

بداية، دعنا نلامس جانبا في غاية من الأهمية من مقتضيات القانون التنظيمي للجماعات رقم 113.14، ويتعلق الأمر بقواعد الحكامة المتعلقة  بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر والتي ينص عليها القسم الثامن منه. وكأننا بالمشرع أراد أن يختتم هذا القانون التنظيمي ببسط ما يمكن أن نسميه  بالقواعد العشر للحكامة الجيدة أو أسس التدبير العقلاني المعاصر للجماعات.

هذه القواعد/ الأسس، كما جاءت في المادة 269 من القانون أعلاه، والتي نعتقد أنها تشكل العدة اللازم التزود بها واستيعاب معانيها من طرف كل مدبر جماعي للرفع من مستوى الأداء المحلي الإداري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي هي:

المساواة بين المواطنين في ولوج المرافق العمومية التابعة للجماعة، والاستمرارية في أداء الخدمات من قبل الجماعة وضمان جودتها، والديمقراطية، والشفافية،  والمحاسبة، والمسؤولية، وسيادة القانون، والتشارك، والفعالية، و النزاهة.

وهي قواعد تستدعي قراءة شمولية، حيث ترتبط ببعضها البعض، وتشكل في مجموعها  قواعد ومبادئ الحكامة الجيدة. ويقر خبراء التنمية المحلية  والإدارة بأن المدخل الرئيسي للحكامة هو التدبير. ومن تم نراهن على أنه ليس من باب الصدفة، أن يربط المشرع في القسم الثامن من القانون التنظيمي للجماعات قواعد الحكامة بحسن تطبيق مبدأ التدبير الحر الذي يعد من أهم مستجدات القانون التنظيمي للجماعات.

يفيد مبدأ التدبير الحر في معناه العام، شكلا من الحرية والاستقلالية في تدبير الجماعات لشؤونها المحلية. وبناء على ذلك، فإنه مبدأ يمكن هذه الأخيرة من تدبير شؤونها بنفسها، وتحديد وبلورة اختياراتها وبرامجها التنموية بكيفية مستقلة وديمقراطية. ولا يسمح بتدخل السلطة المركزية في أنشطتها ومهامها، إلا في الحدود التي يسمح بها القانون. ويحدد دستور المملكة المغربية لسنة  2011 في الفصل 145 منه، أدوار الولاة وعمال العمالات والأقاليم في مجال تدبير الشأن العام المحلي والجهوي والإقليمي.

كما أن المادة الثالثة من القانون التنظيمي رقم 113.14 واضحة في هذا الصدد حيث تنص على أنه: ” يرتكز تدبير الجماعة لشؤونها على مبدأ التدبير الحر الذي خول بمقتضاه لكل جماعة في حدود اختصاصاتها (…)، سلطة التداول بكيفية ديمقراطية، وسلطة تنفيذ مداولاتها ومقرراتها، طبقا لأحكام هذا القانون التنظيمي والنصوص التشريعية والتنظيمية المتخذة لتطبيقه (…)”.

نعتقد، أنه لا يمكننا تدارك التخلف الملحوظ على مستوى تدبير العديد من الجماعات، وبالتالي تحقيق التنمية المحلية، أو التنمية من أسفل، إلا إذا تحقق التجسيد والتنزيل الفعلي للقواعد العشر ل ” التدبير العقلاني المعاصر” والتي سبق ذكرها، مع التشديد على مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. فلا تنمية في غياب الحس الوطني بالمسؤولية. ولا تنمية مع عدم تطبيق قاعدة المحاسبة.

والمحاسبة، تعني من بين ما تعنيه، مساءلة ومحاسبة كل من ارتكب عملا أو فعلا مخالفا لمبادئ حسن التدبير العمومي. وتعني أيضا التتبع والمراقبة لمن يتولى تدبير الشأن العمومي. ويمكن أن تكون المساءلة سياسية أو إدارية أو قضائية (…)

من جهة أخرى، فدولة القانون تعني السيادة للقانون. فالناس كلهم سواسية أمام القانون مهما كبر موقعهم الاجتماعي أو الإداري أو السياسي.

كما أن المدبرين بالجماعات مطالبون بتحمل مسؤولياتهم وتقديم الحساب عن صواب ونجاعة اختياراتهم. وقد نص القانون التنظيمي للجماعات على مجموعة من الآليات التي تمكن من تحقيق أمرين: التنمية المحلية في حالة التطبيق السليم لمقتضياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.، والمراقبة من لدن الهيئات التي يخول لها هذا القانون التنظيمي مسؤولية المراقبة الإدارية والمالية وهي المجالس الجهوية للحسابات، والمفتشية العامة للمالية، والمفتشية العامة للإدارة المحلية…

وتتمثل الآليات المشار إليها فيما تقدم في: برنامج عمل الجماعة الذي يعده رئيس المجلس الجماعي، وميزانية الجماعة، و” مشروع نجاعة الأداء ” (…) وكل ما يمكن من تجسيد قواعد الفعالية، والنجاعة، والتقييم، والشفافية(…)، والتي تشكل هي وغيرها مجتمعة قواعد الحكامة الجيدة باعتبارها مدخلا رئيسيا للتدبير الجيد للجماعات. وبالتالي، تحقيق الغاية من التدبير المحكم  للجماعات وهي التنمية المحلية المستدامة التي يستفيد منها الأجيال الحاضرة والمستقبلية.

خلاصة القول، إن سؤال الساعة هو: إذا كان من الثابت أن الأزمة ليست في القانون وإنما هي في العقليات المدبرة لأغلب الجماعات، لحد الآن، فما العمل؟

تتطلب الإجابة على هذا السؤال المجتمعي، التي لم تعد تقبل التأجيل، مصارحة الذات بثلاثة أمور وهي:

– ضرورة تنزيل كل المقتضيات الدستورية المتعلقة بتدبير شؤون الجماعات.

– وضرورة ممارسة النقد الذاتي من طرف كل حزب سياسي، لأن مدبري الشأن المحلي هم ممثلو الأحزاب في تراب كل جماعة.

– وأثبتت، وتثبت،  مرحلة كورونا الصعبة التي لم تنته بعد، أن رفع تحديات ” التقويم الاقتصادي والاجتماعي ” لن يتأتى بأدوات الماضي وإنما من خلال تغيير حقيقي، يبدأ بتغيير العقليات وبالمصالحة مع المواطن من خلال انتخابات نزيهة وشفافة.

فهل ستفرز الانتخابات الجماعية المقبلة نخبا محلية تحظى بثقة المواطن. وبالنتيجة، تمكن من تجاوز أزمة تدبير الجماعات لتحقيق تنمية محلية حقيقية؟

ذلك ما سيجيب عنه المستقبل القريب.

*أحمد بلمختار منيرة/ إعلامي وباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *