وجهة نظر

أغانينا تختزل ثقافتنا ..

كاتب رأي

كل يغني لليلاه !

أينما تحولت بمسامعك ؛ في الشارع العام أو المقهى ،أو على متن الحافلة والقطار ؛ إلا وترشقك أغاني وأهازيج وعيطات فولكلورية حينا وشعبية أخرى ، يمعن مستهلكوها ؛ وعن قصد ؛ في إشاعة أصدائها والرفع من حجم وقعها ، تجاوزا لكل الحدود المشتركة ، وتعسفا على حقوق الآخرين ، ويمكن تسميتها اعتباطيا “بالأغاني” باعتبار كلماتها وأدائها وصوتها ، وإن كانت في الواقع كلمات متنافرة وأصواتا نشازا وإيقاعات متلاطمة ، بعضهم يطلق عليها بالأغنية الشبابية التي تميل إلى إيقاعات نزقية ؛ لا تثبت على حال ، بسيطة في انتاجيتها ، لا تستدعي أكثر من أداة أو أداتين هوائيتين وكلمات عامية  مبعثرة مبعثرة وألحان متنافرة وأداء فردي (في أغلب العينات) ، يحاول أصحابها تقليد نمط “الهيب هول” Hip Hop أو الراب rap ، كما يفضل بعضهم تسويقها .

وفيما يلي عينة من هذا اللون الغنائي ، كما تتداولها الأسماع في المحلات العمومية وعلى منصات التواصل الاجتماعي : “نايضا نايضا” ؛ “خلي داك اجمل راݣد” ؛ “دير جوج ولا تلاتا مكاين مشكل” ؛ “الحساب تالي” … فوجدت فيها بعض الجهات مجالا خصبا للاستثمار فسارعت في الترويج لها ونشرها في أوساط الشباب على أوسع نطاق ، كلما تلقفتها وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة اليوتيوب والفايسبوك إلا وسارعت إلى اتخاذها محطة لتبادلها بين شرائح واسعة من الشباب المغربي .

الثقافة والموسيقى

تعتبر الثقافة بالكاد مؤشرا على اتجاه الأذن الموسيقية لدى الإنسان ، فنجد ، مثلا سكان غابة الأمازون”غواجا” ؛ “يسامي” في موسيقاهم ميالين إلى الشطحات الجماعية المصحوبة بالصراخ ؛ طالما كانوا يعيشون على الصيد ، بينما نجد في إفريقيا قبائل يميل طربها إلى دق الطبول وأهازيج.. أما سكان شمال افريقيا، فنلاحظ وجود تنوع موسيقي ، يجمع بين الرقص الفولكلوري الجماعي والعزف الموسيقي وبين الأغنية”العصرية” التي تحاكي في مكوناتها الأغنية الغربية التي تستدعي في كثير من الحالات أركيسترا ولغة جد منتقاة وتنوعا في الآلات الموسيقية .

هذا وجدير بالإشارة إلى أن هناك عينة من الأذواق الموسيقية التي تميل فقط إلى سماع قطع موسيقية ذات التنوع في أدوات العزف ، وهذا اللون منتشر بين كبار السن أو أناس ذوي أفق واسع في المعرفة والثقافة.

التراث الموسيقي المغربي

جدير بالذكر أن المغرب يتوفر على محزون ثقافي فني متنوع ، يضم أنماطا عديدة من الألوان الموسيقية كالأغنية العربية والأمازيغية ، فضلا عن موسيقى ݣناوة والسفاردية والروايس … لكن الإغتناء اللامشروع ، من جهة وغياب الرقابة في الإنتاج الفني من جهة أخرى ، دفع بالعديدين إلى الاستثمار في مجال الفن الغنائي ، ووجدوا في بساطة الاستهلاك الغنائي لدى الشباب مجالا خصبا لنشر أغاني مبتذلة وداعرة أحياناً في كلماتها وأساليب أدائها، فغزوا السوق الغنائية بهذا اللون الغنائي، وفي آن واحد وضعوا حدودا إسمنتية بينها وبين الفن الغنائي التراثي المغربي إلى درجة بات معه هذا الأخير إلى اندثار وزوال .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *