منتدى العمق

وجوب مواجهة أعداء التغطية الصحية الشاملة .. لهيب الأسعار يتجاوز كل تغطية

توالت المبادرات الملكية للتقليص من حدة الفقر و فتحت ورش الراميد لتمكين الفقراء من الولوج إلى العلاجات. و تم خلق صندوق في إطار حساب خصوصي للخزينة سمي بحساب التماسك الاجتماعي. و تم وضع نظام للتأمين الإجباري عن المرض من خلال القانون 00-65وتبين أن تعميم التغطية الصحية يحتاج إلى برنامج أكبر و أكثر شمولية . تكلم عاهل البلاد عن هذا الموضوع في عز أزمة كورونا و تجاوزت توجيهاته الروتين الحكومي و البيروقراطيلكي ترسم خارطة طريق نحو تحقيق الأمل للوصول إلى الحق الدستوري المتعلق بالولوج إلى العلاج . و في إطار هذه الإرادة تم فتح ورش التشريع لتغطية إجتماعية شاملة.

الأهداف نبيلة و طموحة و ذات نفس إجتماعي عميق. رصدت الأموال لكي يتم الارتقاء بالتغطية الإجتماعية إلى أعلى المستويات. و كالعادة تم توقيع إتفاقيات و شراكات و أصبح من الممكن فتح باب الأمل أمام فئات كبيرة من الشعب المغربي. و لكن المسألة تتجاوز التركيبة المالية و برنامج التنزيل للتغطية الإجتماعية في شقها الصحي. المسألة كبيرة لأن التغطية الصحية ليست مجرد تصويت على قوانين و وضع بعض آليات التنزيل على أرض الواقع. التغطية الصحية ذات المعنى هي الولوج إلى العلاجات بأسهل الطرق و بأسعار واضحة و بمراقبة مستمرة سواء تعلق الأمر بالقطاع الخاص أو العام. المشكل الذي سيفشل التغطية الصحية هي الفوضى العارمة التي تعرفها أسعار العلاجات . صحيح أن باب الإستثمار في الخدمات الصحية فتح لجلب الأموال لهذا القطاع الحيوي، لكن الإستثمار لا يعني إعطاء الأولوية للربح المالي و تكريس فوضى الأسعار على حساب صحة المواطن.

نعم أنت صاحب بطاقة للتأمين الصحي و لكنك في الحقيقة مجرد مؤمن تدفع اشتراكا شهريا لا يحميك من لهيب أسعار القطاع الخاص الذي يستولي على أكثر من 80 % من مصاريف الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي و الصندوق الوطني لهيئات الاحتياط الإجتماعي . صحيح أن المستشفيات العمومية تلتزم بالأسعار التي تحددها المرجعية الوطنية أي أن الحكومة هي التي تحدد الأسعار. صحيح أيضا أن هناك إتفاقيات بين مؤسسات القطاع الخاص و مؤسسات التأمين الإجباري عن المرض تحدد بموجبها أسعار العلاجات و التحليلات و مختلف الصور بكافة أنواع الأشعة. و لكن غير الصحيح هو تحكم القطاع الخاص في الأسعار و فرضه كل الشروط المجحفة التي تضعف كاهل المواطن أمام المرض و أمام الأسعار التي لا علاقة لها بأسعار القطاع العام و أسعار المرجعية الوطنية و الأسعار التي تدخل في إطار الاتفاقيات الموقعة بين المصحات الخاصة ومؤسسات التأمين الإجباري عن المرض. و هذا الفرق الكبير هو الذي يؤدي إلى الإيقاع بالمواطن في شباك مافيا “المال الأسود ” و شيكات الضمان و في فخ الأسعار المبالغ فيها.

تراجع المستشفى العمومي و تراجعت خدماته و تفشت ظاهرة هروب الكثير من الأطباء إلى المصحات الخاصة لإجراء الفحوصات و العمليات و معها تفشى التهرب الضريبي و تأخير العمليات بالقطاع العام و ضعفت آليات المراقبة و التتبع. و حين تغلق الأبواب أمام المواطن يصبح عرضة للابتزاز و قد يفضل التوقيع على شيك ضمان من أجل ضمان الخروج من محنة صحية. و قد يدخل السجن بعد خروجه من المستشفى و قد تحتجز جثته إذا مات أثناء عملية فاشلة. وقد اجتهدت بعض المصحات و أصبحت تطلب شيكات ضمان من أقرباء المريض حتى تتمكن من تحصيل الفاتورة المجحفة. و قد تناقلت الصحافة الوطنية هذا الإجتهاد الذي طغى في زمن الكوفيد.

المشروع الملكي أدخل الطمأنينة في نفوس المواطنين . و لإنجاحه وجب الشروع في تنظيف قطاع الصحة من الممارسات القاسية التي تقهر المواطن الذي لديه تأمين صحي دون أن تكون لديه الوسائل لأداء مصاريف خارج القانون و العرف و الأخلاق. الإستثمار في الصحة أصبح مربحا جدا لقلة قليلة و مفقرا جدا لاغلبية كبيرة.

قد تفرح لأنك ستحصل على بطاقة تغطية صحية و لكنك لن تجد فرصة علاج في مستشفى عمومي و ستضطر إلى اللجوء إلى عيادة خاصة و مصحات خاصة و مختبرات خاصة لا علاقة لاسعارها بأسعار حددت على أساسها مستويات التغطية الصحية. و آنذاك ستطلب قروضا من البنك و تعاضدا عاليا و قد تبيع بيتك من أجل صحتك. قال وزير الصحة أنه لم يتم تبليغه بأي دفع مال داخل مصحة تحت الطاولة ” المال الأسود ” و كان من الأحرى أن تقوم المفتشية العامة لهذه الوزارة بالقيام بالتحريات اللازمة لضبط المخالفات و حماية المواطن. و نظرا لضعف وزارة الصحة في هذا المجال ، وجب أن تتدخل السلطة القضائية عبر رئاسة النيابة العامة لوضع نظام للإتصال في حالة التعرض للضغط من أجل دفع مال مقابل خدمة صحية دون فاتورة و خارج التعريفة المتفق عليها مع مؤسسات التأمين الإجباري عن المرض. كما يجب أن تتدخل النيابة العامة في تنسيق مع وزارة الصحة لمواجهة هروب بعض الأطباء من موقع عملهم بالمستشفى العمومي للعمل خلسة لدى أرباب مصحات القطاع الخاص. دون حزم سيتعرض كل ذي دخل محدود سواء كان وزيرا أو مديرا أو قاضيا أو مهندسا إلى كل ما من شأنه أن يدفع به إلى هاوية الهشاشة. و مسؤولية الأطباء كبيرة في هذا المجال لأنهم يعرفون أن إسترجاع مصاريف العلاج يعتمد في أغلبه عل على أسعار الأدوية الجنيسة و يعرفون أيضا أن حوالى 2000 دواء لا تدخل في إطار الأدوية التي يمكن استرجاع تكلفتها لدى مؤسسات التأمين الإجباري عن المرض. و هي أدوية سعرها مرتفع جدا. كما أن عدد الأمراض التي تعتبر طويلة الأمد لا يتعدى 41 مرضا. و هكذا تنهش أمراض و أسعار و ممارسات خبيثة جسم المرضى و لو كانوا مؤمنين لدى أي مؤسسة. الخطر إذن موجود و يتطلب مواجهة صريحة للحكومة مع من يعتبرون العلاج سلعة و إستغلال المرض فرصة لتحقيق الأرباح الكبيرة.

إن المشروع المجتمعي الكبير المتعلق بالتغطية الصحية يحتاج إلى مواكبة صارمة لحماية المواطن أمام جبروت بعض المستشفيات الخاصة. فبدون حماية المواطن لن تكون أية آثار تذكر لمشروع كبير كمشروع التغطية الصحية. تعب الخلق أمام من جعلوا من الإستثمار في الصحة مصدرا لمراكمة الثروات و ولوج قطاع العقار و البورصة و الفلاحة. و العزة للأجهزة الإدارية و القضائية و الأمنية التي ستساهم في إنجاح مشروع يحمله ملك البلاد استجابة لانتظارات شعبه ووفاءا لعهد تاريخي يتجدد كل عام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *