منتدى العمق

الإبداع الفني في زمن الإستثمار في الأزمة

الفن هو ذلك التعبير الذي لا تقوى الزلازل على إيقافه. و بالطبع كل الزلازل و من ضمنها الكوفيد و الحروب و المجاعات و أزمات المناخ. صوت الفن تسمعه الطبيعة و إن عجز عن إسماعه الإنسان . المسرح و الموسيقى و الشعر و الرسم لا تقف خوفا من قوة مهما كان حجمها. الفن من الهبات التي لا زال الإنسان عاجزا عن السيطرة على منبعها و تجلياتها و ما تبعثه في الأنفس من آثار لا قياس لها.

لو تمكننا من إحصاء التعبيرات الفنية خلال السنتين الأخيرتين لوجدنا أن الفرح لا زال موجودا، و أن التعبير عن الحزن و الفقر و الهشاشة لا زال جميلا و أن من كان يعتبر أن الحزن سيضعف الخصوبة خاب ظنه و تهاوت توجساته. الفن يعيش في كل الازمان و يتحدى كل الأزمات و يواصل سيره عابرا كل الحقب. مات فنانون في زمن الكوفيد وولد المسرح العديد من الإبداعات. مات صباح فخري و ازدهرت موسيقى القدود الحلبية و قد تدفن أجساد و أجساد لكبار و عمالقة السينما و المسرح و الرسم و الموسيقى لكن ملكة الإبداع في هذه المجالات ستعيش مدى الدهر. الإبداع نور سيظل ينير لأن الشمس و القمر و النجوم لا يمكن لبشر أن يحجب نورهم.

لكل هذا أكره الظلاميين، تجارا كانوا أم بائعي سموم، و أحب من يحبون النور المنبعث من خالق الكون. ستظل الموسيقى مصدرا للنشوة و الفرح و الأمل. و سيظل المسرح مرآة لواقعنا و نبراسا لغدنا و سيستمر الأمل ما دام التعبير ممكنا في النهار و الليل وستظل كل أشكال الإبداع ممكنة و لو ضاقت الآفاق. و الصحيح ، مع الأسف، هو أن الفن لا يشكل قوة صد فاعلة أمام هيجان الفقر و الهشاشة لأنه ليس سلاحا للتدمير أو حتى للردع و للتخويف . هناك مهن و مؤسسات خدماتية و إنتاجية استغلت الكوفيد و ضاعفت أرباحها لتبيع تحاليل طبية و أدوية و مستلزمات طبية. و هناك مؤسسات تكسرت أجنحتها في مجال السياحة و الصناعة و الصناعة التقليدية و حتى في مجالات التعبير بالكتابة و الصوت و الصورة . و لكن الدولة و جميع الدول لم تكن لها قدرة على مراقبة من ربحوا كثيرا من الجاءحة و من ربحوا كثيرا منذ أكثر من 20 شهرا في أشياء تزداد قيمتها في زمن الأزمات. بين الفنان و تاجر الأزمة فرق كبير. المبدع يصنع الأمل في غد أفضل بينما يهتم تاجر الأزمة باشاعة الشؤم و الخوف من اللحظة و الغد. الأول يبحث عن سبيل تقوده إلى دنيا المحبة و حتى إلى فضاء تتبعثر فيه الأوراق من فرط الشك في فعل الإنسان الذي يتعدى ذكاؤه كل مستويات الذكاء العادي بينما ينبري الثاني لاصطياد الفرص و خلق ظروف تحويل يأس الآخر إلى سلع بقيم سوقية عالية المردود المالي.

و سيستمر العالم هكذا سجين طموح و سلطة و قوة لا تعرف حدودا و لا تأبه لآلام غالبية ساكنيه. سيسجل رأسماليو الصناعات الدوائية و المختبرات و بيع أحلام الاستشفاء كل الأرباح، و سيهدون إلى ملاكي البورصات العالمية أرباحا تزيد حجم الرسملة و تقوي تحويل الثرواث إلى الأقوياء. و هكذا تستمر صناعة المرض و الفقر و الهشاشة و ستزيد أزمة تمركز الثروات بين أيدي أقلية لا تعي أن التوازن أساس العيش على الأرض. آنذاك سيظل الفن ذلك النبراس الذي يتغنى بالمبادئ الإنسانية و لن يموت رغم طلقات الغدر من اللاانسان. حين ستفرض قيم العدالة بفعل الإنسان و ليس بحتمية مفترضة سيعود شيء من العدل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *