مجتمع

أشرف.. قصة فارس قاده ولعه بالخيل إلى السعي لانتشالها من براثن المرض والإهمال (فيديو)

بنظرة فاحصة ويد رحيمة يتفقد أشرف حافرا مريضا للفرس “هبة”، ويمسح على عنق الحصان “مورشيد”، قبل أن يداعب الجواد “فرانسيسكو” ويمسكه من ناصيته.. فهذا الـ”قيصر”، كما يلقب على مواقع التواصل الاجتماعي، يُمضي جزءا كبيرا من وقته داخل إسطبله بين هذه المخلوقات التي تجمع بشكل بديع بين القوة والجمال والحماسة والوداعة، يتمتع برؤيتها ويهتزّ طرَبا لِضَبْحِها وصهيلِها، ويستأنس لصوت وقع سَنَابِكِها على الأرض.

“علاقة الأم برضيعها”

يصف أشرف، في حديث لـ”العمق”، حبه وتعلقه بالخيل بتلك العلاقة التي تنشأ بين الرضيع وأمه، فلا هي تستطيع مفارقته ولا هو يقوى على العيش بعيدا عن كنفها، فهذا الإدمان الجميل وهذا الحب والتعلق الشديد بالجِياد تَشَرَّبَهُ الشاب ذو الثامنة والعشرين ربيعا منذ طفولته، حيث كان والده ممارسا لفن التبوريدة ومولعا به، فأورثه الولع ذاته وغرسه في نفسه في سن مبكرة.

يحكي أشرف، بنبرة يعلوها الاعتزاز، أنه تعلم ركوب الخيل منذ سن مبكرة، “اشترى لي والدي حصانا أدهما فكنت في غاية الفرح”، ويتذكر جيدا أول مرة امتطى فيها صهوة جواد وضغط على زناد البندقية تماما كما يفعل رواد التبوريدة، وعمره لا يتجاوز عشر سنوات، “كان ذلك سنة 2003 أو 2004، واقتنى لي والدي بندقية صغيرة فضغطت زنادها لأول مرة في حياتي فذعرت، بعدها تعودت على الأمر ولم أعد أخاف من أصوات بنادق البارود”.

عام 2018 قرر أشرف الالتحاق بمعهد الفرس- دار السلام بالرباط، لتشكل هذه المحطة انعطافة في علاقته بالخيل، فبعدما كان مولعا بالركوب والتبوريدة، أصبح ولعه الأكبر بإنقاذ السقيمة منها، مخصصا حيزا كبيرا من وقته وجهده لمساعدتها على استعادة عافيتها ورشاقتها وجمالها.

خلال دراسته بالمعهد اختار الفارس التخصص في حدادة الخيول، وهو تخصص يُعنى بكل ما يرتبط بالعنابة بحوافر الخيل وتقليمها وتركيب الحدوات لها. يحكي أنه كان مصرا على التعلم ومعرفة المزيد “كنت ملحاحا، أكثر من سؤال أستاذي، لكنه كان يقول لي رويدك لا تستعجل ستتعلم بالتدريج، كل معلومة ستتلقاها في وقتها المناسب”.

الفرس هبة

دأب “قيصر” على زيارة أسواق الخيول في مناطق مختلفة من المغرب، وخلال إحدى جولاته بأحد الأسواق، قبل حوالي سنتين، صادف فرسا مهملة وقد نال منها المرض والهزال، تحْمِل أسفل إحدى قائمتيها الخلفيتين عبء حافر ضخم، وبالكادِ تستطيع المشي، فقرر دون تفكير كثير أن ينقذها في الحال.

جلب الفرس إلى إسطبله فاكتشف أنها مصابة في إحدى قوائمها بمرض التهاب الصَّفيحة “La fourbur”، وهو مرض يصيب حوافر الخيل، مؤلم وقاتل في بعض الأحيان، ناهيك عن الهزال البيّن وعجزها عن الوقوف فبالأحرى المشي، كافح من أجل علاجها ولسانه يلهج دوما بالدعاء إلى أن تحسنت حالها، لكنها لن تشفى نهائيا فمرضها أصبح مزمنا.

نسج الشاب المولع بالخيل علاقة خاصة بالفرس، يعالجها باستمرار ويتفقد قائمتها المريضة كل يوم، بل إن “هبة” كسبت جمهورا خاصا بها على مواقع التواصل الاجتماعي بفضل يومياتها التي يبثها في قناته على “يوتيوب”، وهذا الجمهور هو الذي اختار لها من الأسماء “هبة”.

هذه الفرس الدهماء شكلت انطلاقة لأشرف في ميدان إنقاذ الجياد، فدأب على اقتناء أحصنة مريضة أو هزيلة أو مصابة من أسواق الدواب في مختلف أنحاء المغرب، فما هي إلا أسابيع أو شهور حتى يعيد لها لياقتها وحماسها واندفاعها وقوتها، متسلحا بخبرته وذاك الحب الكبير الذي يكنه لهذه المخلوقات.

حصان آخر أصابه حظ عظيم، لأن عين الشاب التي لا تخطئ جمال الصّافنات وقعت عليه وهو يتجول في أحد الأسواق، ليقرر في الحين ودون تردد انتشاله من أسفل مِقْصَلة الجزار، وما هي إلا أسابيع حتى استعاد الجواد عافيتها وجموحه ومشيته المتبخترة.

يقول أشرف في هذا الصدد “اشتريته من رحبة الجزارين بمبلغ 2000 درهم، رغم أنه كان قد بيع بـ30 ألف درهم في وقت سابق، فتراجعت قيمته فقط لأنه نحيف ووقفته غير مستقيمة بسبب حوافره غير المقلمة، فاعتنيت به إلى أن استعاد عافيته وقوته وأصبح قادرا على التبوريدة، فبعته بـ15 ألف درهم. ورغم ذلك فإنني لم أربح ماديا بل ربحت التحدي مع نفسي”.

جواد من سلالة الخيل العربية الأصيلة، يحمل اسم عز الدين، نال أيضا حظه ونصيبه في “إمبراطورية” الـ”قيصر” أشرف، بحيث اشتراه ضعيفا هزيلا سقيما من أحد الأسواق، فصيّره جوادا قويا جامحا يفيض طاقة وحيوية، بعد أسابيع من العناية.

سلالات وطموح

يضم إسطبل أشرف أحصنة من مختلف السلالات؛ العربية الأصيلة، والبربرية، والعربية-البربرية وغيرها، يبلغ عددها 25 جوادا وفرسا قد تزيد وتنقص، إذا باع بعضها أو اشترى آخر، لكن بينها أحصنة لا يتخيل أن يبيعها يوما، إذ نشأت بينه وبينها علاقة قوية وتعلق بها أيّما تَعَلُّقٍ، ومنها الجواد “فرانسيسكو” الذي يستعمله في السباقات الودية مع أصدقائه.

يُصرّ أشرف على اقتحام العقبات وحمْلِ طموح كبيرٍ على عاتقه، يعتبره تحديا لنفسه ولقدراته ولخبرته، لكنه في الآن ذاته واثق من نجاحه في هذا المضمار الذي يتقدم فيه بخطوات دؤوبة وحثيثة، مدججا بعزيمة صلبة وبما راكمه من معارف في هذا المجال، مستعينا بوالده وبعض أقاربه.

يطمح إلى تغيير نظرة مربي الخيول وعموم الناس إلى هذه الكائنات اللطيفة رغم ضخامتها وقوتها، ويحاول جاهدا أن يثبت للناس أن الكثير من الإصابات والأمراض التي تصيبها يمكن أن تُعالج، و”الله يدير الخير” كما يلهج لسانه بين كل وقت وحين.

يقول في هذا الصدد، “اكتشفت أن عددا من الإصابات والأمراض المستعصية التي تصيب الخيول يمكن علاجها، حيث إن عدد من المربين إذا أصيب لهم خيل بأحدها يبيعونه للجزار”، منتقدا انتقاص بعض الأشخاص ومربي الخيول من قيمة بعض الأحصنة فقط لأنها كانت سقيمة أو مصابة في وقت سابق، رغم تعافيها، قائلا في هذا الصدد “يجب النظر إلى الحصان وحالته وتقييمه الآن، أما حالته السابقة مهما كانت فلا تؤثر على قمته وجودته”.

بعزيمة لا تلين، وحماسة وجموح يستلهمهما من أحصنته، يواصل أشرف التشبث بنواصي الخيل لأنه يدرك أن الخير معقود فيها، ويجُرّ هذا الفارس الشاب وراءه مسارا حافلا بالجوائز والإنجازات في المجال، متربعا على “سرج سابح” يسابق الريح لإسعاف هذه الدواب التي رافقت الإنسان على مر آلاف السنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *