منوعات

مثير .. الحشرات أيضا تشعر بالألم وتميز بين أنواعه

الألم هو شعور غير سار يُشير إلى وجود أذيّة حقيقية أو محتملة. ويُعد الألم السبب الأكثر شيوعًا الذي يدفع المرضى لزيارة الأطباء. لكن ماذا عن الحشرات؟

الحيوانات الكبيرة، مثل الكلاب والقطط، والأسود في الغابة وغيرها، نعلم جميعا أنها تتألم، ويمكن أن ندرك درجة ألمها مما تظهره من سلوك يشبه ما يصدر عن الإنسان.

لكن حين نرى نملة تفقد ساقا، أو نحلة تفقد جناحا، أو جرادة وقد وقعت بين مخالب حشرة السرعوف المفترسة وهي تلتهمها دون رحمة، وغير ذلك من المشاهد، هل ندرك أن تلك الحشرات تتألم أيضا؟

قد يبدو موضوع ألم الحشرات أمرا بديهيا من النظرة الأولى، لكن تأكيد وجود الألم من عدمه من الناحية العلمية أمر آخر. خاصة وأن الذي عرف علميا هو الحشرات تقوم بردود الفعل ضد مصادر الألم، لكنها تفتقر إلى جينات المستقبلات الأفيونية التي تنظم الألم، لذلك لا يستغرب أن يتأخر اكتشاف أن الحشرات أيضا تتألم، بل وتستطيع أن تميز بين أنواع من الألم. كيف ذلك؟

نظام تحكم عصبي

في تعاون بحثي ما بين جامعة كوين ماري البريطانية، وجامعة طهران الإيرانية توصل باحثون، حسب الجزيرة نت، إلى أنه على الرغم من افتقار الحشرات إلى جينات المستقبلات الأفيونية التي تنظم الألم، إلا أنها تنتج بروتينات أخرى في أثناء تعرضها لحادث مؤلم؛ مما يؤدي إلى إحساسها بالألم.

وقد نُشرت هذه الدراسة في السادس من يوليو/تموز الجاري في دورية “بروسيدنغ أوف ذا رويال سوسيتي بي: بيولوجيكال ساينسز” (Proceedings of the Royal Society B: Biological Sciences).

وقالت ماتيلدا جيبونز عالمة الأحياء العصبية بجامعة كوين ماري لمجلة “نيوزويك” (Newsweek) إن إحدى السمات المميزة لإدراك الألم البشري هو أنه يمكن تعديله بواسطة إشارات عصبية من الدماغ.

وأضافت “أحيانا يتجاهل الجنود الإصابات الخطيرة في ساحة المعركة لأن المواد الأفيونية بالجسم تكبت الإشارة المسببة للألم. وبالتالي، بحثنا عما إذا كان دماغ الحشرة يحتوي على الآليات العصبية التي تجعل تجربة الإدراك الشبيه بالألم أمرا مبررا”.

وأوضحت الدراسة أن الأدلة السلوكية للحشرات تشير إلى أنها تمتلك مسارات جزيئية تمنع الاستجابة للتلامس الضار سواء بالنسبة للجهاز العصبي المحيطي أو المركزي.

أما من الناحية التشريحية، فقد أوضح الباحثون أن الحشرات تمتلك خلايا عصبية تمتد من الدماغ إلى الجزء الموجود في الحبل العصبي، حيث ينبع رد فعلها الدفاعي ضد أي مؤثر ضار. وهكذا يمكن القول إن الحشرات لديها نوع من نظام التحكم في الاستجابة للألم على غرار نظامنا.

نظام كبح الألم

وكشفت دراسة نشرت في دورية “ساينس أدفانسز” (Science Advances) عام 2019 عن ظهور أعراض الألم المزمن على ذبابة الفاكهة، وذلك بعد أن أزال الباحثون ساقها. وبمجرد التئام ساقها من جديد، وجد فريق الدراسة من جامعة سيدني في أستراليا أن الساق الأخرى لذبابة الفاكهة أصبحت شديدة الحساسية.

وعزا الباحثون ذلك إلى أن الذبابة فقدت آلية “كبح الألم” في وترها العصبي، حيث تعمل آلية كبح الألم على تلطيف الإحساس به، ولكن تحفيز الأعصاب الحسية بشكل مفرط أدى إلى فقدان ذباب الفاكهة لتلك الآلية.

وذكر الباحثون في ورقتهم أنه لتسجيل الشعور بالألم الواعي، فإننا نحتاج إلى نظام فسيولوجي معقد يتصل بأدمغتنا، وربما حتى بالعواطف. وفي الثدييات، ترسل مستقبلات الألم إنذارا للمنبهات السيئة إلى أدمغتنا، حيث تولد الخلايا العصبية الشعور بالألم السلبي والجسدي والعاطفي.

وتشير الدراسات إلى أنه يمكن تنظيم الشعور بين مصادر الألم المختلفة بشكل مستقل عن بعضهما البعض، وقد حددت أنظمة متميزة لتنظيم كل منهما. إلا أنه لم يتم تحديد هذه الأنظمة بشكل كامل في الحشرات.

جملة عصبية مركزية

ولخص الفريق نتائج البحث في بيان صحفي نشر على موقع “سايمكس دوت أورغ” (Scimex.org) بقولهم “نحن نجادل بأن الحشرات تمتلك على الأرجح سيطرة عصبية مركزية على الشعور بالألم، وذلك بالاستناد إلى أدلة علم الأعصاب السلوكية والجزيئية والتشريحية. حيث يتوافق مثل هذا التحكم مع وجود تجربة الألم”.

ونظرا لأن الحشرات مجموعة كبيرة ومتنوعة، فمن الممكن تماما أن يختلف تعقيد نظام تنبيهها والمشاعر المحتملة للألم بشكل كبير فيما بين أفرادها. ومع ذلك، فإن احتمال ألمها يثير أسئلة أخلاقية مهمة تتطلب المزيد من البحث.

ويقول الباحثون “نحن نقف على مفترق طرق حاسم لكيفية إطعام تعداد سكاني يتوقع أن يصل إلى 10 مليارات بحلول عام 2050”. وأضافوا “على الرغم من مساهمة تربية الماشية التقليدية بشكل رئيسي في تغير المناخ، توصي الأمم المتحدة بإنتاج كميات كبيرة من الحشرات من أجل الغذاء. ومع ذلك، لم يتم النظر في الآثار الأخلاقية لهذا الفعل بشكل شامل على اعتبار أن حماية رفاهية الحيوان تميل إلى عدم شمول الحشرات”.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *