وجهة نظر

الدكتور جبرون.. الأكاديمي حين “يشرد”

من الحسنات القلائل للأطروحة الخارجة من قناة حوار د. جبرون مع “أخبار اليوم” ومن تفاعل من قيل إنه إلياس العماري رادا عليها، من حسناتها اعتراف زعيم البام بأن حزبه حزب وظيفي بامتياز، وظيفته فرملة الانتقال السياسي الذي بدأ بوثيقة دستور يوليوز 2011 مدعيا في ذلك أنه يلبي الرغبة في الاسهام ضمنا في انشاء “بنية جبرون التحتية للديمقراطية”، فلا هو إذن بالحزب ذو الفكرة والأدلوجة، ولا حتى بتجمع مصلحي خالص يمثل واجهة برجوازية مستقلة مثلا.. هو أداة في أيد تنضاف الى أدوات الضبط والاخراج السياسي الموجودة في الساحة بيد الدولة.

الأستاذ جبرون فكر حقا خارج العلبة، لكن للأسف داخل علبة الفكر حين يخدم، عن وعي أو من دونه؛ أجندات السياسي المحرك لخيوط اللعبة، علبة التحكم نفسها التي يدعي مفكرنا الاسهام في تبسيط مفهومها المعقد للبيجيدي حين لا يعي الأخير، عن قلة ذكاء وغباء سياسي!! أنه عقل الدولة. أية إضافة هذه؟ التحكم في نظري هو الدولة نفسها ولا ينفصل عنها كما قلت بصراحة مع نفس الصحيفة قبل أشهر !! ولو كانت الدولة تبني انتقالا سياسيا جادا ما كانت الحاجة أصلا للعدالة والتنمية!! ولا وجد الأخير مادته السياسية الخام جراء الفراغ المزمن.

ألم يقل عراب البام حين أنشأ الحزب أن الدولة تريد أحزاب قوية وأنه من ضمن ما جاء به تجاوز البنية المهترئة، وإذا به يسرق أعيانها ويعيد انتشارها _ ومعها العادة القديمة في إضعاف الوساطات السياسية_ في حزب الأصالة والمعاصرة، الذي وجد نفسه كالمنطاد منفوخ فيه سياسيا بأدواة الدولة التي استعصى عليها الانتقال جراء التغييب الممنهج “للبنية التحتية” ( انقراض الحزب الوطني الديمقراطي و حزب العهد وشهادة الكولونيل القادري على “المساء”) ، أضف الى ذلك ضرب أحزاب الحركة الوطنية وافراغها من ذاكرتها بتحريك نخب انتهازية ودفعها للقيادة ، (نموذج مؤتمر الاتحاد الاشتراكي..).

لم يشفع الاعتدال والتدرج لاقناع أستاذنا جبرون أن البيجيدي الذي “يعرف حقا قدره”، ليس بالخطير على الدولة ولا على التعددية باعتبار ثقافته وتنظيمه الذي تعرفه الدولة جيدا، لم تشفع التنازلات الكثيرة الممهدة، لو توفرت الارادة، لتبادل تام للثقة لقول عدل من الرجل، بل أفتى الأكاديمي بالتخلي عن أطروحة البناء الديمقراطي وتعويضها بالتعاون مع واجهة التحكم ! قول لم يقل به حتى البام نفسه، بل جعل وفق خطابه الظاهر، وفي محطات مختلفة؛ التحالف وقبله الاقتراب من البيجيدي خطا أحمر! لو كان بصدد لعب دور الانضاج و”البنية التحتية” لما غامر في الدفع بقوى الاصلاح الى مواقف قوية محتملة.

فتوى شادة دون شك، فلو توفرت الارادة كما ذكرت، لما كان للعدالة والتنمية أن يلعب دوره الحالي بالزخم الذي نشهده، دور قيادة المشهد باعتدال نحو انتقال ديمقراطي سلس، لأنه معتدل ويؤمن بالتعددية حين يدعو القوى المستقلة للتعاون ولأنه حقا “يعرف قدره”.

ملحوظة 1: لم يقل البيجيدي يوما أنه سينقل البلاد وحده، وبعد الانتخابات مباشرة، الى الديمقراطية التامة، بل يساهم على قدر استطاعته، مع الملكية ومع القوى الحية في “البناء الديمقراطي”.

ملحوظة 2: قول د. جبرون أن البيجيدي حين يفضح التحكم يعطي الانطباع بأن الحكم (الملكية) غير محايد ويميل الى طرف، قول مجانب للصواب، العدالة والتنمية لم يقل يوما بكلام يمكن أن يحمل على هذا المحمل، بل دفع بالقول والفعل إلى التعاون مع المؤسسة الملكية باعتبارها صمام أمان في استقرار البلاد.