وجهة نظر

وتزداد مآسي التعليم بالمغرب: نظام العقدة

يعاني المنظومة التعليمية والتربوية بالمغرب من اختلالات بنيوية نتيجة سياسة متوارثة، تروم الحفاظ على الوضع نفسه المتحكم فيه، الذي يعيد إنتاج نخب مصنوعة في مدارس غربية تتولى مقاليد تسيير وتدبير مؤسسات الدولة.ومن الإشكالات الكبرى التي يتخبط فيها قطاع التعليم ببلادنا: غياب رؤية واضحة المعالم حول التعليم الذي نريده لناشئتنا، باعتبارالتعليم هو الشرط الأول لتحقيق التنمية المستدامة والولوج إلى عصر المعرفة. كما يعاني من غموض حول تصور نموذج هيئة التعليم التي تريدها حمل مشعل التربية والتكوين،وتنزيل الرؤية الاستراتيجية و التدابير ذات الأولوية، و التي تعول عليها الحكومة في النهوض بقطاع التعليم.

أعلنت وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني عن مباراة لتوظيف مجموعة من أساتذة التعليم بالأسلاك الثلاث للموسم الدراسي 2016/2017، وذلك لسد الخصاص المهول الذي يعاني منه القطاع.وهي فحوى المذكرة الوزارية 16/866 الصادرة بتاريخ 1نونبر 2016 والمزمع القيام بإجراء مباراتها يومي 25+26 من الشهر الجاري .

وإذا كان الإعلان عن مثل هذه المباريات يثير الأمل لدى العديد من حملة الشهادات الجامعية الراغبين في الحصول على منصب شغل، فإنه بالنسبة للمتتبعينيشكل منعطفا كبيرا في الوظيفة العمومية بشكل عام وقطاع التربية والتعليم بشكل خاص. إذ من شأن هذا النظام أن يثير إشكالات خطيرا تتمثل في الانتقال من التوظيف الى التعاقد. فالوظيفة العمومية في المغرب تخضع لنظام التوظيف، و ينظمها الظهير رقم 1.58.008 الصادر في 24 فبراير 1958 . إلا أنه و بعد ازدياد البطالة، والتسريح المبكر لخيرة اسرة التعليم سواء في المغادرة الطوعية أو في التقاعد النسبي ، فإن الدولة انتقلت من نظام التوظيف إلى نظام التعاقد لسد الخصاص في الأطر الإدارية والتربوية.

حتى لا ننسى :

يجب التذكير هنا أن ميثاق التربية و التكوين هو أول من نص على نظام التعاقد ، نجد أن المادة 135 منه تنص على أنه: ” يتم تنويع أوضاع المدرسين الجدد من الآن فصاعدا بما في ذلك اللجوء للتعاقد على مدد زمنية تدريجية قابلة للتجديد على صعيد المؤسسات والأقاليم والجهات” وقد ثم ذلك بتزكية جميع الهيئات النقابية والتي شاركت في اللجنة الملكية لصياغة هذا الميثاق ، دون أن تنتبه لمآلات نظام التعاقد. لذاك نجد أن النقابات ليس لها رأي واضح حول نظام ” الكونطرا” باعتبار أنها ساهمت بوعي او دونه في ديباجة المادة 135، مما أوقعها في الحرج أمام الشغيلة التعليمية من جهة وامام المقبلين من حاملي الشهادات العليا على التعاقد هروبا من البطالة.

نظام التعاقد حاجة آنية وليس حقا مكتسبا:

يعيش نظام التعليم وكعادته على وقع التناقضات، فمن فصل التكوين عن التوظيف وماخلفه من أزمة اجتماعية وتربوية لفوج “الكرامة” من الأساتذة المتدربين للموسم الدراسي 2016/2017، إلى فصل التوظيف عن التكوين في نازلتنا هاته والمتعلقة بنظام التعاقد، و الذي سيشغل 11000إطار في قطاع التعليم دون غيره من القطاعات، مما يضع أكثر من سؤال على مهندسي التربية و التعليم ببلادنا، لماذا قطاع التعليم بالذات دون سائر قطاعات الوظيفة العمومية الأخرى؟ أليس حري بتعميم ذلك على مؤسسات الدولة حيث انعدام الكفاءة و ضعف المردوية ونجاعة الخدمات و العائد الإنتاجي؟ لماذا لا يطبق نظام التعاقد في الحكومة والبرلمان بغرفتيه والداخلية والصحة والعدل …؟ ألم تتحدث التقاريرالداخلية والخارجية عن الاختلالات والاختلاسات في هاته القطاعات؟ بل كان بعضها محل إعفاءات ومحاكمات. إلى متى سيظل قطاع التعليم محط تجارب؟

في الوقت الذي تنتظر فيه الأسرة التعليمية نظاما أساسيا منصفا وعادلا، تتكافأ فيه الفرص وتوحد فيه المسارات المهنية لمختلف الهيآت و الأطر، في أفق تعزيز المكتسبات ، وتجاوز ثغراته ، مما يساهم في الاستقرار الاجتماعي والنفسي لنساءورجال التعليم ، وجدنا وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني تسابق الزمن من أجل تأزيم قطاع التعليم ، وضرب المدرسة العمومية في الصميم ، بإصدارها المذكرة 16/866 في شأن نظام التعاقد. لأن بهذا الإجراء: التعليم سيصبح مهنة متاحة للكل بدون أي إعداد مسبق او تكوين منظم ، أو تدريب مسطر. سنصبح أمام “تعليم حسب الحاجة ” لسد ثقب ما في المنظومة التربوية ، سيما أن الأمر موكول للأكاديميات والتي بدورها تعيش أزمات في التدبير والتسيير، و تفتقد للمحاسبة و المساءلة، مما سيفتح المجال أمام “التوظيف السياسي ” لعملية التعاقد ، مادام أن مناصب مدراء الأكاديميات تمت بالترضيات السياسية. وهكذا سنعيد تجربة المخطط الاستعجالي من جديد وما رافق ذلك من هدر للمال العام ، ومن عملية إغراق المصالح الأكاديمية و النيابية أنذاك بعدد من نساء ورجال التعليم الذين لم يخضعوا لمباراة او انتقاء يذكر، إلا قربهم من أصحاب القرارالسياسي .

إننا إزاء “تعاقد سياسي” لا توظف فيه “الكفاءة” بل صاحب”الحاجة”. لأن من بين سلبيات نظام التشغيل، أن الشروط التي تضعها الإدارة لقبول المتعاقدين، يمكن أن تفصل على مقاس أشخاص معينين.

إن تفعيل نظام التعاقد سيضرب أخرمسمارفي نعش المدرسة العمومية ، والتي يتباكى عليها الكل ويدغدغ مشاعر المغاربة في خطاباته و شعاراته .سنصبح أمام إشكالات قانونية تتعلق بعملبة ترسيم المتعاقد وخضوعه للنظام الأساسي للوظيفية العمومية إسوة بإخوانهم الرسميين ، وامام تجويد التعلمات والتي لم يخضع المتعاقد لأي تكوين في النظريات البيداغوجية الحديثة ، ولا لسيرورة تعليمية تعلمية، ووضع اجتماعي غير قار ستتأثر به المدرسة العمومية ، عندما سيبحث المتعاقد عن وضع مريح ومغرفي التعليم الخصوصي ،مما يعرض المدرسة العمومية لللاستقرار وديمومة التعلم للأجيال . فضلا عن مشاكل تنظيم الإضرابات والتهديد بعدم مسك النقط والتلويح بسنة بيضاء وما إلى ذلك من آليات نضالية للمطالبة بحق الترسيم والانتظام في النظام الأساسي.

إن مبررات وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني للانتقال من التوظيف إلى التشغيل ، رغم وجاهتها بعض الشيء إلا أنه يمكن تضمينها في النظام الأساسي لهيئة التعليم والذي تنتظره بفارغ الصبر ونتفادى بذلك الدخول في إشكالات تر بوبة و اجتماعية تتعلق بنظام العقدة. إن استناد الوزارة الوصية لمبررات تحفيز نساء ورجال التعليم، وتجويد التعلمات ، وخلق منافسة في القطاع ، وتفعيل صلاحيات الأكاديميات و تعزيز استقلاليتها في تدبيرالموارد البشرية حسب الحاجة ، وغيرها من دواعي تفعيل نظام العقدة ، يمكن تفاديه لو ان الوزارة كان لها تصور محكم لمهن التربية والتكوين ، ورؤية استراتيجية واضحة المعالم منبثقة من واقع هيئة التعليم ، ونظام أساسي عادل مصاغ بشراكة فعلية مع التنظيمات النقابية الجادة. وبذلك تكون قد جنبت قطاع التعليم مستقبلا الاحتقان،وعدم استقرار الأسرة التعليمية والدخول في متاهات التشغيل التي تبقى مفتوحة على كل الاحتمالات.

ـــــــــــــــ

نائب رئيس الجمعية المغربية لأساتذة التربية الإسلامية