منتدى العمق

قراءة في جدل الامتحان الجهوي لمادة التربية الإسلامية بجهة مراكش آسفي

بعيدا عن التجني باتهام النوايا، و اجتراح الآثام بتقويل المسلم ما لا يليق به، وبعيدا عن التنقيب في دوافع صياغة الوضعية بهذا الشكل الذي أثار لغطا واسعا تضاربت حوله آراء المتتبعين للشأن التربوي، فالذي يظهر بجلاء أن واضع الإختبار اجتهد في جعل الأداة التقويمية تمس جانبا مرتبطا بواقع المتعلم، واقع بدأ في تجاوز مرحلة الإرهاصات، ربما تجاهله أو تقزيم خطره سيكون له ما بعده، محاولا بذلك خلخلة البنية الفكرية والمفاهمية للمتعلم وجعلها على المحك بهدف استثارة مكتسباته وترجمتها في مواقف تعكس درجة التحكم من جهة، ومدى مواءمتها واقعَه المعيش من جهة ثانية. لكن هناك بعض الإشكالات التي يجب على واضع الاختبار أخذها بعين الاعتبار في عملية التقويم، منها على سبيل المثال:

-التلاميذ الذين استوعبوا طبيعة الاشكال ولم تسعفهم مواردهم في اقتراح حلول ناجعة؛
-المترشحون الذين سيبدون تعاطفهم الصريح أو الضمني مع هذا الطرح؛
-الذين سيتبنون مواقف مغايرة لا تقل انحرافا عن التي تضمنتها الوضعية؛
-الذين سيقدمون إجابات شافية ثم يعتبرون توحيد الديانات عملا اجتهاديا يؤجر عليه صاحبه.
وغيرها الكثير من نماذج الإجابات التي لا تخفى على من يباشر عملية التصحيح.

وعليه فإذا سلمنا -جدلا- بنجاعة التدريس بالوضعيات، فمن المجازفة اعتماد وضعية الاختبار هذه وضعيةً تقويمية، بل أقصى ما تصلح له -في تقديري- أن تكون وضعية مشكلة لبناء الدرس، وذلك حتى يتسنى للأستاذ التحكم فيها لئلا تخرج عن المقصود ويقدم الدعم في آنه. هذا الدعم الذي لم يبرمج عقب التقويم الإشهادي مما يستوجب أخذ هذا المعطى بعين الاعتبار في صياغة الوضعيات.

لكن بمحاكمة هذا الاختيار البيداغوجي إلى الدين، فإن عرض الشبه على القلوب أمر مخالف للشرع تحت أي مبرر (بيداغوجي) كان؛ إذ هو لا محالة يعطي الجرأة على محاكمة الشرع وإخضاع تعاليمه لسلطان العقل -فيصير بذلك محكوما لا حاكما – والاستعاضة به عن التسليم لأوامر الله، هذا التسليم الذي يجب أن يُرَسًّخ لدى المتعلم باعتباره نتيجة مبنية على أدلة الإيمان العقلية والنقلية ” فلا وربك لا يومنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما” أما طرح الاشكالات الكبرى، فهو أمر يفوق قدرات المتعلم الإيمانية قبل المعرفية؛ ولا يجاب عنها إلا اذا فرضت نفسها، لا أن تستدعى لتحدث زوبعة ذهنية قد تتحول إعصارا يأتي على الأخضر واليابس. فإذا كان أبو الأنبياء عليه السلام قد أفحم النمرود في إثبات صفة الإحياء والإماتة لله. ثم بعد ذلك طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى، ليس لخلل معرفي – إثبات الصفة- وإنما لدافع وجداني -تحقيق الطمأنينة-، إذا كان الأمر كذلك فكيف بتلميذ الثانوي الذي لو سلمنا بسلامة موقفه في بعده المعرفي، لم نأمن الاضطراب في بعده الوجداني.

أختم بقاعدة مهمة في التعامل مع الشبهات نقلها ابن القيم رحمه الله عن شيخه ابن تيمية رحمه الله، قال: قال لي شيخُ الإسلام رضي الله عنه، وقد جعلتُ أورِدُ عليه إيرادًا بعد إيرادٍ: لا تجعَلْ قَلْبَك للإيراداتِ والشُّبُهاتِ مِثلَ السفِنْجة، فيتشَرَّبَها، فلا يَنضَحَ إلَّا بها، ولكِنِ اجعَلْه كالزُّجاجةِ المُصمَتةِ، تمُرُّ الشُّبُهاتُ بظاهِرِها ولا تستَقِرُّ فيها؛ فيراها بصفائِه ويَدفَعُها بصلابتِه، وإلَّا فإذا أَشرَبْتَ قَلْبَك كلَّ شُبهةٍ تمُرُّ عليها، صار مَقرًّا للشُّبُهاتِ. مفتاح دار السعادة
يقول ابن القيم معلقا على هذه الوصية: ما أعلَمُ أنِّي انتفعتُ بوصيَّةٍ في دفع الشُّبُهاتِ كانتفاعي بذلك.
ذ. أقليبوس محمد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *