مجتمع

“قنابل الموت الإسمنتية” بالبيضاء.. تقاذف المسؤوليات يضاعف عداد الأرواح

خلف انهيار منزل من ثلاثة طوابق بالدار البيضاء الثلاثاء 12 شتنبر الجاري، حالة من الهلع لدى الساكنة، على رأسها سكان الأحياء القديمة التي تعرف انتشار مئات المنازل القديمة المهددة بالسقوط، وهنا تجددت تساؤلات المواطنين حول من يتحمل مسؤولية تعجيل إخلاء وإصلاح هذه “القنابل الاسمنتية”.

ارتباطا بهذا السياق، أكدت مالكة المنزل المنهار الأسبوع الجاري بحي الفرح، في تصريح للصحافة، أن منزلها تم تصنيفه منذ مدة طويلة ضمن الدور الآيلة للسقوط، وذلك ما أكدته أيضا السلطات المحلية بعمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، “لكن ظلوا يقطنون به لغياب بديل” بحسب أصحاب المنزل.

هذه التصريحات تحيل حسب متابعين لهذا الموضوع، “إلى تماطل السلطات في تسريع عمليات الإفراغ وإعادة إيواء أو تعويض هذه الساكنة، حماية لسلامتهم وأرواحهم، وحفاظا على سلامة المارة والبنايات المجاورة”.

كذلك طرح الترخيص لعملية حفر مرآب بالمنزل المجاور للمنزل المنهار يوم الثلاثاء الماضي، علامات استفهام كثيرة، بينما لمحت مالكة المنزل إلى تواطؤ السلطة في الواقعة، بتأكيدها أنها “أخبرت مسؤولين من السلطات مطالبة بإعطاء أوامرهم لتوقيف عملية الحفر التي باشرها الجار، لكن دون جدوى إلى أن تسبب الحفر في انهيار المنزل” وفق تصريحها.

وأكد مواطن كان يستغل الطابق الأول للسكن رفقة أسرته، أنه في صباح يوم الثلاثاء، أي قبل ساعات فقط من انهيار المنزل، اتصل بالسلطات التي حضرت لعين المكان رفقة سيارة للشرطة الإدارية، حيث دخلوا وعاينوا المنزل، وعند خروجهم، طلبوا من المهندس المكلف بعملية حفر مرآب المنزل المجاور استكمال العملية” وفق تعبيره.

هذه التصريحات، بحسب متتبعين، تورط وبشكل كبير السلطات المحلية، خاصة على مستوى تراب عمالة مقاطعات الفداء مرس السلطان، وأيضا جماعة الدار البيضاء في عدم التدخل لدرء الخطر وفق ما ينص عليه القانون، وتطرح معه أسئلة أيضا من قبيل، من يتحمل المسؤولية على أرض الواقع؟ وما هي الميزانيات التي خصصها مجلس الدار البيضاء لدرء خطر المنازل الآيلة للسقوط؟ وهل تتحمل الدولة نصيبا من المسؤولية؟

من يتحمل المسؤولية؟

وفق القانون 94.12 المتعلق بالبنايات الآيلة للسقوط والتجديد الحضري، فإن لرئيس مجلس الجماعة أو من يفوض له بذلك، الحق في إصدار “قرارات بتدعيم أو هدم المبنى الآيل للسقوط، عندما يتحقق من أن الانهيار الكلي أو الجزئي للمبنى المذكور، من خلال خبرة تقنية تقوم بها مصالح الإدارة المختصة، أو بناء على التقرير المكتوب الذي تعده اللجنة الإقليمية، يمكن أن يترتب عنه مساس بسلامة شاغليه أو المارة أو البنايات المجاورة وإن كان غير متصل بها.”

تضيف المادة السادسة من القانون المذكور، أنه إذا “تأكد بأن وضعية المبنى المذكور، تستوجب التدخل لدرء خطر جسيم وحال، يتخذ رئيس مجلس الجماعة التدابير التحفظية الاستعجالية اللازمة لدرء الخطر، وفق الشروط والكيفيات الواردة في القانون، وذلك مع مراعاة الإجراءات التي تقوم بها الوكالة الوطنية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط المنصوص عليها في الباب الثالث من هذا القانون ذاته”.

كذلك أبرزت المادة السابعة من القانون 94.12، أنه “يجوز لرئيس مجلس الجماعة أن يطلب كتابة من عامل العمالة أو الاقليم المختص ترابيا، استخدام القوة العمومية، عند الاقتضاء، لضمان التنفيذ الفوري لقراراته وسلامة الأشخاص المكلفين بتنفيذ الأشغال المقررة“.

وإذا “تعذر على رئيس مجلس الجماعة، لأي سبب من الأسباب، اتخاد الإجراءات الموكولة إليه بموجب هذا القانون أو امتنع عن القيام بها، قام عامل العمالة أو الإقليم بمطالبته بمزاولة مهامه، بعد انصرام أجل سبعة أيام من تاريخ توجيه الطلب دون استجابة الرئيس، يحيل عامل العمالة أو الإقليم الأمر إلى القضاء الاستعجالي بالمحكمة الإدارية من أجل البت في وجود حالة الامتناع”.

وبالعودة إلى مالكة المنزل المنهار بحي الفرح بسبب اصلاحات المنزل المجاور له، فقد أكدت في تصريحاتها للصحافة، “أنها تتوفر على حكم قضائي بأن المنزل كان يجب أن يهدم لأنه لم يعد صالحا للسكن، كبعض المنازل المجاورة، لكن ورغم معاينته من طرف مسؤولين من الجماعة، لم يبلغوهم بالإفراغ أو عرض أي تعويضات مقابل إيجاد سكن بديل”.

إلى جانب مسؤولية المجلس الجماعي والسلطات المحلية، فقد كان القانون رقم 94.12 واضحا عندما أشار  إلى مسؤولية المالك من جهة أخرى، بنصه على أن “مسؤولية صيانة المباني تقع على ملاكها سواء كانوا أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين، عموميين أو خواص، كما يسألون عن الضرر الذي يحدثه انهيارها أو تهدمها الجزئي، إذا وقع ذلك بسبب عيب في البناء أو عدم الصيانة أو التلاشي، مع مراعاة مقتضيات الفصل 769 من الظهير الشريف الصادر في 12 غشت 1913 بمثابة قانون الالتزامات و العقود”.

وأوضحت المادة الرابعة من القانون المذكور، بأن البناية عندما تكون آيلة للسقوط، “يتعين أن يقوم المالك المستغل بالتدابير الضرورية والاستعجالية لدفع الخطر في هذا الشأن، ويتعين عليه تجديدها وصيانتها وإعادة تأهيلها بما يضمن متانتها، وكذا سلامة الجوار.”

الجماعة ترمي بالمسؤولية إلى الدولة

يبدو أن مجلس جماعة الدار البيضاء “غير مكترث” بالفواجع التي خلفتها انهيارات بنايات قديمة، لعدم إصداره لأي موقف يتعلق بتحمل مسؤوليته تجاه المباني الآيلة للسقوط كلما خلفت وفيات أو إصابات.

واكتفت رئيسة المجلس أول أمس الجمعة، بدعوة رؤساء المقاطعات لحضور ندوة، كان من بين مواضيعها “تقديم عرض حول تدخل شركة الدار البيضاء للإسكان والتجهيزات بخصوص الدور الآيلة للسقوط”.

وفي الوقت الذي يتجاوز فيه عدد “القنابل الاسمنتية” الألفين، والتي قد تسبب زلزالا مروعا بالعاصمة الاقتصادية في أي لحظة خاصة بعد فصل الشتاء، في كل من أحياء مرس سلطان والحي المحمدي ودرب مولاي الشريف والمدينة القديمة، فإن ساكنة هذه المنازل تنتظر الموعد، بل صارت هذه المنازل أيضا كابوسا يهدد المارة، خاصة بمرس سلطان باعتبارها منطقة تجارية تسجل مئات الزوار يوميا، حيث يتجاوز عدد المنازل الآيلة للسقوط فيها لوحدها 400 منزل وبناية، تتطلب تدخلا عاجلا لتأهيلها.

في سياق متصل، أكد عضو بمجلس مقاطعة مرس السلطان، في تصريحه لجريدة “العمق”، أن القانون “أناط اختصاص البنايات الآيلة للسقوط إلى الجماعات الحضرية، وحدد أن يقوم رئيس أو رئيسة المجلس الجماعي بتفويض التدخل في القطاع إلى رؤساء المقاطعات، والتفويض يتمثل في قيامهم بكل الإجراءات الإدارية المتعلقة بالبنايات المعرضة للسقوط”.

لكن بحسب المصرح ذاته، “فإن تفويض رئيسة جماعة الدار البيضاء هذا الاختصاص لرؤساء القماطعات، يجب أن يكون مصحوبا باعتمادات مالية، للقيام بالإجراءات التقنية والتدخل في حال أثبت أن البناية مهددة بالانهيار، لكن هذه الاعتمادات المالية لم تمنح لرؤساء المقاطعات بمعية تفويض الاختصاص الإداري، ما حال دون تدخلهم كلما استوجبت الظروف ذلك”.

وسجل المصدر ذاته، “أن الدولة تدخلت في 2015، وأعلنت خلق الوكالة الوطنية لتأهيل البنايات الآيلة للسقوط، في محاولة لنزع الاختصاص من الجماعات ولكنها في نفس الوقت لم تقم بذلك، بل خلقت هذه الوكالة وكالات جهوية، ولكنها لم تُفعّل وذلك ما يوضحه عدم تخصيص وزارة التعمير والإسكان لأي اعتمادات لهذه الوكالات الجهوية المحدثة قصد التدخل لتأهيل المباني الآيلة للسقوط”.

وتساءل العضو الجماعي، “كيف ستعمل هذه الوكالات الجهوية ما دامت الوزارة الوصية لم تخصص لها اعتمادات مالية خاصة بها للعمل، لأن قضية المنازل الآيلة للسقوط تتعلق بتهديد أرواح بشرية وليس موضوع بسيط أو إداري فقط، حيث يقتضي توفير سكن بديل لأصحابها أو تعويضهم لإيجاد البديل”.

وأكد المتحدث، “أنه لا يمكن لأي جهة متدخلة في هذا القطاع أن تخرج ساكنة الدور الآيلة للسقوط بطريقة عشوائية وتعرض الأسر للتشرد، يجب أن توفر لهم أولا سكنا كما كان معمولا به من قبل من طرف شركة إدماج السكن التي تغير اسمها إلى شركة الدار البيضاء للإسكان والتجهيزات”، مردفا أن “مجالس الجماعات سابقا كانت  تسلم لشركة إدماج سكن اعتمادات تقدر بـ20 إلى 40 مليون درهم لشراء شقق من الخواص أو العمران، وتنقل إليها ساكنة الدور المهددة بالسقوط، وتقوم الشركة بالمقابل بعقد صفقة لهدم البنايات بطريقة تقنية خاصة، لكي لا تسبب خسائر بالجوار”.

وأمام وضع إحداث الوكالة الوطنية والوكالات الجهوية للتجديد الحضري وتأهيل المباني الآيلة للسقوط، يضيف العضو الجماعي، “صارت جماعة الدار البيضاء تتهرب من مسؤوليتها وترد بأنه اختصاص الدولة عبر الوزارة الوصية التي أنشأت الوكالة”.مشددا في هذا الصدد، على “أن جماعة الدار البيضاء مسؤولة عن أرواح المواطنين وسلامتهم، وأن الوضع لا يتحمل تقاذف المسؤوليات بينها وبين الدولة، وعلى كل أن يتحمل مسؤوليته، لأن وجود واقع المنازل المهددة بالسقوط يفرض على المجلس الجماعي للدار البيضاء التدخل.

35 مليون درهم لتأهيل المباني الآيلة للسقوط

قال أحمد أفيلال عضو المكتب المسير لجماعة الدار البيضاء، “إن المجلس خصص السنة الماضية 23 مليون درهم وخصص عبر ميزانية سنة 2023، 12 مليون درهم، ذهبت كلها لشركة الدار البيضاء للإسكان والتجهيز لإحصاء وتأهيل المباني المهددة بالسقوط”.

وقال أفيلال في تصريح لجريدة “العمق”، “إن المجلس برئاسة نبيلة الرميلي، عقد أول أمس الجمعة ندوة عرضت خلالها الشركة المذكورة، مجالات تدخلها وإحصاء للمباني وأيضا الإجراءات التي تم اتخاذها والتي تعمل على اتخاذها لحماية ساكنة البنايات الآيلة للسقوط”.

وأكد عضو المجلس المسير للدار البيضاء، “أن الإكراه الذي يصادفهم على الميدان، هو أن ساكنة المنازل القديمة، بكل من الحي المحمدي ودرب مولاي الشريف أو مرس السلطان والمدينة القديمة، ترفض مغادرة منازل ورثتها عن أجدادها منذ ما يزيد عن السبعين سنة أو منذ الاستعمار”.

وأضاف “أن العديد من هذه المنازل القديمة المهددة اليوم بالسقوط، يشترك فيها الورثة، وهذا يزيد من حدة تعقيد عملية إفراغها، كما يرفضون الانتقال إلى منازل أخرى خارج مدينة الدار البيضاء، لأنه كما يعلم الجميع، فالمدينة لم يعد بها وعاء عقاري لبناء شقق، وكل البنايات تجهز اليوم بالضواحي”.

وأبرز  أفيلال، “أن مجلس جماعة الدار البيضاء، يعي أن الأمر يتعلق بأرواح الناس، لكن هذه الإكراهات التي تم ذكرها تعيق تحركات الشركة المناط إليها المهمة من طرف الجماعة، لكن الخطوات المقبلة التي يتم تدارسها هو استعمال القوة العمومية كما أوضح القانون، وأيضا محاولة إقناع الساكنة بإعادة التأهيل وإرجاعهم لمنازلهم في حال توفرت هذه الإمكانية”.

كذلك أبرز المسؤول الجماعي، “أن الوزارة الوصية على قطاع التعمير تتحمل المسؤولية، لأنها قامت بإحداث الوكالة الوطنية والوكالات الجهوية لتأهيل المباني الآيلة للسقوط، لكن هذه الوكالات لا تتوفر حتى على المعلومة، ولم تتحمل مسؤوليتها في التدخل في قطاع المياني الآيلة للسقوط لليوم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *