وجهة نظر

نعم إنها القيامة يا صاحب الجلالة

يبدو أن الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش 2016 على أهميته، لم يكن مفهوما بشكل جيد للعديد من الفاعلين السياسيين، أو أنه يتم تأويله في اتجاهات أخرى تفترض أنه موجه للآخر دائما.

– تصريحات شاذة هنا وهناك،
– بلاغات دون معنى والرد عليها،
– اجتماعات طارئة،
– منع غير قانوني ولا ديموقرطي،
– اتهامات بالجملة تستوجب فتح تحقيق جدي،
– “مسيرة” مفبركة ومخزية،

لم يعد الحداثي حداثي ولا الديمقراطي ديمقراطي ولا اليميني يميني ولا اليساري يساري وكأنها القيامة… ، الكل فقد عقله “فبمجرد اقتراب موعد الانتخابات، وكأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر. والجميع حكومة وأحزابا، مرشحين وناخبين، يفقدون صوابهم، ويدخلون في فوضى وصراعات، لا علاقة لها بحرية الاختيار، التي يمثلها الانتخاب.” (من خطاب صاحب الجلالة).

هذه هي الممارسات التي تطفو على السطح خلال الزمن الانتخابي في غياب تام إلى ما يجب أن يكون متداولا خلال هذه الفترة من نقاشات جادة ورصينة حول سياسات عمومية ومشاكل اجتماعية وطموحات اقتصادية…إلى غير ذلك، مع طرح بدائل وحلول لما يعتبر إشكالا أو هما يؤرق المواطنين من باب “هاتوا برهانكم ان كنتم صادقين”.

وهذا ما أشار إليه صاحب الجلالة في خطاب العرش 2016 “فأحزاب الأغلبية مطالبة بالدفاع عن حصيلة عملها خلال ممارستها للسلطة في حين يجب على أحزاب المعارضة تقديم النقد البناء واقتراح البدائل المعقولة في إطار تنافس مسؤول من أجل إيجاد حلول ملموسة، للقضايا والمشاكل الحقيقية”.

لكن من خلال مجموعة من السلوكات الشاذة والتي على ما يبدو أنه صار التطبيع معها إلى درجة أنها ستصير هي الأصل في الحالة المغربية، إذ أنه لا شيء يوحي أنه قد تغير بشكل حقيقي سوى التفاف على تصرفات تم نبذها في السابق وإعادة إنتاجها في قالب آخر، فالثابت في الانتخابات المغربية على ما يبدو هو الإفساد السياسي الذي يعيد إلى الواجهة أهله في كل مرة بصيغ منقحة ومحينة.

فبتتبع للشأن السياسي في هذه المرحلة نجد هناك تمييع للمشهد السياسي وإسفاف واستهتار بعقول المواطنين وطرح ومناقشة مواضيع فارغة على حساب ما يجب مناقشته فعلا مما يشغل بال المغاربة، فلا كلام يعلو هذه الأيام فوق موضوع حزب العدالة والتنمية وأمينه العام رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، وكأن علة المغرب ومشكلته الرئيسية هي ذاك الحزب وزعيمه وعندما يتنحيان عن المشهد سوف يصنف المغرب في أعلى المراتب وسوف تحل مشاكل المغاربة في نهاية الأسبوع الذي يلي تنحيه، كما أن هذا الضجيج المفتعل يعطي الانطباع وكأن حكومة بنكيران هي أول حكومة بعد الاستقلال وأفسدت المغرب بعده، في حين أن الحقيقة التي يتناساها الكثيرون هي أن هذه الحكومة هي عبارة عن ائتلاف حكومي متكون من أربعة أحزاب وأن السياسة الحكومية يتم التوافق عليها والتشاور والتشارك حولها طبقا للدستور في كل أمر يخص البرامج المطبقة، وعليه فالمحاسبة ينبغي أن تكون كذلك لا أن يتم اختصار كل شيء في حزب وشخص واحد وتحميله كامل المسؤولية.

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ما يلاحظ انه بالرغم من خطابات الإصلاح والتغيير التي يتغنى بها الكثيرون لا نرى انعكاسات لها سواء على مستوى ممارستهم خلال الزمن الانتخابي أوعلى مستوى مرشيحهم اذ يتم تسجيل استمرار نهج نفس السلوكيات التي كانت تمارس في السابق وكذلك استقطاب الوجوه بعينها وكأن الشعب المغربي لم يفرز خلال السنون التي مضت غيرهم قد تكون له غيرة على وطنه وذو كفاءة، وبإمكانه أن يخدم وطنه وشعبه بكل تفاني، مع العلم أن الوجوه السابقة قد أفلست سياسيا وتأكد فقرها السياسي وعدم قدرتها على الإنتاج والعطاء.

إن ما يجري حاليا في الساحة السياسية المغربية يوحي بأنه لازالت أمامنا سنين أخرى سندور فيها في نفس الفلك مادام نفس النخب تتكرر ولا مؤشر على تغيير حقيقي وجاد في الأفق لأن فاقد الشيء لا يعطيه ومادامت “النخب” نفسها تعود فلا ينتظر منها أن تثور على نفسها لأنها ستعود لاستكمال مصالحها والمحافظة عليها، فالعملية الإنتخابية أصبحت في هذه الظروف وكأنها عملية إعادة تدوير للنفايات في الكثير من الحالات، وهو ما يؤكد كما سبق وأن قلت، عدم استيعاب لمضامين الخطاب الملكي، إذ أن جلالته أشار إلى “اننا امام مناسبة فاصلة لإعادة الأمور إلى نصابها، من مرحلة كانت فيها الأحزاب تجعل من الانتخاب آلية للوصول لممارسة السلطة، إلى مرحلة تكون فيها الكلمة للمواطن، الذي عليه أن يتحمل مسؤليته، في اختيار ومحاسبة الناخبين”.

فلا الأحزاب فهمت، ولا المواطن أدرك.

“كفى من الركوب على الوطن، لتصفية حسابات شخصية، أو لتحقيق أغراض حزبية ضيقة”(نص الخطاب الملكي)
الضحية في كل ما يحدث دائما هو الوطن والمواطن البسيط، فرحمة بهما. وعلى المواطن أن يتحمل مسؤوليته كذلك بالطريقة المناسبة ويرقى لمستوى المرحلة.

تلك صيحة في واد… إن لم يستجب لها فستأتي الرياح على الأوتاد.

ــــــــــــ

اليزيد محمد / باحث في القانون العام والعلوم السياسية – محام متمرن