وجهة نظر

هل يريد حزب العدالة والتنمية فعلا “أخونة” المجتمع المغربي؟

رغم أن وابل التهم المتبادلة بين الخصوم السياسيين في المغرب لم يتوقف قط، إلا أن شرارته ارتفعت أكثر في الفترة الأخيرة لقرب الاستحقاق الانتخابي، حيث أصبح قادة الأحزاب وبرامجها وإيديولوجياتها هدفا مشروعا للخصوم. وحتى النوايا والسرائر التي لا يعلمها إلا الله لم تسلم من هذه السهام.

“الرغبية في أخونة المجتمع المغربي” تهمة من بين التهم التي تلاحق حزب العدالة والتنمية. هذه التهمة، كانت وراء دعوة البعض إلى الخروج في مظاهرة يوم الأحد 18-09 للوقوف ضد رغبة الحزب هذه والمطالبة في نفس الوقت بإسقاطه وإسقاط رئيسه السيد بنكيران من رئاسة محتملة للحكومة القادمة . فما مدى صحة هذه التهمة؟ وهل من أدلة تثبت فعلا أن حزب العدالة والتنمية يسعى إلى “أسلمة” السياسة و “أخونة” المجتمع المغربي؟

أكرر في البداية أنني لا أنتمي إلى الحزب ولا إلى أي حركة إسلامية وأحاول الحياد والعدل قدر الإمكان. وقد سبق أن كتبت مقالا انتقدت فيه بشكل لاذع الجماعات الإسلامية. كما كتبت مقالا آخر دافعت فيه عن السيد الحسين الوردي وزير الصحة إبان أزمته مع الطلبة الأطباءونوهت بمجهوداته، مع أنه لا ينتمي إلى حزب العدالة والتنمية ولا ينتمي كذلك إلى الحركات الإسلامية. أقول هذا وأكرره لأن البعض مع الأسف لا يقبل كلمة إنصاف في حق خصومه. وكلما قلت فيهم قولا لا يرضيه اتهمك بأنك واحد منهم!

إن اتهام حزب العدالة والتنوية بالرغبة في “أخونة” المجتمع اتهام باطل ولا أساس له من الصحة، للأدلية التالية:
أولا: إن هذا الأمر لا يوجد ضمن برنامج الحزب ولا ضمن مخططاته. وعلى الذين يتهمونه بهذه التهم أن يأتوا المغاربة بدليل من وثائق الحزب أو تصريحات قادته يثبت هذه التهمة. الذي يقوله مسؤولو الحزب وتؤكد أدبياته هوأن الحزب حزب سياسي كباقي الأحزاب تماما، ذو مرجعية إسلامية. وكون الإسلام مرجعا للحزب لا يعني البتتة إثبات تهمة “الأخونة”. فالإسلام مرجع كل المغاربة أو الغالبية الساحقة منهم. والإسلام مرجع دستور الدولة المغربية. وفي الغرب نفسه (الذي يحاول هؤلاء إسقاط نموذجه على الوضع في المغرب) كثيرة هي الأحزاب ذات المرجعية الدينية، ولم يحاول أحد ان يحجر عليها أو يتهمهما بمحاولة تنصير المجتمعات الغربية. ثم، إذا جاز لخصوم الحزب اتهامه بهذه التهمىة والدعوة إلى مظاهرة للوقوف ضده، فلماذا لا يجوز أيضا لأنصار الحزب والمتعاطفين معه اتهام الأحزاب ذات المرجعية العلمانية بمحاولة علمنة المجتمع والقضاء على مظاهر التدين فيه، ثم تجييش الناس ودعوتهم للتظاهر ضد هذه الأحزاب باعتبارها تهدد تدينهم؟

ثانيا: إن كل ما يتعلق بالشأن الديني في المغرب من تأطير ومراقبة وتأثير هو بيد الملك والمؤسسات التي تحت إمرته من مجالس علمية ومندوبيات وزارة الأوقاف وغيرها. وذلك حسب ما هو واضح في الدستور وملموس في الواقع. وبالتالي، فالدستور لا يسمح لأي وزير ولا لأي حزب أن يتدخل في الشأن الديني لأنه من اختصاصات الملك. ووزير الاوقف نفسه يعينه الملك. فكيف يمكن لحزب العدالة والتنمية إذا أن “يؤخون” المجتمع حتى ولو أراد ذلك؟ من أي منفذ وعبر أية وسيلة؟ ثم، هل تقبل المؤسسة الملكية أن يتدخل الحزب في هذا الأمر الذي هو من صميم اختصاصاتها؟ إن الذي يقال هو أن رئيس الحكومة يتنازل في بعض الأحيان عن صلاحياتها من أجل الملك. فكيف يمكن أن نتصور العكس؟

ثالثا: إن واقع السنوات الخمس التي أمضاها الحزب في رئاسة الحكومة يبطل هذه الدعوى أيضا. فمنذ تولي الحزب رئاسة الحكومة لم نلاحظ أي إجراء أو محاولة لهذه “الأخونة” المزعزمة. أخبرونا عن مظاهرها إن كنتم ترونها! في عهد حكومة العدالة والتنمية حضرت جينيفر لوبيز إلى المغرب ورقصت شبه عارية وبثت سهرتها على قناة عمومية. وفي عهد هذه الحكومة منع الداعية السعودي محمد العريفي من دخول المغرب. وفي عهدها أيضا سمح للمفكر المصري سيد القمني المعروف بعدائه للإسلام بالحضور إلى المغرب والمحاضرة فيه. وسمعنا وسمعتم جميعا ثناء الفنا نعمان لحلو على رئيس الحكومة السيد عبد الإله بنكيران بعدأن حضر حفلة أقامها الفنا من بدايتها إلى نهايتها، في سابقة ربما لم تحدث من قبل في تاريخ المغرب. وإنني إذ أسرد هذه الاحداث، لا أسردها لأحمّل الحزب مسؤوليتها. فحينما بثّت سهرة “المجون” لجينيفر لوبيز على القناة الثانية مثلا، عبر السيد مصطفى الخلفي أمام البرلمان باعتباره وزيرا للاتصالعن غضبه من بث القناة للسهرة التي كانت خادشة للحياء صادمة لقيم المغاربة. ورغم عدم رضى الوزير بثت السهرة. مما يدل على أن الحزب ومع كونه يرأس الحكومة لا يستطيع أن يملك كل القرارات بيده. بل هناك أحزاب ومؤسسات وجهات أخري تتقاسم المسؤولية.

رابعا: كيف يتهم حزب بالرغبة في أخونة المجتمع وهو متحالف في الحكومة التي يرأسها مع حزب اشتراكي يساري لبرالي ذي ماض شيوعي؟ بل ولا يزال الحزب يؤكد رغبته في العمل مع نفس الحليف حتى بعد الانتخابات القادمة ليقودا الحكومة معا إن فازا في الاستحقاق؟ اشرحوا لنا هذه المعادلة ياأيها الفاهمون. لو كان الحزب يريد أخونة المجتمع فعلا، لوجدناه يبحث عن حلفاء من نوع آخر. حلفاء يقبلون عملية “الأخونة” ويسهلونها. أما حزب التقدم والاشتراكية فقيمه وأهدافه تتعارض تماما مع ما تتهمون به حزب العدالة والتنمية! ولو كان لتهمتكم هذه ولو قدر ضئيل من المصداقية لكان حزب التقدم والاشتراكية في شخص وزرائه ومناضليه أول من يفضحها ويقف ضدها.لأنها ببساطة تتعارض مع قيمهم ومبادئهم. أضف إلى ذلك أن قبول حزب العدالة والتنمية التحالف مع حزب يساري اشتراكي دليل على أن الحزب ليست له أهداف إيديولويجيىة كالتي يروجها خصومه. وإنما همه التسيير والتدبير.

في الأاخير أقول: لو لم تكن للحزب تجربة في الحكم لكان لهذه التهمة وهذا التخوف شيئ من الوزن. لكن، ومادام الحزب قد ترأس فترة حكومية كاملة عايشها المغاربة كلهم بسلبياتها وإيجابياتها، فعلى خصومه أن يناقشوا حصيلته بدل الحكم على نيته. ثم يقنعوا المغاربة بأن هذه الحصيلة ضعيفة وبأنهم قادون على تقديم أفضل منها ويتركوا في الأخير مجال المقارنة والترجيح للمواطنين ليمنحوا أصواتهم لمن يرون أنه يستحقها دون تشويش ولا تضليل ودون تهم لا تستند إلى أي دليل.