وجهة نظر

تحولات قناع ” بيلماون/ بوجلود ” وتدهور الذكورة

يشكل ” بيلماون ” إحدى العلامات الثقافية العريقة بالمغرب عامة، وبسوس على وجه الخصوص، وهو طقس احتفالي كرنفالي قديم، شهد الكثير من التغيرات المتسارعة خلال العقدين الأخيرين، وتحاول العديد من الفعاليات الثقافية في مدينتي الدشيرة وأكادير الدفع بهذا الموروث الثقافي نحو العالمية. وما يهمنا في هذا المقام أساسا هو توجيه الانتباه إلى ما استجد على قناع ” بيلماون / بوجلود ” وأشكال تَقَنع شخوص الكرنفال ” بودماون ” من تحولات عميقة، أضحت واضحة لمن عايش الظاهرة قبل بداية الألفية الثالثة.

لقد تغيرت تقنيات تقنع ” بيلماون ” في السنوات الأخيرة من علامات دالة الخشونة والفحولة وتلبُّس قناع شامل لسائر الجسد من جلود المعز والأكباش، وتقمص صفات هذا الحيوان شكلا وصوتا وحركة، تخويفا وعنفا أحيانا، إلى أشكال تنم عن ميل كبير نحو تأنيث ” بوجلود ” بالتخلص من قناع الرأس واستبداله بماكياج أنثوي باذخ، وذلك بوضع أحمر الشفاه الفاقع، وطلاء الوجوه بمساحيق التبييض والتوريد وتركيب الرموش الاصطناعية والشعر ووضع المجوهرات وكثير من العناصر التزيينية الأنثوية على مستوى الرأس والخصر وسائر الجسد عامة، وهي عناصر تجميلية تُخرج القناع من الخشونة والذكورة بمعناها الشعبي إلى الأنوثة بمعناها الاستيتيكي، علاوة على اقتحام العنصر النسوي لمجال ” بيلماون ” بشكل غير مسبوق. ومع تنكر الذكور بالمساحيق والشكل الأنثوي، يصعب التمييز بين الذكور والإناث المرتدين للجلود في ساحة الاحتفال “أسايس”.

إذا التفتنا إلى أقنعة الكرنفال ” بودماون ” نجده بدوره يأخذ هذا المنحى الأنثوي بشكل باذخ، كما وكيفا، بتركيب المشاركين للأرداف والأثداء وباروكات الشعر والأزياء الأنثوية، وتحويل الملامح الذكورية إلى تقاسيم أنثوية مرسومة بدقة وعناية. إن التقنع باللباس الأنثوي ليس غريبا في طقس ” الكرنفال / إمعشار / بودماون “، فقد كان يحضر في القديم في شخصية “تويا” الأَمَة، وبعض الأفراد الذين يرتدون أزياء النساء العجائز في الغالب، في محاولة لمسرحة ظواهر اجتماعية كالعلاقة بين الجنسين وفضح واقع العبودية والقهر الذي تتعرض له المرأة قديما.

من زاوية أخرى أضحى هذا الطقس الكرنفالي المصاحب للاحتفالات بعيد الأضحى في سوس تشوبه الكثير من الظواهر السلبية، حيث تطفح فيه ظواهر العنف والجريمة والمخدرات بشكل فاضح تخرج هذا الطقس الثقافي من صناعة الفرجة إلى المس بأمن الناس وممتلكاتهم.

لقد حظيت طقوس الأقنعة والاحتفالات الكرنفالية العريقة بالدراسة من زوايا أنثروبولوجية وتاريخية واجتماعية. فبحكم ارتباط الانسان القديم بالطبيعة، باعتبارها المجال الحيوي الذي يعيش فيه، ويتفاعل معه ماديا ورمزيا، ويستفيد من خيراتها ويصارع قواها ” الشريرة “، فقد كانت الكثير من أقنعته مستوحاة من الطبيعة، حيواناتها على وجه الخصوص، بحيث اتخذت القبائل القديمة بعض هذه الحيوانات رموزا روحانية مقدسة “طواطم” محمَّلة بأنساق ثقافية ورمزية مكثفة، تتيح لها العبور من الواقع إلى العوالم الأسطورية والرمزية، فأقنعة الحيوانات، مثل جلود المعز والأكباش ورؤوسها، طقس استلهامي لخصائص هذا الحيوان وقواه الروحية.

إن هذه الأبعاد الأنتروبولوجية والتاريخية ذات أهمية معرفية، وتحتاج إلى مزيد من تعميق البحث، لكن ما نثير إليه الانتباه هنا، هو هذه الأقنعة الجديدة التي تحمل دلالات جديدة وتطرح قضايا وإشكالات راهنة ذات أبعاد نفسية وذهنية وثقافية وسوسيولوجية. فمن الطبيعي أن يتعرض هذا الطقس الاحتفالي للتطوير ليعبر على ما استجد في الحياة المعاصرة، وبالتالي ضرورة البحث في هذه الدلالات الجديدة للعلامات الكرنفالية والأقنعة المستجدة في هذا الطقس الاحتفالي العريق.

إن هذا الميل المتزايد نحو تأنيث القناع عند المراهقين والشباب ربما يشكل ملمحا مما أضحى يُتداول من نقاشات حول تقهقر معالم الذكورة لدى الأجيال الصاعدة، فهذا المنحى التأنيثي للقناع الكرنفالي المستجد ظاهرة مثيرة للانتباه، وتحتاج إلى مقاربة نفسية وسلوكية، باعتبار القناع علامة دالة وأداة للانفلات من قيود الذات والمجتمع والدين، وبالتالي تتيح للفرد التعبير عن المكنونات والرغبات المكبونة للمقنعين بشكل رمزي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *