ثلثا الفرنسيين يريدون رحيل ماكرون: شرعية على المحك

في فرنسا اليوم، ليست فرنسا نفسها وحدها في أزمة؛ بل يظهر أن الثقة بمؤسسات الدولة تتراجع أمام أنظار العالم. استطلاعات الرأي الأخيرة تكشف سقفًا جديدًا من فقدان الثقة في كل من قصر الإليزيه وسلطة الحكومة.
ثلاثة أعوام تفصلنا عن مفاجأة فوز إيمانويل ماكرون لأول مرة كرئيس، وحصيلة العامين الأخيرين من تراجعه الشعبي باتت أخطر إليكم: نحو ثلثي الفرنسيين يتطلعون اليوم إلى إجراء انتخابات مبكرة، رئاسية وتشريعية على حد سواء، كخيار وحيد للخروج من الأزمة السياسية وتثبيت الشرعية الشعبية المتآكلة.
في قلب هذه البيانات، يظهر إعلان 15% فقط من الفرنسيين عن ثقتهم في الرئيس. ليس هذا فقط انخفاضًا قياسيًا منذ بداية ولايته، بل انعكاس حقيقي لصدمة ثقة لا تُستهان بها. وفي المقابل، تنهار ثقة رئيس الوزراء بنفس القدر، ليصل إلى أدنى مستوى نسبة له في تاريخ الجمهورية الخامسة.
وقد جاءت هذه البيانات قبل أيام من جلسة تصويت وشيكة تخص الثقة بحكومة رئيس الوزراء فرانسوا بورو، في ظل رفض واضح من المعارضة، والإشارة إلى أن الخروج من النفق السياسي الراهن يبدو مستحيلًا من دون نفض الغبار عن مسألة الانتخابات المبكرة.
في قلب مشهد الثقة المنهارة، تستحضر نفسيات الناخب الفرنسي الذي فقد الحافز للمشاركة والاعتقاد بأن صوته يُسمع. فالسقوط الشعبي للرئاسة والحكومة معا — هو ليس خطأً شخصيًا، بل مؤشر سياسي عميق على أن المؤسسات الانتخابية لم تعد فعالة بضمان الشعور بالتمثيل.
وهنا نتساءل: هل باتت فرنسا واقعة بين مطرقة المؤسسات المتهالكة وسندان الرأي العام الحرّ الذي يجترّ ما عاشته البلاد من تناذر في القيادة ورسائل متناقضة من الأداء السياسي؟ في حين يُلام النمو الاقتصادي والسياسات الداخلية، فإن الأزمة الحالية تبدو أزمة ثقة في القدرة على التغيير.
إن التوقعات بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة ليست تطلعًا قصير الأمد، بل انعكاس لوجع سياسي أعمق. فالدعوة للعفو بالفعل مؤجلة ليست فقط لتحصين المواقع الديمقراطية، بل لإعادة تأسيس تلك العلاقة الحيوية بين الناخب والمؤسسة.
في هذا السياق، فرنسا قد تعيد إلهام أوروبا: كيف تجدد الديمقراطية نفسها في مواجهة أزمة ثقة؟ كيف تستعيد الشرعية الشعبية بعد ضياعها؟ والإجابة تكمن في الإجراءات الإصلاحية التي لا تستثني أحدًا وتعيد الانتشار السلمي للمسار التمثيلي.
اليوم، يبدو أن الشعب الفرنسي يقف على مفترق طرق. إما ندخل انتخابات مبكرة كفرصة لإعادة التوازن، وإما نستمر في التراجع الذي قد يقود إلى أزمات أكبر.
ما نراه اليوم في استطلاعات الرأي ليس مجرد أرقام أنصار أو هروب من الآخرين، بل هو صرخة تطالب بالعودة إلى جذور للشرعية الديمقراطية. فرنسا التي كانت عاصمة الحقوق لا يمكن أن تزول مكانتها دون إعادة بناء علاقة الثقة بين المواطن والدولة — بدءًا من انتخابات جديدة، وصولاً إلى مشروع سياسي أكثر وضوحًا وأقل استثناءً.
اترك تعليقاً