منتدى العمق

بعد حراك الريف، الجنوب الشرقي في الطريق؟

كتبت قبل سنوات موضوع حول وضع المغرب. عنونتُه ب” المغرب على شفا حفرة من النار..فأنقذوه”. وما يقع اليوم من أحداث كثيرة سياسية واجتماعية ليس إلا تأكيدا لكلامي السابق.

أرجع قليلا إلى الوراء لأذكركم بأهم الوقائع الإجتماعية التي وقعت في هذه السنتين وأنتم عارفون أسبابها، فكلنا نتذكر ” مي فتيحة” التي أحرقت نفسها إحساسا منها بالظلم والحُكرة. وليس ببعيد عن منطقتها بالقنيطرة، أردت امرأة أخرى المسماة”مي عائشة” إعادة فعلة رفيقتها في الدرب” مي فتيحة” بطريقة أخرى، لكنها فشلت في ذلك بعد أن أحسسوها المواطنين بالذنب وتذكيرها بالعقاب الإلهي، ووعدوها بمساعدتها لحل معظلتها.

قبل هذا الحدث المؤسف، كان حدث أخر لا يختلف عن سابقه بكثير، الفرق بينهما هو أن الحدث الأول أراد صاحبه الموت، أما الحدث الثاني فقد قتلوا صاحبه؛ هذا الحدث الأخير الذي راحت الطفلة البريئة “ايديا” ضحيتها لعدة أسباب سأوردها في المقال. فإذا استحضرنا المنطقة التي تنتمي إليها الطفلة. هذه المنطقة المسماة بالمغرب الغير النافع “الجنوب الشرقي للمغرب” سنعرف مصير العديد من الأطفال والحوامل من النساء إلى غير ذلك. هذه المنطقة التي لم يبقى للدولة سوى إحراق شعبها بالنار بعد أن أحرقتهم بالإقصاء والتهميش والحُكرة…

الجنوب الشرقي في هذا البلاد، استغفر الله من هذا الكلام. عليه تهميش سماوي قبل الأرضي، فهذه السنة مختلف مناطق البلاد أغرقت بالفياضانات، أما هو فله الرياح والشموس الحارة، مما أعطانا بطالة فلاحية وتراجع الدخل الفردي للإنسان. أما عن استغلال الدولة ثروات هذه المناطق لإشباع رغباتها وتوزيعها على خدامها في الرباط والنواحي غير مخفي على الجميع، فالذي لا يعلم، سأذكره بأن ” جهة درعة تافيلالت” هي من بين الجهات الغنية في البلاد، ففيها ” منجمي الفضة والنحاس” من أكبر المناجم في افريقيا. وفيها التمور والتفاح والبطيخ الأحمر والورود والتوابل.. إضافة على ذلك تتوفر على السياحة الإيكولوجية. وفيها الحب والريحان.

والعنصر البشري الهام في هذا كله. إذن، هذه الجهة كل الموارد الطبيعية والبشريه متوفرة فيها لتكون من أحسن الجهات في المغرب في البنية التحتية والمرافق العمومية، لكن الواقع مسكين عليل، ينتظر من يجود عليه كما جاد على أهل السودان. فغنى الجهة سرقوه خدام الدولة وأصبحت فقيرة، وفي الحقيقة هي فُقرت بعد أن سلبو منها كل شيء.

الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، هذا هو شعار ” العياشة والطبالة” الأن في الجنوب الشرقي الذي يعيش حراكا اجتماعيا بعد مقتل الطفلة “ايديا” شهيدة غياب السكانير في المشتشفى الجهوي بالرشيدية، حدث “ايديا” فقط أفاض الكأس، أما أسباب الحراك وشروطه موجودة من أيام زمان. وقريبا في الأكشاك ستجدون “حراك الجنوب الشرقي” الذي أظنه سيكون أشد من “حراك الريف”. فهو الأن في هذه الفترة يقوم بالتسخينات.

فالحراك في الريف، طبيعي أن تصل الأمور فيه إلى هذه الحالة، وليس حدث ” محسن فكري” سوى حدث عجل بالحراك، فالتحكم السياسي والإقصاء المُمنهج للمنطقة لا ننتظر أن يعطينا سوى هذا الوضع المُحتقن، وهكذا سيستمر الحال في كل مناطق البلاد التي انتفضت، – منها من خرجت لمساندة الريف، ومنها من خرجت لمطالبة بمطالبها- حتى يتم دمقرطة الشأن السياسي في البلاد. ولا ينبغي لوم المواطنين المحتجين على أوضاع مناطقهم، لأن هذا كله كان متوقعا بعد الأحداث الغريبة التي وقعت في المشهد السياسي من تحطيم إرادة الناخبين وتسفيه الأحزاب السياسية والمُنتخبين شبيه الشعب، وفي المقابل تم تكريم وتمجيد خُدام الدولة التقنوقراط الذين يراهم المُواطن أعداؤه.

حراك الريف ما هو إلا استمرار لحراك 20 فبراير، تجمعهم نفس المطالب الإجتماعية والإقتصادية والسياسية، الفرق هو في ظل حراك 2011 كان الساسيين تفاعلو معه بشكل إيجابي واستجابت الدولة بمؤشرات تعكس تفاعلها مع الحراك، ابتداء بخطاب 9 مارس، ثم التعجيل بالإنتخابات التشريعية. وكان السائد أنذاك ثقة المُحتجين في عدة أشخاص، من بينهم ” عبد الإله بن كيران”. الذي استطع أن يخلو شوارع الرباط بمنطق “الإصلاح في ظل الاستقرار” بعد أن أصبح رئيس الحكومة. أما حراك 2017، فقد فُقدت الثقة في السياسة وفي الأحزاب المغربية بعد أن ساهمت السلطة في ذلك، لهذا حراك اليوم صعب إخماده بسهولة، وكيف سيُخمد وقد شُوهت المؤسسات المنتخبة التي يرى فيها المواطن نفسه. إضافة إلى أسباب الصعوبة، طريقة التعامل مع المُحتجين اليوم، فهذه الطريقة لن تزيد الأمور إلا تعقيدا، فالغضب الجماهيري يُحل بالديمقراطية الحقيقية وليس بالزرواطة البوليسية.

إذن، المتأمل في المشهد العام للمجتمع المغربي، يرى بأن الواقع لا يبشر بخير مستقبلا، إذا استمر الوضع على حاله، فأن يصل المواطن درجة إحراق ذاته أو إقدامه على الإنتحار، أو يختار السجن بدل العيش في ضنك، فلا شك بأن هناك أمور تغيرت في المنظومة الاجتماعية للمجتمع المغربي، فقد أصبح الإنسان يفضل الموت بدل أن يعيش في الظلم والحُكرة والتهميش، لهذا على المسؤولين أن يستوعبوا هذه التغيرات وأن يتعاملوا بعقلية تبصرية وليس بعقلية قديمة تجاوزها الزمن لا تصلح لهذا الجيل الجديد. وأن يعلموا إذا طال الإنتظار فلهم فقط هذه الولاية الحكومية أن يقومو بإصلاحات جذرية يلامسها المواطن في حياته اليومية، أما إذا كانت إصلاحات وهمية، فلا يُصدع أحد نفسه أن يقنع الشعب بالإنتخابات والمشاركة السياسية، وعليه أن يستعد للربيع المغربي بعدما فشل الإستثناء المغربي.