منوعات

اليوسفي وابن كيران: عناصر الاتصال والانفصال

في سيّاق المُقارنة بين الحكومة الحالية التي يرأسها حزب العدالة والتنمية بزعامة عبد الاله بن كيران، والحكومة التي وُسمت بـ “التناوب” برئاسة حزب الاتحاد الاشتراكي، تَبرز العديد من أوجه التشابه والاختلاف، يمكن أن نلخّصها في الآتي:

أولا: من حيث نقاط التشابه، يُسجَّل أن الحكومتين معا ترأّسهما حزبان خَبِرا المعارضة ولم يسبق لهما المشاركة في الحكم، عدا مشاركة بسيطة للاتحاد الاشتراكي، ولديهما ماضٍ زاخر بموجات الصراع مع السلطة، مع أفضلية في هذا المجال لصالح حزب الاتحاد الاشتراكي. كما أن الحكومتين جاءتا في ظل ظرفية صعبة كان المغرب يمر منها. فالسيد عبد الرحمان اليوسفي الذي ترأس حكومة التناوب تمّت المناداة عليه بعد اقتراب الدولة المغربية ممّا وُصّف آنذاك بـ “السكتة القلبية”، في محاولة من القصر لنقل الحكم من الملك الراحل الحسن الثاني إلى خلفه محمد السادس في أجواء يطبعها التوافق.

أما السيد بن كيران فقد جاءت الحكومة التي يرأسها في ظل أجواء “الربيع الديمقراطي”، حيث انمَحَتِ العديد من الخطوط الحمراء التي كان يرسمها القصر لإخوان ابن كيران، في محاولة من المؤسسة الملكية لتمرير الحِراك المجتمعي بأقل الخسائر، فكان التعويل على حزب العدالة والتنمية للقيام بهذه المهمة، مادام هو الحزب الوحيد تقريبا الذي يقبل بقواعد اللعبة السياسية وفي نفس الوقت لم يسبق له المشاركة في السلطة التنفيذية. وهو ما أتاح الفرصة لحزب العدالة والتنمية كي يترأس أول حكومة في تاريخه.

ثانيا: من حيث نقاط الاختلاف، نسجل أن الحزبين اللذين ترأسا الحكومتين، ينتميان إلى مدرستين أيديولوجيتين مختلفتين (الاشتراكية، والإسلامية). كما أن حزب الاتحاد الاشتراكي كان قد راكم عقودا طويلة من المعارضة والصراع مع القصر، فضلا عن تأسيسه لقاعدة شعبية عريضة تشكلت أساسا من النقابات والجمعيات المدنية والطلاّب. أما حزب العدالة والتنمية فلم تكن له نفس المدّة في المعارضة ولم تكن مواقفه حيّال القصر هي نفسها التي كانت للإتحاد الاشتراكي. يُضاف إلى ذلك أن عدد المنتسبين لحزب العدالة والتنمية وأذرعه النقابية والمدنية تأتي في مرتبة متدنية مقارنة مع حزب الاتحاد الاشتراكي قبل سنة 1997، وهي السنة التي ترأس فيها حكومة التناوب.

عنصر الافتراق الثاني بين التجربتين يكمن في أن الأولى استفادت من الرياح الاشتراكية التي عرفها العالم وقتئذٍ، بينما حاول حزب العدالة والتنمية الاستفادة من وصول بعض حركات الاسلام السياسي للحكم رغم بعض التعثّرات. وإذا ما أردنا استشراف المستقبل فإنه يمكن القول بأن للتجربتين عناصرَ تشابهٍ وعناصرَ اختلاف، وهو ما يُساعد على القول بأن هناك أيضا إمكانية لكي يكون مآل تجربة ابن كيران هو نفس مآل تجربة اليوسفي، لأن كليهما تم استدعاؤه أو صرف النظر عنه لضرورات ظرفية.

وهو ما يعني أن نفس الظروف التي أنتجت التجربتين قد تساهم في الحدّ من صمودهما، وهنا نستحضر بيان حزب الاتحاد الاشتراكي عقب الانتخابات التي أوصلت ادريس جطو لرئاسة الحكومة، حيث تمّ وصف ذلك بأنه انقلابٌ على المنهجية الديمقراطية.

لكن وفي المقابل هناك أيضا إمكانية لكي لا يكون هناك نفس المآل للتجربة الحالية، على اعتبار أن هناك أولا سابقة يمكن الاستفادة منها واستخلاص الدروس. ويوجد ثانيا، اختلاف أيديولوجي بين حزبي الوردة والمصباح قد يكون في صالح التجربة الحالية نظرا لتركيزها على البعد الأخلاقي، وبعض السياسات التي قد تلقى تجاوبا من قِبل المجتمع المغربي الذي ينحو نحو المحافظة.

أما السبب الثالث الذي يمكن أن يُجنّب الحكومة الحالية مآل سابقتها فهو أن هناك المزيد من الوقت لكي يقوم حزب العدالة والتنمية بتقييم المدة التي قضاها في الحكومة من أجل تقويم واختيار التّموْقع المناسب قبل فوات الأوان، سيما وأن أجواء الربيع الديمقراطي لازالت قائمة في أكثر من مكان. لكن من الناحية العملية يبدو بأن الحكومة الحالية سائرة في نفس النهج الذي سارت عليه حكومة ما سمي بـ “التناوب”، ما دامت البنية القانونية للدولة هي نفسها، بصرف النظر عن تقدم الوثيقة الدستورية الحالية مقارنة بدستور 1996، فإن القوانين التنظيمية المصادق عليها حتى الآن من شأن أن تفرغ الدستور المعدل سنة 2011 من محتوياته الإيجابية (القانون المنظم لصلاحيات الملك ورئيس الحكومة خير مثلا على ذلك)، وما دامت الحكومة الحالية لم تُنتخَب بطريقة طبيعية في إطار نوع من التعايش السياسي بين الإسلاميين والقصر، وإنما جاءت فقط من أجل تمرير “الربيع الديمقراطي” الذي سادت رياحه المنطقة، كما كان شأن حكومة اليوسفي التي جاءت أيضا في ظل ظروف محلية ودولية ساعدت على استدعاء القصر لرفاق اليوسفي من أجل المشاركة في الحكم.
فالحكومات التي لم تأت بطريقة غير طبيعية ولم تتشكل وفق توازنات ذاتية، يكون مآلها معروف مسبقا، سيما في ظل وجود فاعل مهيمن يمتلك كل مقومات السيادة والحكم من قَبيل المشروعية التاريخية، والشرعية القانونية، وممارسة عميقة داخل المجتمع، واستفادة قصوى مما تتيحه الأدوات الأيديولوجية للدولة: الإعلام، المدرسة، المؤسسة الدينية (يُرجى العودة أيضا إلى مقالنا المعنوَن بـ “أجواء غائمة في دائرة الحكم بالمغرب”).