وجهة نظر

المرتضى ليس إرهابيا

يعتبر حادث اعتقال الناشط المرتضى اعمراشن ومحاكمته بقانون الإرهاب واحدا من أغرب المحاكمات ربما في تاريخ المحاكمات السياسية المغربية، فقد جرت العادة أن تلفيق التهم الذي طبع هذا النوع من المحاكمات عبر التاريخ المغربي الحديث يجعل من الشخص مشتبها به مدانا في ما يكون قريبا في حس السامع من التصديق، وهو سبب كاف لاعتقال شخص وإغراقه حبسا وتعذيبا. لكن محاكمة المرتضى بقانون الإرهاب صراحة ستبقى وشم عار في تاريخ القضاء لما عرف به الرجل وبشهادة الجميع من مرونة واجتهاد يجعل من المرتضى أكثر انفتاحا من وزير الأوقاف.

لا يتعلق الأمر برجل أجبرته السلطة تعذيبا على أن يكون كما تريد تقية أو خوفا، مثل ما يقع مع كثير من معتقلي السلفية عادة، ولكن الرجل بذل من الجهد والبحث ما أهله ليصل إلى ما هو عليه اليوم في حالة فريدة، جعلت المرتضى صاحب المظهر السلفي والوجه البشوش واحدا من أكثر المتدينين جدلا، لقد أعطانا أنموذجا لمتدين علماني أصدق من العلمانيين أنفسهم. لقد استطاع أن يخرق قاعدة أن صاحب المظهر السلفي ليس بالضرورة شخص متزمت ولو بمقدار.

في أحداث الريف كان المرتضى من على صفحته واحدا من منابر الحراك ومرجعا تعود إليه لمعرفة ما يحصل، يكتب ويعبر بكل صدق داخل السرب وخارجه، حتى إن شجاعته ومرونته الزائدة تسببت له في انزلاقات واتهامات من طرف حراس المعبد الذين كالوا له التهم، لكن هذا لم يثنيه عن مواصلة طريقه واحدا من أبناء الريف والذي لا يعبر بالضرورة عن السائد تماما كما منهجه الديني.

كان المرتضى يعلم أنه سيعتقل، بل إني أنا شخصيا كنت أتحسس ذلك في كلامه وكأنه يريد أن يلقي عنه ما اتهمه به بعض النشطاء المتنطعين هناك. كان يعلم أنه سيعتقل لكنه لم يخطر في خلده أنه سيعتقل بتهمة الإرهاب التي حاربها لسنوات، نعم لا أحد دار في خلده ذلك، فقد كنا جميعا نظن أن اعتقال المرتضى الذي عبر عن مواقف معتبرة واستجاب معها لنداء الحوار كفاعل جمعوي في المنطقة لم نكن نظن أنه سيعتقل ويحاكم بتهمة هو بريء منها بشهادة من يعرفونه من قريب أو بعيد. كنا نحسب أن محاكمته لن تختلف عن تهم أبناء الريف، تهم تتوزع بين التجمهر والصراخ دفاعا عن حرية وكرامة الإنسان.

لقد كنتُ مختلفا مع المرتضى إلى حد ما، وكنت كتبت تدوينتين سخرت فيهما من تقلباته، بل إنه حتى اعتقاله إلى جانب أبناء الريف لم يكن ليطرح عندي ما يدعو للقلق مادامت رمزية الاعتقال فوق أي اعتبار، لكن اعتقال شخص بذل من الجهد ما بذل هو ضرب لي أنا شخصيا وآلمني كثيرا، بل إنه ضرب لكل شاب اختار طريق المراجعة. فالحقيق أنه ليس المرتضى من اعتقل ولكنه اعتقال العقل والتسامح من طريق الدين والإيمان.

إن الخلاصة التي نخرج بها هي أن الأنظمة الفاسدة مثل النظام عندنا، تستطيع أن تزن الاعتدال بمدى موقف الشخص من النظام الحاكم وليس بموقف الشخص ونظرته من العالم. ففي حالة المغرب عندنا آلاف المتطرفين الذين يكفرون العالم جهارا مرارا بل ويهددون الأمن والسلم العام، لا يلقي لهم النظام بالا مادام موقفهم من النظام وحاشيته موقف معتدلا، بينما في حالة المرتضى فميزان الاعتدال مقلوب، ويساق الرجل المنفتح ليحاكم بقانون الإرهاب فقط لأنه طالب بحقه في الشغل والكرامة والعيش الكريم بمظهر سلفي في حالة فاردة …

أطلقوا سراح المرتضى.