منتدى العمق

بين ألم الواقع…وأمل التغيير

لا يزال أمل التغييرحيا في نفوس الخيرين الصالحين رغم ما نشهده من ألم في واقعنا المرير، ولا يزال شغف الإنسان في تحقيق هذا التغيير مسألة يقينية،باعتبار أن التغيير أمر فطري في  الحياة الدنيا، لذلك أردت من مقالي هذا تسليط الضوء على أربعةأركانأساسيةإذا ما تحددت أدوارها وفهمت وظائفها و تفعلت بالشكل الذي جاءت من أجله، وكما ينبغي، ساد المجتمع بخير و إذا ما تراجعت و تخلت كل منها عن دورها، حينئذ يكون أمر التغيير ضرورة كما هو الحال الآن، و تتمثل هذه الأركانالأربعة في؛الأسرة و المدرسة و المجتمع ثم الفرد، باعتبارهم جذور تتفرع منهم تكوينة الإنسان على المستوى؛ النفسي و الجسدي و العقلي و العقائدي و الثقافي و الفني الجمالي و السلوكي و الأخلاقي،الشيء الذي ينعكس على ميولاته و نمط عيشه و أسلوب حياته و طريقة تفكيره وكذا كيفية نظرته للأشياء وفهمها  انطلاقا من تصوراته الناتجة عن ذلك ،و يأتي تفصيل كل مؤسسة اجتماعية على حدة بتحديد دورها ووظيفتها؛

وأولهاالأسرة؛ حيت تعتبر الوسط الأول التي ينشأ فيه الإنسان منذ ولادته في حضن أبويه، و يتعلم تدريجيا الأمور الحياتية عن طريق التقليد و المحاكاة و التلقين و التوجيه و التقويم،  و أيضا عن طريق طرحه للأسئلة نتيجة شغفه في معرفة حقيقة الأشياء وكيفيتها،  تقوم الأسرةأيضا بالتحمل على عاتقها تأديب الطفل و تكوينه و إكسابه سلوكيات و قيم و مبادئ،  و كذا توجيهه انطلاقا من العادات و التقاليد الناظمة لسلوك المجتمع،فأي نظام يجري في هذه المؤسسة (الأسرة)بقصد أو بغير قصد يساهم في إصباغ معارف الإنسانأثناء مرحلة تكوين شخصيته و تنمية مهاراته.

وتأتي المدرسة، لتكمل ما بدأتهالأسرة في التربية و التوجيه و التعليم لتعطي هي الأخرى ما يحتاجه الإنسان من تعلم طرق التفكير العلمي و طرق كسب العادات السليمة،  كما تساهم المدرسة في توفير بيئة تربوية تعتمد التبسيط في إيصال المعلومات والخبرات، أيضا من مهامها الأساسية اكتشاف مواهب متمدرسيها و الاستفادة من قدراتهم و دعمهم في تنمية شخصيتهم و تحقيق الترابط و التجانس بينهم.

ويأتي دور المجتمع في المساهمة في تنشئة الأفراد عبر مؤسساته الاجتماعية المتنوعة، التي تأخذ دور تنظيم العلاقات بين أفراده و تحقيق انسجامهم و كذا تربية الإنسانو تكييفه مع مجتمعه و تنمية وعيه الإيجابي مثل؛ الأندية و الجمعيات بما تشمل من الأنشطة المتنوعة والتي تقدم إمكاناتراقية،حيت تساهم في تكوين علاقات اجتماعيةعديدة و ربط أواصرالأخوة بينهم،  كذلك المكتبات التي يتمركز دورها في توفير عدد من الخدمات الإعلامية و التعليمية و التثقيفية و التوعوية اللازمة لأفراد المجتمع، كما أحببتأنأشيرأيضاإلى وظيفة المساجد؛التي تعد من أبرز المؤسسات الاجتماعية و التربوية أهمية فلم يقتصر دورها فقط على أداء العبادات من فرائض و سنن و نوافل بل ارتقى إلى التعليم و تخريج كفاءات من الخلفاء و العلماء و الدعاة و الفقهاء و مراكز للقضاء و الفتوى.

ويأتي دور الفرد الذي يعتبر أساسا لقاعدة التغيير، يقول جل الله تبارك و تعالى في سورة الرعد: (إن الله لا يغير مابقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)إن تغيير ما بالأنفس من أفكارو مفاهيم و اتجاهات و معتقدات…أمر موكول للبشر بقدر الله وهذا ما تؤكده الآية الكريمة، و في هذا السياق يقول الدكتورعلي مدكور: “إن التغيير الاجتماعي إنمايبدأ من الداخل؛أي من النفوس وذلك بتغيير الأنماط العقائدية و المعيارية و القيمية و الفكرية للإنسان،فإذا ما تغير ذلك فانه ينعكس على السلوك الخارجي للفرد و المجتمع على السواء، فكانت حكمة الله تبارك و تعالى مسألة تغيير المجتمع راجعة إلىمافيأنفسأفراده”.

لذلك كان لزاما التفكير في سبل التغيير عندما تخلت هذه الأركان عن أدوارها المهمة و الأساسية،حيت إنالأسرةأهملت العناية بتربية أبناءها وزرع القيم و المبادئ فيهم وانشغلت بتوفير المأكل و المشرب و الملبس فقط ، و أهملت المدرسة دورها في  التوجيه و الإرشاد و التكوين المعرفي، و باءت مؤسسات المجتمع بالتراجع في تفعيل مهامها وتنزيلها، وهذا نتج عنه تزايد امتداد التيار المعاكس؛ فحصدنا أزمة الهوية  والانطواء و العدوانية و التمرد و الانحراف،أيضا ازدواج الشعور الديني وعدم أداء الواجبات الدينية، ما ينتج عن ذلك من قلق دائم وصراع داخلي،إنها مجرد أمواج من بحرمعانات قد اشتد بلاؤها على شبابنا اليوم.لكن السؤال الذي يطرح نفسه و بقوة أمام كل هذا هل سنجلس مكتوفي الأيدي نتفرج و نصفق من بعيد و الأوضاع تزداد سوء يوما بعد يوم؟

انطلاقا مما سبق؛ يمكنني القول بأن المواقع المركزية التي تؤثر في تحول مجرى الواقع و تغير أحداثه و تحسينأوضاعهأو تدميرها يقوم أساسا على الأسرة و المدرسة و الفرد ذاته ثم المجتمع، وعلينا إذا تقع مسؤولية الاختيار بين الطريقين.

ثم إن سبيل التغيير الإيجابي وآلياته تفعل و تنزل عبر هاته القنوات الأربعةبالأساس، و اعلم أنمبادرة التغيير تبدأ مني و منك ثم منهم إلىالأسرة فالمجتمع فالأمة، لذلك بادروكن أنت التغيير الذي تريد فأنتالأمل لرفع هذا الألم.