أخبار الساعة، أدب وفنون

كلية الآداب ببني ملال تحتضن ملتقى العلوم الانسانية

ذ. ياسين اغلالو

 باحث مغربي وعضو مركز أفكار للدراسات والأبحاث

احتضنت كلية الاداب والعلوم الانسانية بني ملال – جامعة السلطان مولاي اسماعيل على مدى ثلاثة أيام 22-23-24 شتنبر 2017، ملتقى تكوينيا بعنوان: “العلوم الانسانية ودورها في تطوير مدركات طلبة العلوم الاسلامية”. الذي نظمه مركز افكار للدراسات والأبحاث، بشراكة مع مركز دراسات المعرفة والحضارة، ومختبر المقاصد والحوار للدراسات والأبحاث  وبدعم من مؤسسة هانس سايدل الألمانية.

وعرف اليوم الأول ثلاث مداخلات سبقتها كلمات افتتاحية للجهات المنظمة، حيث تناول سعيد شبار أستاذ التعليم العالي بالجامعة المذكورة ورئيس مركز دراسات المعرفة والحضارة مداخلة بعنوان: “مشكلات في بنيات العلوم الاسلامية والحاجة الى استئناف التجديد.”  مؤكدا على البنية المفتوحة للنص القرآني، الأمر الذي يسمح بتطوير منهجي لمختلف العلوم الإنسانية والشرعية، وفق رؤية قرآنية متكاملة تؤطر حاجيات الإنسان الروحية والعقلية، وبذلك ينتقل القرآن في السياق المعرفي الاسلامي من مستوى الشواهد إلى مستوى الشاهد.

وهذا لن يتم، حسب المتحدث ذاته، إلا باستثمار مناهج العلوم الانسانية وفتح باب الاجتهاد والتجديد وفقا لمتطلبات الواقع العملي والمشاكل المستجدة، وتخطي التصنيف الضيق للعلوم ذات النظرة الأحادية والانتقال بها إلى مستوى التكامل، ثم تجاوز التعامل المجزأ مع النص وتلك المحاولات التي تعمل على إغلاق بنيته المفتوحة أمام الاجتهاد والتجديد.

أما المداخلة الثانية فقد كانت لأستاذ أصول الفقه ومقاصد الشريعة بنفس الكلية ومدير مختبر المقاصد والحوار والدراسات والأبحاث عبد الرحمان العضراوي بعنوان: “اشكالية التجديد في بناء رؤية معرفية نقدية للعلوم.” حيث ركز  في مداخلته على كون التجديد ينبغي أن يكون مشروعا حضاريا لتجاوز ما أسماه “النماذج التقليدية والظاهرية”، التي تٌغلِّبُ حسب قوله المنهج الإحيائي على المنهج الإبداعي . مؤكدا على ضرورة الانفتاح على مناهج فلسفة العلوم التي بإمكانها اليوم أن تساعدنا على التدشين لمشروع التجديد، بعدما قدم توصيفا للأزمة التي تعرفها العلوم الانسانية في العالم الاوربي.

هذه الازمة، حسب ذات المتحدث، التي تجلت بشكل واضح في استمدادها من التصورات المختلفة ومنها الوضعية لأوغست كونت، و التصور المثالي لدلتاي. إننا نجد الباحث قد قدم قراءة نقدية للعلاقة التي ربطت العلوم الانسانية بالعلوم الاسلامية، ودعوته الى ربط العلاقة بمناهج فلسفة العلوم والانفتاح عليها.

وعرفت الفترة المسائية مداخلة للدكتور محمد الناصري الباحث في الفكر الاسلامي بنفس الجامعة، جاءت في صيغة دعوة لمراجعة المفاهيم الاساسية التي تشكل أساس الفكر الاسلامي، بغية تجاوز المشكلات التي تنجم عن التضارب الحاصل في دلالتها.

وقد عرض الباحث لثلاثة نماذج تطبيقية هي على التوالي: النسخ، والحاكمية، والتقسيم الفقهي للمعمورة. حيث اعتبر الباحث أن الأخذ بالمعنى القطعي لهذه المفاهيم من داخل النص القرآني قد يشرعن لثقافة متطرفة تجيز القتل على الصفح والتسامح، وتقسم العالم الى دارين واحدة للإسلام وأخرى للحرب والكفر.

وبالتالي فالأستاذ الناصري ينخرط كذلك في تجديد النظر ويدشن رؤية مغايرة في التعامل مع المفاهيم المؤسسة للفكر الاسلامي بالشكل الذي يجعل منها مفاهيم تؤسس للسلم والتسامح والتعايش بدل التأسيس للقتل والتطرف.

الملتقى في يومه الثاني عرف مشاركة الدكتور عبد الجليل هنوش أستاذ التعليم العالي وعميد سابق بكلية الاداب والعلوم الانسانية القاضي عياض بمراكش والذي ألقى مداخلة تحت عنوان: “النص بين التشكل التداولي والتشكيل البياني”، محاولا تتبع بنية النص وتشكل الخطاب، وطريقة التعامل مع النصوص بشكل يراعي دلالة المصطلحات ومستويات البيان. ثم ضرورة مراعاة السياق التداولي أو ما سماه بالتشكل التداولي للنص.

كما عرف هذا اليوم مشاركة الدكتور عبد العالي المتقي الاستاذ بجامعة ابن زهر والباحث في الفكر الاسلامي، والذي إختار لمداخلته عنوان:”الصناعة الفقهية والعلوم الاجتماعية: موجبات الاستمداد ومجالات الاستثمار”. أكد  الباحث خلالها على ضرورة الانفتاح على العلوم الاجتماعية التي تساعد الصناعة الفقهية في تشخيص الواقع، معتبرا  أن معرفة هذه العلوم اليوم شرط من شروط الاجتهاد. خصوصا مع بروز العديد من القضايا التي يعجز الفقيه بآلياته التقليدية وحدها أن يبت فيها. بمعنى أن فقه الواقع يقتضي تضافر جهود وتدخل أطراف من مجالات معرفية مختلفة، حتى يتوفر الفقيه على المعارف الكافية للاجتهاد والقول الفقهي.

أما الفترة المسائية فقد عرفت مشاركة الاستاذ الدكتور عادل حدجامي أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بمداخلة تحت عنوان:”تداخل العلوم: عن ابستمولوجيا التعدد المعرفي”. تناول ما أسماه بفلسفة العلوم الانسانية والشروط العامة لنشأة العلوم الانسانية، مؤكدا على ضرورة تجاوز التصنيف الضيق الذي نقول عنه تخصصات أدبية وتخصصات علمية بل اعتبر ان العلم واحد، ففي العلوم آداب وفي الآداب علوم. خصوصا أن المرحلة المعاصرة شكلت بروز توجهات معقدة لا تعترف بالتخصصات الضيقة، أو ما سماه إدغار موران وفق قول الباحث بإبستومولوجيا التعقد والتعدد.

أما المداخلة الثانية فكانت من تأطير الاستاذ رشيد أوراز الباحث الاقتصادي ومنسق الانشطة في المركز العلمي العربي للأبحاث والدراسات الانسانية بالرباط بعنوان: “لماذا يجب علينا أن ندرس الاقتصاد”. عمل من خلالها على تقديم قراءة سريعة لأهم المحطات والأسماء التي رسمت معالم الاقتصاد السياسي من دافيد ريكاردو مرورا بأدام سميث وكارل ماركس وعلاقة هذا الاخير بالاقتصاديين الكلاسكيين، وصولا عند جون ماينارد كينز أو ما يعرف بـ”الكينزية” وباقي الاسماء والتوجهات المعاصرة الاقتصادية التي باتت تنهل وتنفتح وتتطرق لمجالات جديدة وفق آليات تحليل معاصرة.

كما استضاف الملتقى في يومه الثالث محمد الناجي الكاتب المغربي الذي ألقى مداخلة بعنوان: “من أجل إعادة قراءة الوقائع الاسلامية بين المقدس والمدنس” عمل الباحث من خلالها على عرض تجربته الشخصية مع البحث العلمي وعلاقته بعالم الاجتماع بول باسكون، وكيف انتقل من الاقتصاد إلى علم الاجتماع وتاريخ الحضارة الاسلامية. محاولا طرح الاشكاليات التي تواجه الباحث في التاريخ والتراث الاسلامي، بحيث الاجتهاد في نظره وتقديم قراءة جديدة لتراثنا يحتم على طالب الدراسات الاسلامية الانفتاح على مجالات معرفية مختلفة من علوم: “السوسيولوجيا، والانتروبولوجيا، وأدبية…” لدراسة الاحداث والوقائع والتعامل مع النص التراثي في بعده التاريخي وسياقه الدلالي والتداولي.

تجدر الاشارة إلى أن الملتقى التكويني عرف مشاركة مجموعة من الطلبة الباحثين بسلكي الماستر والدكتورة من جامعات مغربية مختلفة ومن تخصصات متعددة، بحيث جلس طالب الدراسات الاسلامية إلى جانب طالب السوسيولوجيا والاقتصاد والفلسفة…، وتداولوا النقاش والآراء بينهم في جو من التفاعل والحوار الجاد بهدف تطوير آليات الاشتغال والتعامل مع النصوص والوقائع المستجدة على أمتنا، في محاولة لتطوير الرؤية التكاملية للتعامل مع المعرفة والواقع الانساني وفق منهجية مترابطة، تستحضر مختلف المعارف والفلسفات والاستفادة من عموم نتاج المعرفة الانسانية في مختلف المجالات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *