وجهة نظر

على هامش المؤتمر الثامن للبيجيدي.. في ضرورة استعادة اللياقة الحزبية

اختتم المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية، وانتخب د.العثماني لقيادة الحزب خلفا لـ ذ.بنكيران بعد ثمان أشهر من أزمة حزبية عاصفة وخلافات حادة بين أبناء الحزب وقادته.

انعقد المؤتمر في ظل مناخ سياسي متقلب محفوف بالمخاطر ويعج بالمفارقات، بين عودة منطق السلطوية للتلبس بسلوك الدولة الرسمي وهشاشة البنية الحزبية من جهة، وعودة الشارع للتعبير عن المقاومة وعدم الرضى وخيبة الأمل (الحسيمة، زاكورة …) تجاه عرض سياسي بدا مشجعا منذ التاسع من مارس 2011 من جهة أخرى. وفي ظل توتر كبير على المستوى الدولي والإقليمي الذي ينذر بنوع من عدم الاستقرار على المدى القريب والمتوسط.

مر مؤتمر “البيجيدي” مفعما بالدروس والعبر – التي سيتوقف عندها كثيرون- لكن لا أحد يستطيع أن ينكر أن هذا الحزب يؤكد اليوم أنه مدرسة سياسية نموذجية في تكريس الديمقراطية بشكل لا مثيل له في الحياة الحزبية المغربية. وهو ما عكسته أجواء المؤتمر بغض النظر عن تفاصيل مخرجاته.

في اليوم الموالي لهذا الحدث السياسي طرح عدد من أبناء الحزب سؤال ما العمل؟، وطالب بعض منهم بالحاجة لاستعادة المبادرة ،وإعداد إجابة جماعية وأطروحة سياسية يستعيد معها الحزب المبادرة الإصلاحية، وخاصة أنه يشكل القوة الحزبية الأولى في البلاد ويقف وراءه ما يقارب مليوني ناخب وناخبة، يأملون في حكومة د.العثماني مواصلة إصلاحات حكومة ذ.بنكيران وتعميقها وتوزيع ثمارها بالعدل بين الجهات والفئات.

لكن قبل افتتاح هذا الورش وقبل مواجهة هذه الأسئلة بما يليق من مسؤولية وكفاحية وروح تجديدية مبدعة وخلاقة، لابد من توفر اللياقة الحزبية في أفق استعادة المبادرة . فاللياقة شرط أساسي لاستعادة المبادرة، ذلك أن الأزمة الأخيرة كانت منهكة للحزب، وخلفت جراحا بنيوية عميقة إذا لم يتم التصدي لها بالمسؤولية الكافية والوعي المتبصر فإن عواقب ذلك قد تكون وخيمة إذ لم نقول أنها بداية الفناء.

وفي تقديري أن استعادة هذه اللياقة تمر عبر ثلاث مستويات، قيمية، سياسية، تنظيمية.

أولا- استعادة منظومة القيم:

يقدم حزب العدالة والتنمية نفسه حزبا يمتح من المرجعية الإسلامية، ويسعى ضمن مساعيه إلى تخليق العمل السياسي، ويعلي من شأن الاخلاق السياسية في الخطاب والممارسة ويرفع شعارات المصداقية والنزاهة والشفافية … غير أن المحنة الحالية التي يجتازها الحزب جعلته يفرط في منظومته القيمية والأخلاقية، ويتساهل مع مختلف الاختلالات وهي في العمق دليل فشل في إدارة الأزمة بالتي هي أحسن.  مما جعل الخسائر فادحة في هذا المستوى والذي تم بناؤه طيلة عقود من العمل سواء داخل الوعاء الحركي أو الحزبي، وتجلى ذلك في أمثلة مختلفة من أهمها : انتهاك حرمة اللقاءات الداخلية ، انتشار السب والشتم والتخوين، حديث عن الكولسة في المؤتمرات الانتدابية والمؤتمر الوطني، الحرص على المسؤوليات في الانتدابات الانتخابية أو الحزبية …. إلخ.

ومع الاخذ بعين الاعتبار أن معالجة هذه الجراح تحتاج لوقت طويل – المسألة ثقافية وليست تنظيمية فقط- فإن الحاجة ماسة لوقف هذا النزيف الخطير الذي يتهدد جوهر حزب العدالة والتنمية وينخر منظومته القيمية، وذلك عبر مقاربة تربوية عاجلة تعيد الدفئ للجسد الحزبي، وتجري مصالحة حقيقية ورأب الصدع في البنيان الحزبي وتستدرك الأخطاء بما فيها مخرجات المؤتمر الثامن. مصداقا لقوله تعالى “واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا”.

ثانيا- استعادة الخط السياسي:

شكل حزب العدالة والتنمية أملا كبيرا لفئات عريضة من المجتمع المغربي الذي أمن بالخيار الثالث الذي يحرر المغرب من الفساد والاستبداد مع الحفاظ على الاستقرار، وتمثل ذلك في التزكية الشعبية للعرض السياسي الذي قدمه الحزب عبر ثلاث استحقاقات انتخابية ( 2011-2015-2016)، غير أن تلبس الدولة بلباس السلطوية وإفشال مهمة ذ.بنكيران في تشكيل الحكومة وطريقة إخراج حكومة د.العثماني واستيراد الأزمة السياسية للبيت الداخلي للحزب مع ما تبعه من سوء إدارة الأزمة من طرف قيادة الحزب وطغيان التراشق على حسب النقاش السياسي … كل ذلك أدى إلى اهتزاز صورة الحزب لدى الرأي العام وبالتبع نتج عنه ضبابية في الخط السياسي للعدالة والتنمية.

إن استعادة الحزب للياقته السياسية رهين باستعادته لخطه السياسي الإصلاحي بالوضوح الكافي والملاءمة الضرورية مع السياق الحالي، وما يستصحب ذلك من إعادة النظر في التواصل السياسي للحزب وتوضيح علاقاته مع الدولة وداخل الحكومة ومع المعارضة ومع الرأي العام. وإذا كان هذا الخط السياسي بحاجة الى التجديد والتدقيق والتعميق من خلال أطروحة سياسية جديدة واضحة المعالم، تشكل أرضية للقاء وطني ووفاق تاريخي لتحقيق انتقال ديمقراطي كفيل بحماية المغرب وتجنيبه مطبات عدم الاستقرار مع ما يستلزم ذلك من إنجاز تعاقد سياسي جديد تفاعلا مع ما يجري في بلادنا من حراك اجتماعي-سياسي.

في انتظار ذلك فإن من المهام العاجلة تدشين حملة تواصلية للحزب لتوضيح الخط السياسي وإزالة مع علق به من شوائب، ومن شأن ذلك ان يساهم في ترميم الثقة المهتزة للداخل الحزبي ولعموم المواطنين والفاعلين ، وذلك عبر خطاب سياسي يذكر بمنهج الحزب في الإصلاح السياسي واشتراطاته الأساسية لمواصلة تعاقداته تجاه المواطنين وتجاه مختلف المؤسسات الوطنية.

ثالثا- استعادة المؤسساتية:

يعتبر المؤتمر الوطني محطة  أساسية لتجديد المؤسسات وتجديد المشروعيات المنهكة، وخاصة بعدما عرفته مؤسسات الحزب من تعطيل وارتباك في المرحلة الأخيرة بسبب الاختلاف الحاد بين قادة الحزب. وقد وصلت خطورة ذلك إلى احتدام الخلاف بين مؤسسات الحزب واللجوء لهياة التحكيم لحسم الخلاف بعدما عجزت مؤسسات الحزب عن استيعاب ذلك.

لذلك لا يمكن استعادة العافية الحزبية دون فعالية مؤسساتية  للأداة السياسية بجرعة تخليق كافية مبنية على الحرية والمسؤولية، ووسع في استيعاب وجهات النظر المختلفة مع ضرورة احترام قراراتها وتفعيلها، وحماية حرمتها من أي تأثير خارجي لما لذلك من علاقة  باستقلالية القرار الحزبي.

إن قوة العدالة والتنمية وقوة أدائها السياسي نابعة من قوته التنظيمية والمؤسساتية – بعد قوة المرجعية وصلابة المنهج- لذلك فاستعادة اللياقة الحزبية لا يمكن تحققها دون استعادة المؤسساتية في عمل الحزب، انطلاقا من تجديد الهياكل الجهوية والمحلية ومرورا بتفعيل الأدوار الدستورية للحزب -التكوين والتنشئة السياسية للمواطنين والمواطنات والتمثيل الانتخابي- وانتهاء بتفعيل قيم العمل المؤسساتي على امتداد الحياة الحزبية.

إن هذه المهام المستعجلة في تقديري هي ذات أولوية،  في أفق إستعادة الأمل لفئات واسعة في المجتمع المغربي. ورغم اصطباغها بالاستعجالية، يمكن القول أنها مفاتيح أساسية لتدشين دورة جديدة في المسار الحزبي والإصلاحي الوطني لتجربة ما يزال لها مقومات النجاح والتألق ولتصير نموذجا مشرقا للأحزاب الوطنية وفي محيطنا الإقليمي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ 6 سنوات

    مقال موفق، شكرا أستاذ