أدب وفنون، حوارات

مرتضى عمران.. فنان شاب يسير على خطى جده لإحياء وتطوير التراث المغربي (حوار)

إسمه آية الله عمران، لكنه يعرف بإسم فني اختاره له مقربوه ويحبون مناداته به، إسم ينبع من التراث الصوفي، تماما كما هو الشأن بالنسبة إلى لونه الغنائي الذي يمزج بين الموسيقى الأندلسية والحضرة الصوفية، محاولا بذلك سلك نفس المسار الذي خطَّه جده الراحل في سماء الأغنية التراثية المغربية، إنه مرتضى آية الله عمران، حفيد الفنان المغربي العالمي الراحل عبد الصادق اشقارة.

يرى مرتضى عمران أنه لا يُغني من أجل الغناء فقط خاصة وأن له أعماله الخاصة، بل كإبن أسرة فنية عريقة يغني من أجل رسائل وقيم نبيلة بدأت تضيع في ميدان الفن بسبب انزياح المقصد والغاية، ومن أجل الحفاظ على هذا الصرح الفني الشامخ، معتبرا أن الفن يجب أن يُبَلِّغ للمجتمع رسالة هادفة تحيي فيه الجمال والجلال، وتنبع من تراثه وهويته وتاريخه، وتزاوِج بين إبداع الروح الإنسانية وتناسق القواعد العلمية، عبر إنتاجٍ فنيٍّ بسيط في أسلوبه، عميق في معانيه، رفيع في ذوقه ومقصده.

جريدة “العمق” التقت مرتضى آية الله عمران بمدينته التي يعشقها روحًا وفنًا، تطوان، والتي يعتبرها تشكِّل عمق نمطه الفني كما هو الحال مع جده الراحل، لأنها تجسد تلاقح حضارات عظيمة بتاريخها وتراثها وفنها، لتمنحه حوضا تراثيا يروي فيه عطشه الفني من موسيقى أندلسية وحضرة صوفية وأغاني جبلية شمالية أصيلة.

في هذا الحوار الذي أجرته معه “العمق”، يكشف عمران أسباب تألق عبد الصادق اشقارة في عالم الفن التراثي الأندلسي، ودوافع سلكه مسارا، لا نقول مطابقا، لكنه مشابها لجده في حس الاختيار المدروس بالروح والعقل معا، وأهم ما يميز هذا اللون الفني من مقاصد ومعاني روحية وموسيقية، ويبرز موقفه بخصوص الأنماط الغنائية المطروحة في الساحة الفنية، كما يعلق على اختيار فنانين عالمين للتراث المغربي مقابل “عدم اهتمامٍ” بهذا الفن الغنائي داخل وطنه المغرب.

وعبد الصادق اشقارة هو من رواد الفن بالمغرب الذي انتقل به إلى العالمية، حيث أبدع في كتابة وتلحين وتوزيع الموسيقى والأغاني الأندلسية الأصيلة التي كانت منحصرة في البيوتات التطوانية العريقة ولا تخرج للفضاء العام، إذ اشتهر بأدائه أغاني شعرية تراثية وغناء الموشحات الأندلسية والأغاني المغربية التقليدية والفلكلورية والمواويل والأناشيد والأمداح الصوفية، وهو عازف محترف على آلة الكمان التي اشتهر بها، ولد سنة 1931 بمدينة تطوان التي جعلها دوما قاعدة لإبداعه، وتوفي بها يوم 30 أكتوبر 1998.

وتبقى أبرز الأغاني التي تركها عبد الصادق شقارة: “الحبيبة وجرحتيني”، “بنت بلادي”، “يا حْبيبْ القلب”، “المولوعة”، “حبّك القمر بكمالو”، “أنا ديني دين الله”، “كلي في وجودك”، “لمّا بدا منك القبول”، “الزّين الواضح”، “الغْرام ماعندو ادْوَا”، “الشمعة”، “أمن ضامو الزمان”…

وفيما يلي نص الحوار الذي أجرته جريدة “العمق” مع الفنان مرتضى آية الله عمران:

بداية .. من هو آية الله عمران ؟

الاسم الفني هو مرتضى آية الله عمران، وأنا كما قدمتني حفيد الفنان المرحوم عبد الصادق اشقارة، وكما يحلو للجميع ممن يحضرون أعمالي اعتباري امتدادا لمسار جدي الذي كان رائد المدرسة الأندلسية والحضرة الصوفية والأغنية الشمالية، وذلك لما يرونه من تشابه في الصفات والمميزات الفنية والتقارب في الأداء إنشادا وعزفا على الكمان وأسلوبا واختيارا وقيادة للجوق وتنسيقا لبرامجه.

ففي كل مرة خاصة في السهرات، يتجمع حولنا الجمهور لإخبارنا أنهم يجدون حلاوة اشقارة في ما نقدمه، الشيء الذي كانوا قد افتقدوه برحيله، لكن بطبيعة الحال أنا لي توجهاتي واختياراتي وإن كانت في نفس الصنف العام تحت المظلة المغربية الأندلسية.

في البداية كنت أؤدي كل الأصناف ثم ركزت أكثر على التراثي الصوفي والأندلسي، كما أن أي أداء أقوم به يختلف عن سابقه لأن عملي لا يقتصر على تكرار ما سبق، ولكن لمن هو مولع يلحظ التوزيعات الجديدة أو التنسيقات المبتكرة، تقسيمات معينة، تغيير في النغمات إلى آخره، واشقارة نفسه باشتغاله على التراث لم يكن يكرر أحدا بل هو أضاف وأبدع مثلما أحيى وحافظ.

درست في المعاهد الموسيقية بالمغرب، ثم درست الموسيقى 5 سنوات بمدينة غرناطة الإسبانية، قبل أن أعود إلى المغرب لتأسيس جوق المرحوم عبد الصادق اشقارة كامتداد لمدرسته في الموسيقى الأندلسية والحضرة الصوفية، وأقوم بإخراج أعمال أخرى جديدة بإسمي ومنظوري وقناعاتي وليس بالجوق ككل.

كثير من المغاربة لا يعرفون من هو عبد الصادق اشقارة.. عرفنا أكثر عنه وعن لونه الغنائي؟

حظ عبد الصادق اشقارة أنه ازداد وتربى في عائلة فنية بامتياز، فوالده إضافة إلى أنه تجار، كان أستاذا في المعهد الموسيقي بتطوان، بينما والدته هي حفيدة الشيخ سيدي محمد الحراق مؤسس الزاوية الحراقية الغنية عن التعريف ولها امتداد بالمغرب ككل، وهو ما جعل جدي يصقل موهبته في البيت والزاوية، ثم في المعهد الموسيقي بتطوان، قبل أن يشتغل في الأجواق الكبرى للآلة الأندلسية.

واستغل جدي فترة الاستعمار حيث انفرد بموهبة الصوت التي منحها الله له وطريقته الفريدة في العزف على العود، ليقوم بإخراج الأغاني التراثية والموسيقى الخاصة التي كان يتم التغني بها داخل منازل العائلات التطوانية الراقية، إلى عموم الناس والجمهور، ما جعل الناس يحبونها ويقبلون عليها، فبعض الأغاني أعاد فيها التوزيع لتصل إلى أكثر عدد من الناس، بينما لحن أغاني أخرى وكتب كلماتها بنفسه مع اعتماد نفس القالب الذي كان يميز تلك الأغاني التطوانية الأندلسية العريقة.

فعبد الصادق اشقارة استمد روح أغانيه من القصائد التطوانية الخاصة والمميزة بتنوع الثقافات المشاركة فيها، ومزجها بالبعد الروحي من خلال الحضرة الصوفية، وهذا ما تجسده بوضوح أغنية “الحبيبة وجراحتيني”، والتي كتب كلماتها ولحنها بنفسه، مع إضافة نوعية وهو أنه استمد روح الأغنية من التراث الجبلي التطواني، باعتباره كان كثير التردد على منطقة الولي الصالح مولاي عبد السلام بن مشيش.

فالزوايا الصوفية في المغرب كان لها الفضل الكبير في الحفاظ على الموسيقى الأندلسية التي كادت تُفقَد في وقت من الأوقات لولا هذه الزوايا، حيث حافظت على المقامات عبر تلحين البردة والهمزية للإمام البصيري، والدواوين الشعرية للأشياخ الأولياء والصالحين، وغيرهم.

وهنا لابد من الإشارة إلى أن الراحل كان يبحث في التراث الفني المغربي بشكل معمق، وأبدع أغانيه عبر البحث وأخذ مقامات مختلفة وطرق متنوعة في الغناء واللحن والكلمات، مع تبسيطه وتقريبه إلى الشعب كله، حتى يفهمه الجميع، لأن أصل ذاك التراث لا يفهمه كل المغاربة.

لقد كان اشقارة ولا زال فنان كل الأجيال، وهنا ألفت الانتباه إلى أن أغاني جدي أصبحت تخرج مؤخرا باسم التراث المغربي وأسماء مغنيين آخرين دون ذكر اسمه، ولاداعي للقول أن هذا خرق سافر لحقوق الملكية قانونيا ومن باب الأدب أيضا.

خذ مثالا على ذلك، تم تجديد أغنية “الحبيبة وجراحتيني” لعبد الصادق اشقارة من طرف برنامج “استوديو كوكاكولا” على القناة الثانية، بإدخال آلات حديثة على الأغنية، وأسموها تراثا مغربيا دون نسبها له، فكيف سيعرف المغاربة أن هذا التراث يعود لاشقارة، وهي الأغنية التي افتتح بها مسرح محمد الخامس بالرباط بعد الاستقلال بحضور الملك شخصيا، وذلك موثق في أرشيفنا.

إذن أهم ما ميز اشقارة هو إعادة إحيائه للتراث المغربي الأندلسي الذي كان له طابع “شبه خصوصي”؟

نعم، هذه من أهم اللمسات التي قام بها المرحوم إلى جانب إبداعه في الحضرة الصوفية التي عممها بعدما كانت محصورة في الزوايا مثل “أنا مالي فياش”، وهي كلمات سيدي قدور العلمي المدفون في مكناس، فلم يكن أحد يعرف هذه الأغنية إلى أن جاء جدي ليكون أول من غناها، ولحنها الشهير يعود إلى اشقارة أيضا، مع أن هناك مقامات أخرى حسب كل زاوية، لذلك أصبح كبار المغنيين العالميين يؤدون هذه الأغنية بفضل جدي.

وبالتالي كان اشقارة أول من أخرج مقامات الحضرة الصوفية إلى الجمهور، وذلك لم يكن سهلا إطلاقا، حيث شكك كثيرون وقالوا له: “هل سيسمع الناس لهذا الشيء؟”، غير أننا نجد اليوم أن أبناء هؤلاء لا يمكنهم أن يحيوا مناسبة أو حفل زفاف أو مهرجانا داخل المغرب كما خارجه بدون أغاني اشقارة.

لكن كيف تبلورت لديه فكرة المزج بين الموسيقى الأندلسية والأمداح الصوفية؟

جاء ذلك لأنه ازداد وتربى في مدرسة الموسيقى الروحية لدى الزاويا، فالذي لم يمر من الزاوية الصوفية نجد أن كلمات أغانيه كما نقول بالدارجة “مسوسة” أي بلا طعم لا يمكنه سماعها بالروح، لأن الموسيقى الروحية لا يمكن أن تكون أكاديمية نظرا لكونها تخرج من الروح كإبداع روحاني إنساني، وكل روح تخرج لنا إبداعها، عكس الموسيقى الكلاسيكية التي تكون مبنية على قواعد وحساب.

والمتخرجون من الزوايا تكون لهم روح مغايرة عن المتخرجين من المعاهد الموسيقى مباشرة، لذلك يجب البدء من الزاويا أولا ثم اعتماد تكوين بالمعاهد، ما يخلق لنا موسيقى فيها روح مع توظيف القواعد الموسيقية فيها، والتراث الأندلسي لا يعتبر موسيقى روحية بل ضمن الفن المؤطر بقواعد، وهذا ما يميز عبد الصادق اشقارة التي مزج بين الأمرين.

نعود إلى مرتضى عمران، حدثنا عن السبب الذي جعلك تقتحم هذا المجال وتسير على خطى جدك؟

أنا مررت بنفس المدرسة الروحية لعبد الصادق اشقارة، فرغم أن عدة مشاريع طُرحت أمامي، لكنني بقيت وفيا لهذه الموهبة التي تخلق مع الإنسان، لأنها موسيقى خاصة بنا وتطبع على هويتنا، وحين نسافر خارج المغرب فنحن نمثل ليس فقط دولتنا، بل حضارة عمرها 12 قرنا.

وهذا التراث الذي أسير فيه له رسالة وهدف، فأنا لا أغني بهدف الموسيقى لذاتها أو لأجل التكسب بها أو للترفيه، بل لتقديم رسائل كبيرة وترك بصمة في التراث الفني المغربي الأصيل الذي يزاوج بين الحضرة الصوفية الروحية والجمال الأندلسي العريق.

عرفنا على أهم أغانيك ورسائلك من ورائها

لدي أغاني على شكل فيديو كليب، منها أغنية “الزيارة” كأول فيديو كليب لي، لحنتها من منطقة مولاي عبد السلام بن مشيش، جماعة تازروت بالضبط، وكلماتها تعود لولي الله سيدي محمد الدايلال الهواري، وتوزيعها للمايسترو نبيل أقبيب، هنا خلطنا الروح بالعلم، أي الجمال والجلال، وبالتالي أنتجنا أغنية بكلمات روحية ورسالة كبيرة.

فهذه الأغنية تضم 5 أبيات، يقول البيت الرئيسي الذي يتكرر كثيرا: “يلاه نقيموا الزيارة على باب الله أسيادي.. وحضر فيها سيدي رسول صلى الله عليه وسلم”، ثم البيت الأول: “يلاه نقيموا الزيارة لجامع الزهر أسيادي.. وحضر فيها مولاي إدريس الأكبر”.

من خلال البيت الأول نتحدث عن إدريس الأكبر، وهو علاوة على أنه مؤسس أول دولة إسلامية مستقلة بالمغرب، فهو حفيد النبي صلى الله عليه وسلم، ونجد جامع الزهار الذي زرناه بمدينة زرهون، وهذا المسجد لا يعرفه كثير من سكان المنطقة أنفسهم، وفي بابه كُتب الرقم 1، وفي ما يحتفظ به التراث المروي فهذه أول بناية بمدينة زرهون وكان مولاي إدريس الأكبر يصلي فيها.

ورسالتنا من خلال هذا البيت هو أن جامع الزهار يحتاج إلى إصلاح وإعادة ترميم، فنحن المغاربة نتبع العقيدة الإسلامية على مذهب الإمام مالك، وعبر هذا الجامع دخلت هذه العقيدة وفيها كانت تُدَّرس العلوم الدينية، كما أن البيت الثاني يقول: “جامع النوار أسيادي.. وحضر فيها مولاي إدريس الأزهر”، وهو جامع يوجد في فاس وله تاريخ، وهكذا مع كل أغنية نجد دعوة للاهتمام بتاريخنا وتراثنا.

كما أنني أصدرت أغنية أخرى بعنوان “زاوُك في حرم النبي” تتكلم على التضرع إلى الله عبر النبي، فتقول الأغنية: “زاوُك في حرم النبي عمرك ما تحتاج.. تفوز بالآخرة وتقضي فالدنيا حاجة”، وهي كلمات لسيدي قدور العلمي وفيها أبيات وأهداف ورسائل، لأن الرسالة لا تموت وتبقى حية دوما.

لذلك نحن نغني قصائد بعد تجديدها وتشبيبها كرسالة للشباب الحالي، والتوزيع يمزج بين الموسيقى العصرية والأندلسية حيث نستهدف طبقة تريد الاستماع والفهم، والفنان العالمي ماهر زين مثلا، يغني قصائد تراثية من المغرب ويسمعون له في كل العالم لأنه أعطى لها لونا شبابيا، فهناك ناس يسمعون الصوت وآخرون يفهمون الرسالة، ونحن نستهدف الجميع.

وعلى العموم فإن آية الله عمران منذ تركيزه على هذا اللون أنتج لحد الآن 4 أعمال فنية تمزج بين الأندلسيات والحضرة الصوفية، ونحن بصدد إنتاج ألبوم يضم ما بين 10 إلى 11 أغنية بنفس هذا اللون الفني، وقبل ذلك كانت لي 5 أعمال فنية مختلفة، واحدة خاصة بالأغنية الشعبية التطوانية التراثية، وعملين مع الفلامينكو باللغتين الإسبانية والعربية.

كما أن لي عملين مع فرقة من دولة تشيلي من الهنود الحمر حيث كان أو مزج أندلسي مغربي مع موسيقى أمريكا اللاتنية، وهو ناجم عن بحث شخصي أجريه باستمرار للانفتاح على الموسيقى العالمية خاصة بصفتي كرئيس مركز تطوان للبحث في الموسيقى الأندلسية، ناهيك عن العديد من المشاركات داخل وخارج المغرب، وتجارب في التلحين والتوزيع.

إذن أنت تعتمد نفس أسلوب جدك مع تغيير في الوسائل؟

نحن اشتغلنا مؤخرا على قصائد قديمة نجددها بتوزيع جديد، فهو كان يشتغل على الأغاني التراثية ونحن نشتغل على قصائد دينية نصفها ظاهر والآخر لا يظهر، حيث يمكنك أن تظن أنه كلام في الغزل لكنه في المديح، ونحن نستهدف الجمهور كله، وهذا الفن له إقبال كبير في المجتمع الذواق.

وأذكر هنا أنني لما زرت بلجيكا لإحياء سهرة فنية تراثية، قال لي المنظمون إنهم اختاروا قاعة لا تتعدى مقاعدها 400 مقعد فقط، لأنهم توقعوا حضور عدد قليل من الناس، معتقدين أن هذا النوع من الفن ليس له جمهور، لكن المفاجأة كانت قبل 10 أيام من موعد السهرة حين نفذت كل التذاكر، كما أن السفير المغربي طلب الحضور رغم أنه لم يكن من بين الشخصيات المدعوة للحضور، وبعد انتهاء السهرة ظل الناس داخل القاعة كأنه عرس.

وفي نفس هذه السهرة، قال لي أحد الحاضرين إنه يعيش في بروكسيل منذ 35 عاما، ولم يسبق أن أحضر أسرته لمشاهدة سهرة موسيقية مغربية لأنه يخشى من الفضائح والكلام الساقط، لكنه حضر رفقة كل أفراد عائلته لهذه السهرة التراثية، لأنه يعرف أن ما سيسمعه سيكون جيدا، لأن المنصة كانت تضم لوحة فنية تعبر عن هوية الجالية وتراثها، وهذا دليل على أن الجالية المغربية تحب هويتها الأصيلة.

في نفس هذا السياق، نرى مغنيين عالميين يبدعون في إحياء التراث المغربي بطرق شبابية وسط إقبال كبير على أغانيهم، على سبيل المثال نجد سامي يوسف وماهر زين وحمزة نمرة ومسعود كورطيس وغيرهم، لماذا يختارون التراث المغربي بنظرك؟ مقابل عدم اهتمام المغنيين المغاربة بهذا التراث بالشكل اللازم.

أنت تتحدث بعبارة أخرى عن شركة “Awakening Records” فسبب تألق هؤلاء الفنانين العالميين، هو أن شركات الإنتاج العالمية التي تتكلف بأغانيهم تقصد بعث رسائل هادفة ولا يهمها اكتساح السوق بأي موسيقى، بل برسالة معبرة، فلماذا يقصدون المغرب؟ لأنه يضم حضارات مختلفة من الأندلسيين والعثمانيين والأمازيغ والصحراويين والعرب وغيرهم في مزيج متناغم، وبالتالي رسائلهم تكون حكيمة وبكلام بسيط وعمق فني كبير، وهذا ما يجعلهم يختارون المغرب.

لذلك نجد نموذج هذه الشركة المتخصصة في رسالة معينة ولها بيئة توفر لها إمكانات ترويج هذه الرسالة بأسلوب عصري متطور جدا.

فمثلا قصيدة “زاوُك في حرم النبي” نجد في أحد أبياتها: “بسط كفوفك للنبي يا من هو محتاج.. كنز الهدى يمكنك للدخاير نتاجة”، بمعنى أن بسط كفك للنبي أي ادعو الله وصلي على النبي، من أجل بلوغ كثير من الأمور خاصة لمن هو محتاج، وكنز الهدى يمكنك من ذخائر مُنتجة، فهذا بيت بسيط فيه معنى عميق، لذلك يختار هؤلاء الفنانين العالميون القصائد المغربية لأنها تحمل معاني روحية ورسائل سامية.

لكن بالمقابل نحن في المغرب لا نقول أن الفنانين عندنا لا يتوجهون لهذا اللون الغنائي، بل هناك فنانين يبحثون ويهتمون بهذا التراث، لكن لا يُسلط عليهم الضوء ولا يجدون من يفتح لهم الباب، والسبب تجاري ومادي محض، لأن هذه القصائد الهادفة لن تنفعهم في الملاهي والمطاعم التي فيها الأموال.

وحتى وسائل الإعلام أصبح يسيرها أناس ماديون، أي يبيعون ويشترون، ونحن حاليا لا نرى تراثنا في سهرات القنوات العمومية، غير أن هذا لا يعني أن المغاربة ليس لهم ذوق، بل يتم فرض نموذج معين عليهم.

جمعيتكم تنظم مهرجانا سنويا باسم عبد الصادق اشقارة، قربنا منه.

نعم لقد نظمنا خلال شهر أبريل الماضي مهرجان عبد الصادق اشقارة المغاربي في دورته الثالثة بتطوان، بمشاركة مجموعة جزائرية، وهو من تنظيم جمعية عبد الصادق اشقارة للمحافظة على التراث الأندلسي الشعبي والصوفي، وأتشرف بكونه مديره الفني، ففي كل عام ننظم دورة معينة، فالأولى كانت دورة المديح والسماع، والثانية كانت حول مغاربة العالم بمشاركة مجموعات أوروبية، والثالثة اخترناها مغاربية.

أخبرنا عن أغنية لك وأخرى لجدك تركت لديك تأثيرا واضحا

رغم أن كل القصائد التي اشتغلنا عليها لها لون وطابع وهدف ورسالة خاصة بها، تبقى بالنسبة لي قصيدة “الزيارة” واحدة من الأغاني التي أديتها برسالة كبيرة، لأنها جمعت الأولياء المغاربة الذين اشتغلوا على الجانب الصوفي والسياسي، وهم مولاي إدريس الأكبر ومولاي إدريس الأصغر ومولاي عبد السلام بن مشيش وسيدي محمد ديلال الهواري وسيدي قاسم ابن إدريس المدفون بطنجة ومولاي علي الشريف المدفون بالريصاني.

وهذه القصيدة تُختم بالقول: “يلاه نقيمو الزيارة لجامع السنة أسيادي.. يحضر فيها النبي شفيع الأمة”، ورسالتها واضحة على أن مسجد السنة بالعاصمة يحضر به النبي مجازا، أي أننا دولة إسلامية سنية على الدوام.

وبالنسبة لجدي عبد الصادق اشقارة، فإن كل أغنية تركها لها رسالة، فرغم أنك قد تعجب بواحدة، تجد نفسك معجب بالأخرى بالنظر إلى أنه لكل واحدة لونها الخاص.

آخر كلمة للجمهور المغربي

الكثير خاطئون حينما يقولون إن المغرب لم يعد فيه ذوق فني بسبب طبيعة الأغاني التي انتشرت في السنوات الأخيرة، لأننا نجد أن هناك إقبالا كبيرا على الفن الرسالي الصوفي، ونحن سنقترب أكثر من الشباب بالموسيقى التي لها أهداف ومقبولة لأسماعهم.

وأود الإشارة في النهاية إلى أن الموسيقى الشبابية العصرية تخص نمطا غنائيا لفئة وأسلوب معين لا يمكن اعتبارها طريقة تميز شباب هذا العصر، لأننا بهذا الفهم نقتل الهوية والذوق لصالح شيء آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *