سياسة، مجتمع

سخرية واسعة من الحكومة بعد اتهامها للعدل والإحسان.. والأخيرة: مهزلة

أثارت الاتهامات التي وجهتها الحكومة في بلاغ رسمي إلى جماعة العدل والإحسان بالوقوف وراء احتجاجات طلبة الطب والصيدلة ومقاطعتهم الامتحانات بمختلف كليات الطب بالمملكة، موجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، فيما وصفت الجماعة موقف الحكومة بـ”المهزلة”، محملة “أصحاب القرار مسؤولية الأضرار الناجمة عن هذه الانتهاكات التي تسوق بلدنا نحو المجهول”.

وعقب إصدار رئاسة الحكومة لبلاغها حول ملف طلبة الطب، والذي تلاه الناطق الرسمي باسم الحكومة مصطفى الخلفي في ندوة صحفية بالرباط، أمس الخميس، انتشرت تدوينات وتغريدات يتهكم أصحابها على موقف الحكومة، معتبرين أن “إقحام” جماعة العدل والإحسان في مختلف الإشكالات والقضايا المجتمعية التي تعرف توترات، يؤشر على “الفشل الحكومي في تدبير تلك الملفات”.

“تهكم” واسع

وعبر نشطاء مغاربة من ضمنهم برلمانيون وقياديون في أحزاب الأغلبية الحكومية، عن استغرابهم من موقف الحكومة، مجمعين على أن اتهام الجماعة بتحريض طلبة الطب على الاحتجاجات “كان خارج السياق وخارج الموقف المتوقع من الحكومة لمعالجة ملف طلبة الطب”، مشيرين إلى أن العدل والإحسان أصبحت “شماعة تعلق عليها السلطات فشلها”، في ظل تكرار الاتهامات الرسمية الموجهة لهذه الجماعة بالوقوف وراء عدد من الاحتجاجات.

واتهم بلاغ الحكومة صراحة جماعة العدل والإحسان بتحريض طلبة الطب على الاجتجاج ومقاطعة الامتحانات، إذ جاء فيه: “تؤكد الحكومة أن هناك جهات أخرى، وبالضبط جماعة العدل والإحسان، استغلت الوضعية لتحريض الطلبة من أجل تحقيق أهداف لا تخدم مصالحهم”، وفق ما قاله الخلفي في ندوة صحفية أعقبت المجلس الحكومي أمس الخميس.

البرلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي حنان رحاب، اعتبرت في تدوينة لها أن تصريح الوزير الخلفي “شارد ولا منطق له ويستصغر نضالات ونضج طلبة وطالبات كليات الطب والصيدلة على اختلاف انتماءاتهم، إن كانوا ينتمون إلى تنظيمات سياسية أو إن كانوا غير منتمين لأي توجه سياسي”، مضيفة: “إن كانت العدل والإحسان هي من تقف وراء المقاطعة الشاملة للامتحانات، فالخلفي يقر اليوم بقوتها التأطيرية وبكونها أول قوة تؤطر الحركات الاجتماعية والمطلبية بالمغرب، وقوتها أكبر من النتيجة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية نفسه”.

وتابعت قولها: “ابحثوا على مبرر آخر لقراراتكم غير السليمة والارتجالية، قولوا بالواضح إنكم ترفضون مطالب  طلبة الطب والصيدلة المشروعة لترضى عنكم لوبيات التعليم العالي الخاص الذين يستثمرون في هذا القطاع، قولوا جَهْرًا لأبناء وبنات الطبقات الفقيرة والمتوسطة الذين يدرسون بالجامعات العمومية: الطب ليس مهنتكم، ولا تعلقوا شماعة فشلكم في تدبير هذا الملف على العدل والاحسان أو غيرها، لقد سئمنا من ترديدكم لهذا المبرر الذي يستصغرنا جميعا”.

عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان رشدي بويبري، قال في تصريح لجريدة “العمق”، إن “ما نشهده اليوم وما يتابعه الرأي العام المغربي والخارجي هو سقوط مدو عن مرتبة الشرف، وإعلان صريح عن الفشل والانهزام أمام المشاكل الاجتماعية المتعاظمة جراء سوء التدبير الذي راكمته الدولة المغربية بكل أجهزتها ومنها الأجهزة الحكومية”.

وأضاف المتحدث أن الاتهام “صار محط استهزاء وضحك من قبل الجميع”، مشيرا إلى أن السنين الأخيرة “عرفت لجوء “المخزن” لهذا الاتهام ليختزل به فشله ويتستر وراءه حتى لا يلتزم بمعالجة المشاكل المتصاعدة التي أنتجها تدبيره “الأعوج” لشؤون المغرب”، وفق تعبيره.

وكتب عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية للجماعة حسن بناجح، في تدوينة له: “تفاهموا بيناتكم وجوبونا.. وزير نُقل عنه قبل أسابيع قول في لقاء ضيق يصف فيه جماعة العدل والإحسان بالثلاجة الكبيرة. البارحة زميل له تلى على العالمين بلاغا للحكومة يتهم الجماعة بتحريض طلبة الطب الذين يخوضون احتجاجات بنسبة ٪100. فلم نعد نعرف واش جماعة العدل والإحسان ثلاجة ولا فران ولا جاكوزي ولا ماكينة تسخن وتبرد في نفس الوقت؟”.

الجماعة ترد

جماعة العدل والإحسان ردت على اتهامات الحكومة، منددة بالموقف الحكومي الذي وصفته بـ”مهزلة السلطات المخزنية الذي يحاول تحريف الوقائع والنيل من ذكاء نخبة معتبرة من المجتمع، بمحاولة اتخاذ العدل والإحسان شماعة تعلق عليها السلطات فشلها المتواصل”، متأسفة لما سمته “المستوى المنحط الذي وصل إليه التلاعب ببعض الأحزاب السياسية في بلدنا”.

وقال مجلس إرشاد الجماعة في بلاغ له، توصلت جريدة “العمق” بنسخة منه، إن “السلطة المغربية مرة أخرى، وبطريقة تحريضية مثيرة لكثير من الاستغراب، بأسطوانتها المشروخة، كما فعلت في أحداث سابقة منها أحداث الريف وجرادة، لتتهم العدل والإحسان بالوقوف وراء احتجاجات الطلبة الأطباء”، معلنة استمرارها “في طريقها الذي اختارته، موقفا شرعيا وسياسيا واضحا من الاستبداد والفساد، وانحيازا صريحا لقضايا الشعب ومطالبه العادلة”.

واعتبرت الجماعة أن هذا الاتهام “يمثل استخفافا بنخبة عريضة من المجتمع متمثلة في طلبة كليات الطب والصيدلة وعائلاتهم وأساتذتهم، واستخفافا بعقول الناس وبوعيهم، وتعبيرا عن فشلها المتوالي في حل المشاكل المتراكمة للبلد في كل القطاعات، ومحاولة للهروب من تحمل المسؤولية في إيجاد حلول منصفة للمشكل ذي الطبيعة المهنية والأكاديمية الصرفة، ومحاولة يائسة للتغطية على المواجهة المكشوفة التي أصبحت فيها السلطات السياسية والاقتصادية أمام شعب بأكمله نتيجة سياساتها الارتجالية الفاشلة”.

كما اعتبرت الجماعة أن “توقيف ثلاثة أطر طبية جامعية مشهود لها بالكفاءة والمهنية عن العمل، وتشميع بيوت 4 أعضاء من الجماعة بالمضيق وتطوان ومراكش، بدون إشعار مسبق وبدون تقديم أدنى تعليل لهذا التعسف الخطير في حق مواطنين مغاربة وسط تنديد واستنكار من قبل معظم القوى الحية الفاعلة في المجتمع وطنيا ودوليا”، يُعد “خرقا سافرا جديدا للقانون المغربي وللمواثيق الدولية لحقوق الإنسان”.

وفي نفس الصدد، قالت الجماعة إن قرارات التوقيف في حق الأساتذة “لا تتعلق بالإخلال بالتزاماتهم المهنية كما ادعت الوزارة، بل بنشاطهم النقابي وتميزهم الأكاديمي وانتمائهم السياسي”، مطالبة الجهات المعنية بـ”رفع يدها عن بيوت أعضاء العدل والإحسان، وفتح البيوت المشمعة منها أمام أصحابها وذويهم وأبنائهم، مع احتفاظنا بكامل حقنا في الدفاع عن حقوقنا بكافة الوسائل المشروعة”.

وحمل البلاغ “أصحاب القرار مسؤولية الأضرار الناجمة عن هذه الانتهاكات التي تسوق بلدنا نحو المجهول، وتزج به في مسار التأزيم”، مشيدا بـ”حملة التضامن الواسعة ضد هذه الخروقات وندعو كل الغيورين في هذا البلد، من فضلاء وسياسيين وحقوقيين ومجتمع مدني، إلى ضرورة التكتل، لأن حجم هذه الانتهاكات خطير، وليس مِما يسكت عنه في دولة اختل فيها ميزان القانون والعدل وحكم الطيش والغباء”.

شد الحبل بين الحكومة والطلبة

وتوعدت الحكومة، طلبة الطب بعد مقاطعتهم للامتحانات بداية الأسبوع الجاري، بتطبيق المقتضيات القانونية الجاري بها العمل في مثل هذه الوضعية، بما في ذلك إعادة السنة الجامعية أو الفصل بالنسبة للطلبة الذين استوفوا سنوات التكرار المسموح بها، مشددة على أنه لن تكون هناك سنة بيضاء، مهددة بمعاقبة “كل من يسعى إلى عرقلة السير العادي لهذه الامتحانات”.

ويوم الإثنين المنصرم، عاش طلبة كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان بالمغرب، يوما غير مسبوق ضمن احتجاجاتهم المتواصلة منذ 10 أسابيع، بعدما أعلنوا نجاح مقاطعة الامتحانات التي كان مقررا إجراؤها الإثنين على مستوى جميع كليات الطب العمومية بالمغرب، بنسبة 100 في المائة، رافعين شعار: “سنة بيضاء أهون من مستقبل أسود”.

وزارة التربية الوطنية، أعلنت من جهتها، عن توقيف 3 أساتذة جامعيين يشتغلون بكليات الطب والصيدلة بثلاث مدن، يوم الثلاثاء المنصرم، وذلك بسبب “إخلالهم بالتزاماتهم المهنية” وفق ما ورد في مراسلات التوقيف التي تتوفر جريدة “العمق” على نسخ منه، في حين قالت مصادر جامعية إن السبب الرئيسي لتوقيف الأساتذة الموقوفين يعود لكونهم “ساندوا معركة الطلبة الأطباء بمواقف واضحة، إضافة إلى الانتماء السياسي لبعضهم”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *