وجهة نظر

إدارة الضغط النفسي خلال الأزمات: تمديد حالة الطوارئ الصحية في ضوء مؤشر تخفيف الحجر المنزلي

يبدو أن فرض حالة الطوارئ الصحية في المغرب قي 20 مارس 2020 قد. شكل حدثا استثنائيا خلال العقد الأخير بحكم طبيعة الإجراءات الناجمة عنه والغرض من فرضها .فمن حيث الإجراءات يمكن القول أن التدابير التي فرضت بموجب المراسيم المنظمة لحالة الطوارئ الصحية كانت منسجمة مع اكراهات تدبير المرحلة التي طبعها الإحساس بالمسؤولية الاخلاقية للدولة والمؤسسات التابعة لها ورصد كل الجهود لمحاصرة انتشار فيروس كورونا والحفاظ على الصحة العامة للمواطن المغربي . ومكنت هذه التدابير بفضل تضافر جهود. السلطات العمومية ووعي المواطنين من تجنيب المغرب كارثة صحية كانت تهدد استقرار البلاد. كما أن هذه الإجراءات المتخذة لم تكن حكرا على مكونات السلطة العامة لكن كان للمواطن دورا محوريا في دعم المجهودات الميدانية للسلطات العمومية، بحكم طبيعة هذه المرحلة التي يغلب عليها البعد الإنساني أكثر من البعد الأمني مادام الأمر لا يتعلق بحالة الطوارئ، العادية كان المواطن وما يزال حجر الزاوية في تنزيل هذه التدابير وضمان فعاليتها في الميدان.

وقد شهدت المرحلة الأولى من حالة الطوارئ الصحية انخراطا كبيرا للمواطن في الالتزام التلقائي بكل التدابير المواكبة كتقييد حرية التنقل ومنع التجمعات بالشارع العام وفرض الحصول على التراخيص بالتنقل .ولم تجد السلطات العمومية صعوبات كبيرة في الزام المواطنين بالمكوث في منازلهم باستثناء الحالات التي ابانت عن نقص الوعي بخطورة الفيروس خصوصا في المدن الكبرى .وشهدت هذه الفترة قناعة لعموم المواطن بان له دور قي منع انتشار الفيروس بالتزامه بالقواعد. الصحية والتزام المنازل رغم الاكراهات الموضوعية التي تهم بعض العائلات التي وجدت صعوبة في تطبيق الحجر المنزلي يحكم ظروف السكن غير الملائم لاحتضان كل أفراد.الاسرة في وقت محدد .

لكن بدأ الترقب والانتظار يسيطر على غالبية المواطنين الذي يرغبون في الرجوع سريعا للحياة العادية الأمر الذي لم يكن ممكنا في ظل الارتفاع الكبير الذي شهدته بعض الايام في عدد الاصابات بالفيروس والتأثير البالغ المنصات التواصل الاجتماعي التي فرضت حالة نفسية غير معتادة شكلت ضغطا يوميا إضافيا على الانخراط الفعلي والمستمر لكل مواطن ولاستماته في تحمل هذه التدابير غير الاعتيادية خاصة بالنسبة للأسر التي لا تتوفر على الظروف الملائمة للسكن والتعايش اليومي بين أفراد.الاسرة الواحدة التي وجدت نفسها مجتمعة في حيز مكاني محدد ويستوعب مكونات الاسرة كلها فكان المطلب الاساسي هو الخروج من هذه الوضعية باي ثمن رغم المخاطر المحتملة لانتشار فيروس كورونا، ولايمكن لأحد.ان ينكر التأثير السلبي المنصات التواصل الاجتماعي من خلال تقنيات البث المباشر للنشاط اليومي لبعض الأشخاص المؤثرين في هذه المنصات ونذكر منها :

_الصفحات ذات التأثير على منصة فايس،بوك
حساب المتابعين على الاستغرام.
البث المباشر على الفايس بوك
التطبيقات الفورية ك تيك توك وزوووم……
القنوات الشخصية على موقع يوتيوب

حيث تم استغلال استمرار الربط بالأنترنت لفترة طويلة خلال اليوم وتحول المجال الافتراضي الى واقع يعيش فيه كل مواطن يحترم إجراءات الحجر الصحي المنزلي في ظل غيابه عن المحيط الخارجي ،وتوسع كتلة المتابعين للحسابات الشخصية والصفحات والقنوات الإلكترونية في ظل السباق المحموم لتحقيق نسب عالية للمشاهدة وزيادة عدد المتابعين والمنخرطين فتحكم هاجس الربح المادي في المحتوى المقدم لمن يتابع هذه الحسابات والتلاعب بالوجدان الجماعي لبعض الفئات التي لم تستطع التمييز بين الواقع الافتراضي وعمت الخيبة والضيق النفسي عند مقارنة الوضعية المريحة الأشخاص الذين يقدمون المشاهد المرفهة لحياتهم اليومية أثناء العزلة الاختيارية في منازل فاخرة وطقوس في الأكل واللباس والأنشطة الموازية للحجر الصحي ،في مقابل الحياة اليومية لبعض الشرائح الاجتماعية التي تعاني الهشاشة الاجتماعية .أن هؤلاء الأشخاص الذين يقدمون هذا المحتوى الذي يقفز فوق سلم الحياة الاجتماعية للكثير من المواطنين لاهتمام التأثير السلبي على التماسك الاجتماعي ويزيفون الذوق العام وإعادة تشكيل الراي العام لقلب سلم الاولويات لمزيد من ترسيخ النمط الاستهلاكي للفرد وضرب النماذج الايجابية لتحقيق النجاح من خلال العمل المتواصل لتحقيق النجاح في الحياة وتشجيع الصعود السهل نحو القمة من خلال تشجيع التفاهة والمحتوى المبتدل . وقد عرفت المرحلة الثالثة من تدابير حالة الطوارئ الصحية استقرارا نسبيا في سرعة انتشار الفيروس بحكم التدابير التي اتخذتها السلطات العمومية والتعامل الجيد مع الحالات الجديدة والتواصل اليومي مع المواطنين وأخبارهم المستجدات اليومية للحالة الوبائية.

وأظهرت الأرقام ان هناك ارتفاعا ملحوظا في نسبة التعافي والشفاء وتناقص الوفيات مما أعطى الانطباع حول طبيعة الفيروس الذي لم يعد في نظر العديد من الأشخاص فيروسا قاتلا يمكن التعامل معه كغيره من الامراض فلا داعي للبقاء في إطار تدابير الحجر المنزلي فظهرت مجموعة من السلوكيات المتهورة لبعض الأشخاص اساسها الخروج للشارع العام بشكل مكثف دون احترام المبررات الاستثنائية للتنقل والإهمال الواضح الإجراءات السلامة الشخصية رغم التحذير الذي يبث يوميا على وسائل الإعلام وحملات التوعية الميدانية، وقد وضعت هذه السلوكات المتهورة لبعض المواطنين مواطنين آخرين ملتزمين بالقرارات الإدارية تحت الضغط النفسي عندما رأوا كيف ان هناك أشخاصا يهددون سلامة الآخرين بعدم احترامهم الإجراءات المفروضة وغير واعون تماما بما يقدمون عليه وذألك بالمساعدة في انتشار البؤر الوبائية .

ونحن في بداية تمديد حالة الطوارئ الصحية الى غاية العاشر من يوليوز لفترة رابعة لكن مع اعادة النظر في التدابير المتعلقة بالحجر المنزلي وذألك بتقسيم المغرب الى منطقتين ،أقدمت السلطات العمومية على تخفيف الإجراءات المتعلقة بالحجر الصحي والسماح بالتنقل داخل المجال الجغرافي بهاته المنطقة بحرية دون حاجة للتراخيص والسماح بممارسة مجموعة من الأنشطة التجارية ويأتي هذا القرار عقب انخفاض عدد الاصابات في هاته المنطقة ووجود مؤشرات إيجابية على تراجع الخطورة .لذالك سجل الارتياح لدى ساكتة هذه المنطقة التي جنت نتيجة التزامها نسبيا التدابير على العكس من ذالك لازال الترقب يخيم على ساكنة المنطقة الثانية التي تم الاحتفاظ بها بنفس التدابير الاحترازية لمواجهة الفيروس. لكن في المقابل يمكن القول أنه رغم إقرار السلطات العمومية الإجراءات التخفيف بالمنطقة الأولى وتنفس المواطن المحلي الصعداء عقب ذالك فإن الخطر أصبح متنوعا بحكم حرية المواطن في التنقل والسفر بين مكونات هذه المنطقة ولا ينبغي الأشخاص أن بخاطروا ويعملوا الإجراءات اللازمة للحماية .

لكن كيف يمكن تقييم استفادة المواطن المغربي من الأزمة الصحية الحالية فهل حاول مراجعة نظرته لمجموعة من الامور الأساسية التي تهم حياته اليومية وعلاقته ببقية مكونات المجتمع ؟فهل استطاع إعادة بناء تصور عن الأدوار الكبرى للدولة والمؤسسات العمومية التي ابانت عن انخراط تام في ظل التعليمات والأوامر الملكية السامية ؟ وماهي الخلاصات التي خرج بها كل فرد.من المجتمع للتعامل مع الأزمات القادمة التي قد تهدد وجوده ؟ وهل غيرت تداعيات الأزمة الصحية نمط التفكير والتحليل لدى كل شخص بهدف إيجاد.اليات جديدة لإدارة حياته ومتطلباته؟ وكيف يمكن له إدارة الضغط اليومي الذي يسيطر على الجانب النفسي لكل شخص.

* الدكتور فهمي بوشعيب :
حاصل على الاجازة في القانون الخاص 2006
شهادة الماستر في القانون المدني 2014
شهادة الدكتوراه في القانون الخاص 2018

من اصداراته :
ظاهرة الالتراس بالمغرب مقاربة قانونية واجتماعية 2018
مجموعات الالتراس نحو راديكالية العنف وتسييس مدرجات الملاعب 2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *