وجهة نظر

سرقة مكتب المحاماة انتهاك لعرض العدالة

لو لم أكن موظفا بقطاع حكومي اخترته عن قناعة، لاخترت أن أكون بدل ذلك محاميا، وهي المهنة الوحيدة التي يمكن أن أسمح لنفسي بامتهانها في العلاقة بالعدالة بهذا الوطن لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية لا داعي للاستطراد فيها الآن، الا ما تعلق بواجب أن أصف هذه المهنة الرسالة بصفة النبل، نبل يفترض أن يسكن قلب المحامي قبل أن يصير محاميا، وقبل أن يستحضر هذه الصفة في بروفايله المهني، باعتبار المحاماة تتطلب الإنسان داخلنا أولا ثم الحكيم ثم القنوع الشرس في الدفاع عن الحق والموقن بأنه وحده من يستحق البدل والعطاء، وهذا بحسب المبدأ .

اليوم نستفيق على خبر اقتحام مكتب أستاذ محامي بهيئة الدار البيضاء، وفي الحدث هذا الكثير من الإشارات المهمة التي أردت الوقوف عليها، أولا تضامنا مع أصدقائي المقربين الممتهنين لهذه المهنة النبيلة في ذاتها بعيدا عن الأشخاص، وثانيا لكون الأمر لا يتعلق باقتحام مكتب محاماة والعبث بمحتوياته، إنما يتعلق بانتهاك عرض العدالة بشكل بشع، انتهاك ابتدأ قانونيا بضرب مقتضيات القانون عرض الحائط مجسدة في المادة 59 من القانون المتعلق بمهنة المحاماة التي توجب إشعار نقيب الهيئة -المنتمي إليها المحامي المدعى عليه- بحكم الإفراغ واتخاد الإجراءات اللازمة لضمان مصالح موكليه.

دعونا هنا نقف عند العبارة الأخيرة “ضمان حماية حقوق موكليه” ونطرح السؤال التالي : هل يقف جرم اقتحام مكتب المحامي على تكييفه بمجرد جريمة السرقة الموصوفة ؟ أم أن الأمر يقتضي إعمال القضاء مبدأ حماية حقوق الأطراف باعتبار الشكاية المقدمة للسيد وكيل الملك من طرف المتضرر لا تتعلق بمكتب فقط إنما بشكل ضمني ومباشر أيضا تتعلق بانتهاك خصوصيات الناس القضائية ، وتعريض نزاعاتهم للتشهير والعبث بمعطياتهم بما لا يتوافق مع نصوص القانون الجنائي التي تجرم تشويه السمعة والتشهير بالخصوصيات ، ألا يجب أن يعمل القضاء مبدأ حماية الأمن القضائي باعتبار اقتحام مكتب المحامي هو اقتحام للمحكمة واقتحام لوزارة العدل واقتحام للنيابة العامة، وأولا هو اقتحام لحياة كل دي ملف بهذا المكتب وأخد في حياته القضائية طولا وعرضا.

كل هذه الأسئلة من المؤكد أن من يرفعون شعار ” لا للإحتجاج في زمن كورونا” لا يطرحونها بشكل جدي ولا يستحضرونها ، إنهم يعتبرون أن الحياة تتوقف في ضل الأزمة على إيجاد لقاح لمرض فتاك، وغير ذلك ليس من الضروري الأخد فيه بالنسبة لهم، إن المجتمع المغربي وللأسف لم يصل بعد إلى مستوى الوعي الذي يمكنه من استحضار الحقوق والحريات كضرورة معيشية كالماء والهواء في أي ضرف وفي ضل أية أزمة وهذا أمر خطير.

كيف لا وتعريض ملفات قضائية بالعشرات للعبث والتلاعب عن طريق اقتحام مكتب محاماة، من المفترض أن تكون له حرمة في القانون والواقع، والحال أنه اليوم حتى وعند إثارة الوضوع للنقاش عبر وقفة تنديد بالفعل الجرمي الذي يعتدي على العدالة في البلاد بشكل أو بآخر، تجد الكثيرين يخوضون في حديث غيره جانبي كثيرا، إلى درجة نعث إدانة السرقة في تجمع احتجاجي بالتخلف الذي سينجم عنه تعريض حياة الناس للخطر عبر الاسهام في نشر مرض كورونا.

ألا يعلم المنتسبون لهذا التوجه أن أخطر الأمراض أن تعيش في مجتمع لا وباء فيه إلا وباء اللاعدالة، واللاتعليم واللاصحة؟ ربما يعلمون ذلك، لكنهم لا يفهمونه على الأقل، لا يفهمون أن العيش دون حماية يضمنها القانون ويدعمها الاحتجاج عندما ينتهك القانون، هو عيش في الغاب، ولا يمكن للانسان أن يستقر معيشه في الغاب ما دامت البشرية قد اختارت التحضر.

ومن التحضر أن تلبي نداء هيئة المحاماة سواء كنت محاميا أم لا، عندما يتعلق الأمر بحماية العدالة، وأن تلبي نداء المعلم سواء كنت معلما أم لا، عندما يتعلق الأمر بحماية التعليم، وأن تلبي نداء الطبيب والممرض سواء كنت منهم أم لا، عندما يتعلق الأمر بحماية الصحة ، نداءات تقتضي الإستجابة والإجابة سواء كنا في ضرف طارئ أم في حياة عادية، فلا شيء يأتي فوق الحقوق ، حتى الحياة فهي حق، العدالة حق، والحقوق لا تتجزأ ولا يتجزأ الدفاع عنها .

كل التضامن مع هيئة المحاماة بالدار البيضاء، ومع أصدقائي الممتهنين للمحاماة بجميع ربوع الوطن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *