وجهة نظر

ما جدوى المشروع الشخصي للمتعلم أو التفكير بالمشروع في ظل وجود بنية الإستقطاب المحدود وظاهرة المعدلات المرتفعة التي ترتبط بمفاعيل اجتماعية؟

ما جدوى المشروع الشخصي للمتعلم أو التفكير بالمشروع في ظل وجود بنية الإستقطاب المحدود وظاهرة المعدلات المرتفعة التي ترتبط بمفاعيل اجتماعية؟
أتساءل عن ظاهرة “المعدلات المرتفعة” التي تزيد ارتفاعا كل سنة، يمكن للباحث فيها أن يستخلص أن لها ارتباطات اجتماعية (دعم أسري، مراكز الدعم الخصوصية، الساعات الإضافية، الدروس الخصوصية… الخ)، من أجل ولوج المدارس ذات الاستقطاب المحدود، ومنها يمكن التطرق كذلك إلى قضية “الميرطقراطية (la méritocratie) واللامساواة في منظومة التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بالمغرب.”

سأعزز تساؤلي حول جدوى التفكير بالمشروع الشخصي في ظل وجود مؤسسات عليا ذات ولوج محدود (سؤال أفكر فيه منذ مدة طويلة من نافدة اللامساواة في منظومة التوجيه بالمغرب) بإحصائيات رسمية تم تقديمها خلال اللقاء البيداغوجي الوطني المنعقد يومي 02 و03 أكتوبر 2018 بمراكش حول إصلاح نظام الإجازة.
تتكون منظومة التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بالمغرب من ثلاث بنيات:

البنية الأولى هي المؤسسات العمومية ذات الولوج المحدود.
البنية الثانية هي المؤسسات العمومية ذات الولوج المفتوح.
البنية الثالثة هي مؤسسات التعليم العالي الخاص.

تعمل هذه البنيات الثلاث على الإستقطاب الإجتماعي للتلاميذ انطلاقا من معايير خاصة بكل واحدة. تعتمد البنية الأولى على فلسفة الميرتوقراطية ( الجدارة والإستحقاق )انطلاقا من آلية الإنتقاء بمختلف أنماطه (المباشر، الكتابي، الشفوي، دراسة ملف… الخ)، وتعتمد البنية الثانية على ” الإستقطاب المفتوح ” ،إذ يمكن ولوجها فقط بالحصول على شهادة البكالوريا كيف ما كان معدلها العام، في حين تعتمد البنية الثالثة على الإنتقاء الإجتماعي المرتكز على الرأسمال المادي (الرأسمال المادي بتعبير بورديو) ومنطق الربح المادي إنطلاقا من فسلفة “السوق” (أقدم لك خدمة مقابل مبلغ مالي، فكلما كانت الخدمة عالية الجودة، فإنه يقابلها مبلغ مالي مرتفع ).

من خلال الوثيقة التي تم ذكرها أعلاه ( اللقاء البيداغوجي لإصلاح نظام الإجازة ) ،سأورد عددا من الإحصائيات التي من خلالها يمكن طرح السؤال التالي :” ما جدوى المشروع الشخصي للمتعلم في ظل وجود هذه البنيات الثلاث)؛ تتكون بنية الإستقبال في التعليم العالي العمومي والخصوصي حسب إحصائيات 2018 من :

202 مؤسسة جامعية بالقطاع العمومي بنسبة48%، حيث يدرس بها 860.219 طالبا وطالبة من مجموع الطلبة الذين وصل عددهم خلال الموسم الدراسي 2018/2019 إلى 937.275 طالبا وطالبة.

216 مؤسسة عليا بالقطاع الخاص بنسبة 52%/ حيث يدرس بها 50.397 طالبا وطالبة.

تنقسم بنية الإستقبال في التعليم العالي الجامعي العمومي حسب نوعية الإستقطاب إلى نوعين :

بنية المؤسسات الجامعية ذات الإستقطاب المفتوح ب 56 مؤسسة عليا.
بنية المؤسسات الجامعية ذات الإستقطاب المحدود ب 70مؤسسة عليا.

في هاتين البنيتين، وحسب مكنزمات كل بنية، تم توزيع 210.488 طالبا وطالبة جدد (الذين حصلوا على شهادة البكالوريا برسم الموسم الدراسي 2017/ 2018) على الشكل التالي:

– المؤسسات الجامعية ذات الإستقطاب المفتوح: 188.172 طالبا وطالبة بنسبة 89%.
– المؤسسات الجامعية ذات الإستقطاب المحدود: 22.316 طالبا وطالبة بنسبة 11%.

من خلال الوثيقة كذلك، يلاحظ أن 188.172 حاصلا على بكالوريا سنة 2018 الذين تسجلوا بمؤسسات الاستقطاب المفتوح (89% من الطلبة الجدد) توجهوا إلى مختلف المسالك والشعب التي تقدمها الكليات بالشكل التالي:

القانون باللغة العربية: 61.443 بنسبة 33%.
القانون باللغة الفرنسية: 7221 بنسبة 4%.
الاقتصاد: 41.174 بنسبة 22%.
الآداب العربي (اللغة العربية): 5043 بنسبة 3%.
الدراسات الأدبية في اللغات الأجنبية (الفرنسية، الإنجليزية واللغات الاخرى): 18386 بنسبة 10%.
الدراسات الإسلامية: 11050 بنسبة 6%.
علم الإجتماع وعلم النفس والفلسفة (ثلاث تخصصات مجتمعة): 8299 بنسبة 4%.
الجغرافيا والتاريخ والحضارة: 7605 بنسبة 4%.
الفيزياء والكيمياء: 13025 بنسبة 22%.
علوم الأرض والحياة: 11292 بنسبة 6%.
الرياضيات: 3634 بنسبة 2%.

لابد من الإشارة إلى ملاحظة مهمة يمكن استخلاصها من خلال الأرقام المتعلقة بتوزيع الطلبة على الشعب والمسالك التي توفرها الكليات؛ هي أن كليات العلوم القانونية و الاقتصادية (FSJES) ، استقطبت لوحدها من الطلبة الجدد حاملي بكالوريا 2018 ما مجموعه 109838‬ طالبا جديدا حيث وصلت النسبة إلى 58.37% من مجموع الطلبة الجدد ،مقابل 50383 طالبا جديدا لنفس السنة في كليات الآداب والعلوم الإنسانية (26.77%) ،في حين وصل عدد الطلبة الجدد الذين اختاروا متابعة دراستهم في كليات العلوم لنفس السنة أيضا إلى 27951 طالبا جديدا بنسبة 14.85% ؛ هنا يطرح كذلك سؤالا وجيها حول هذا التوجه الضخم للطلبة الجدد نحو تخصصي القانون والاقتصاد ، ومنه كذلك سؤالا آخرا: لماذا المهن المرتبطة بتخصصي القانون و الإقتصاد لها هذه الجاذبية الإجتماعية أو الإستقطاب الإجتماعي.

إن المتأمل للأرقام أعلاه والمتصفح للأرقام المقدمة في الوثيقة الرسمية المتعلقة بإصلاح نظام الإجازة، بالإضافة إلى الممارسات الميدانية من طرف الفاعلين في حقل التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بالمغرب، يستخلص أن هناك إشكالية جد معقدة، تحكم هذا المجال الحيوي في منظومة التربية والتكوين. تجدر الإشارة أن الأرقام المتعلقة بتوزيع الطلبة الجدد على كل المؤسسات العليا حسب البنيات الثلاث لا يتم نشرها سنويا وبشكل منتظم ورسمي (أرقام لها أهميتها من أجل وضع تساؤلات سوسيولوجية انطلاقا من سؤال مركزي: لماذا تأخذ منظومة التوجيه بالمغرب هذا الشكل وهذه البينة؟

تكمن إشكالية التوجيه المدرسي والمهني والجامعي بالمغرب في بنية هذه المنظومة وكذلك في ارتباطها بالمشاكل البنيوية لمنظومة التربية والتكوين وبالممارسات الاجتماعية للتلاميذ والأسر والفاعلين في مجال التعليم ، مما أدى إلى بروز ظواهر مرتبطة بالتوجيه بصفة خاصة وأخرى مرتبطة بالتعليم بصفة عامة التي تحد من إمكانية تنويع نشاطات أطر التوجيه ،حيث تكاد تقتصر تدخلاتهم على الإعلام فقط لتأمين هذه الخدمة الحيوية ، لأن البنيات الثلاث بالإضافة إلى الظواهر الاجتماعية المرتبطة بالنظام التعليمي والممارسات الإجتماعية في الحقل التربوي، تعمل من الناحية الإجتماعية على حصر فلسفة الاختيار واتخاذ القرار كآليتين مرتبطتين بسيكولوجية التوجيه. يظهر ذلك جليا في أن غالبية التلاميذ عند وصولهم مستوى الثانية بكالوريا، يترشحون لجميع المباريات كيفما كان نوعها، بل تكثر أسئلتهم حول دخول المؤسسات ذات الولوج المحدود (تتراوح نسبة دخولها من سنة إلى أخرى ما بين 8% و 12% ) بهذا المعدل أو ذاك ؛ ومن تمة يضربون بعرض الحائط كل ما يقوله لهم أطر التوجيه حول الاختيار واتخاذ القرار من خلال آلية وتمرين المشروع الشخصي أي التفكير بالمشروع الشخصي.

قد يقول قائل أن هناك من يصنع مسارا دراسيا ومهنيا مميزا انطلاقا من الجامعة باعتبارها البنية التي تستقطب غالبية الحاصلين على شهادة البكالوريا ، أقول نعم ، لكن بالرجوع إلى الأرقام المرتبطة بنسبة الهدر الجامعي ونسبة الاحتفاظ بالطلبة في الجامعة وعدد الحاصلين على الإجازة والشواهد العليا المختلفة وعدد الذين ولجوا سوق الشغل أو الذين اندمجوا في الحياة المهنية والعملية ونسبة الذين ولجوا مِهَناً سطروها في إطار المشروع الشخصي ، فإن المسألة تصبح أكثر تعقيدا ومن تمة تحتاج إلى تفكير سوسيولوجي من مختلف فروع علم الاجتماع ( سوسيولوجيا التربية ، انثروبولوجيا التربية ، سوسيولوجيا المهن…الخ ).

*مستشار التوجيه التربوي / طالب باحث في ماستر علم الاجتماع.

المراجع:

الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر،2000.
وثيقة اللقاء البيداغوجي الوطنيلإصلاح نظام الإجازة المنعقد يومي 02 و03 أكتوبر 2018بمراكش.

أزمة مدرسة أم ماذا؟ بياتريس مابيلون وبونفيس ولوران سعدون، ترجمة عبد الله الهلالي، افريقيا الشرق، الطبعة الاولى 2016.
عبد العزيز السنهجي، المشروع الشخصي للمتعلم في ضوء الرؤية الإستراتيجية للإصلاح 2015-2030، شمس برينت، الطبعة الأولى 2019.
عبد الغني عماد، علم اجتماع التربية، الطبعة الأولى، منتدى المعارف، بيروت، 2017.
عبد الكريم غريب، سوسيولوجيا التربية المعاصرة، السياقات والمقاربات، الطبعة الأولى، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2016.
عبد الكريم غريب، سوسيولوجيا المدرسة، الطبعة الأولى، منشورات عالم التربية، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 2009.
علي أسعد وطفة وآخرون، علم الإجتماع المدرسي، الطبعة الاولى، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع. بيروت 2004.
فوزي بوخريص وآخرون، قضايا في سوسيولوجيا التربية، الطبعة الأولى، مطابع الرباط، 2018.
Marie Duru-Bellat, Les inégalités sociales à l’école : Genèse et Mythes, PUF, 2002.
Agnès van Zanten et Marie Duru Bellat, Sociologie du système éducatif. Les inégalités scolaires, PUF, coll. Licence socio, 2009.
Bourdieu et C. Passeron : les héritiers. Editions de Minuit. Paris 1964.
Raymond Boudon : l’inégalité des chances. Collection plurielle. Librairie Armand colin 1979.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *