منتدى العمق

الحياة قائمة على التوازن بين الدنيا والآخرة

إن شغف المعرفة والإطلاع على الخلفيات الفكرية أو الإطلاع على خبايا التاريخ يدفعنا لقراءة الكتب، واستنباط أفكار الآخرين الذين قد تشاطرهم الرأي أو قد تختلف معهم في أفكارهم، كما أن القراءة لها دور كبير في الإطلاع على ثقافات الأفراد والمجتمعات التي نسمع عنها، أو التي يأتينا صوتها البعيد عن طريق آليات الإعلام السمعي البصري ومواقع التواصل الإجتماعي.

لقد تجولت في كتب متعددة لأدباء وخبراء وأساتذة غربيين خاصة الأمريكيين منهم، وجدتهم يركزون على التخطيط، والبرمجة، والدراسة، و رسم برامج للتنفيذ على المستوى القريب والمستوى البعيد، يبدعون في دراسة طبائع الإنسان، يبدعون في تقييم مردودية الإنسان، يركزون على الإنتاج الذاتي، واستقلالية القرار، كما أنهم متحررين من القيود الدينية أو يمكن القول لا وجود للدين على المستوى المهني، يعتمدون على تدبير حياتهم بالعقل وأهم مصدر يركزون عليه يرجع بالأساس إلى القانون الوضعي، أما الدين بالنسبة لهم يتجلى في طلب المغفرة من الله بوساطة الكنيسة، يغيب عندهم الدين في التدبير سواءا على مستوى الأسري أو المهني، كل شيء يتم تدبيره وفق العقل، والمنطق، والتخطيط، والتنفيذ، وما أعجبت به عملية إشراك الجميع في اتخاذ القرار، الديموقراطية حاضرة حتى في مؤسساتهم الصغيرة، كمؤسسة الأسرة.

إن الغرب لا يؤمنون بالقدر والقضاء، بل يؤمنون بأفكارهم وبالعمل، يطبقون أفكارهم على أرض الواقع وينتظرون النتائج وفق دراسات مسبقة، أضف إلى هذا لا تعجزهم الظروف بل يعملون على المدى البعيد، يعملون من أجل تحقيق أهدافهم وأحلامهم حتى وإن اقتضى ذلك مزيدا من الوقت، لذلك كن دائما طموحا وصبورا واعمل من أجل هدفك سواء كان مشروع زواج، أو مشروع تجاري، مشروع دراسي، مشروع علمي، أو مشروع فني، أو مشروع رياضي، ما دمت حيا تتنفس اعمل انطلاقا من موقعك، لا تؤخر إلى الغد، أو إلى السنة المقبلة.

يجب أن نبدأ العمل، ولو اقتضى الأمر بيع بيضة واحدة في اليوم، لكن يجب أن تنهض من سباتك، لتربح درهم البيضة، انهض من خمولك العقلي، انهض من سباتك إنك قادر أن تعمل وتتعلم، باستطاعتك أن تمضي نحو هدفك الدنيوي، ينقصك العزم والإرادة وحب العمل، وطموح يشعل رغبتك، المشكلة ليست في العرب أو المسلمين !!!

مشكلاتنا في مغالطات وقيود وهمية يتم إقفال بها عقولنا عن طريق البرامج التعليمية والعادات والتقاليد والأعراف، هيا تحرر من القيود والرواسب، هنا أتذكر ضيق الفكر والإنغلاق عن الذات الذي يسود في الريف شمال المغرب، عادات وتقاليد وأعراف لا مجال فيها للحوار والعاطفة داخل الأسرة الصغيرة وعلى مستوى المجتمع.

ومن القيود التي كان يرسمها لنا البعض مثل عبارات “انفصل عن الدراسة” أو”لن تجد عملا” أو “لن تجد وظيفة” أو “ستبقى متشردا” لكن هذا الإنس الذي يتحدث معي ألا يعلم بأن الله يرزق من يشاء بغير حساب، ولقد كان هذا رجلا متدينا يغترف من الوهابية، لقد تعرضنا للتطرف من بعض البشر في طفولتنا.

كانوا يتحدثون معنا بدون علم ولا فهم، كانوا يتحدثون بثقافة الخرافات المتوارثة عن المجتمع.

إذا كان الغرب يركزون على الجانب المادي كأساس للحياة اليومية، فنحن المسلمين واجب علينا البحث عن التوازن في حياتنا لأن وجهتنا لا تقف عند مشروع تجاري أو بناء منزل، إننا بصدد بناء آخرتنا، الطريق شاق وطويل، إنه الطريق إلى الله، الطريق إلى الآخرة، العمل على التوازن في حياتك بين الدنيا والآخرة، آداء واجباتنا الدينية ترافقها واجباتنا الدنيوية، كما نعمل لتحقيق مشاريع على المستويين القريب والبعيد في دنيانا، يمكن لنا أن نركز على مشروعنا الأخروي بل هو جوهر وجودنا على الأرض، نحن هنا لعبادة الله عز وجل، المشروع الأخروي يعتبر مشروع حياة بأكملها، هنا أتذكر أحد الأصدقاء كان يشتكي لي في العمل يقول لي متى سنصلي في المسجد؟ متى سنكثر الخطى إلى المسجد؟ متى سنصلي الجمعة في المسجد؟

هذه الأسئلة كان يطرحها بحجة أن العمل منعه من آداء فريضة ومنعه من آداء نوافل، لكن هذا ليس مبررا ولا يمكن أن نضع مبرارات في مثل هكذا الظروف، لماذا؟
الله عز وجل منح لعباده رخص، والنية أبلغ من العمل، أضف إلى هذا ظروفك قد تكون أفضل بكثير من المسلمين الذين يخفون اسلامهم خوفا من الإضطهاد والتعذيب.
وهناك مسلمين في المعمورة محرومون من أداء صلواتهم في الجماعة ومحرومون من صلاة الجمعة، كما أنه تمنح لك الفرصة في بعض الأحيان للذهاب إلى المسجد لآداء صلاة الجمعة.

نحن في العمل ظروفنا من الناحية الدينية أفضل بكثير من بعض مقرات العمل، إننا نتوضأ بالماء الساخن صيفا وشتاء، كما أن قاعات الصلاة دائما تفتح في وجه عامة الناس دون قيود، جميل جدا أن تجد مسجدا ومكان للوضوء قرب مقر العمل، إنك تعمل على التوازن دين ودنيا.

كان سيدنا علي رضي الله عنه يقول : اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا، و اعمل لآخرتك كأنك تموت غدا.

يجب علينا أن نعمل من أجل تحقيق العيش الكريم، العمل من أجل تطوير وسائل عيشنا، العمل من أجل بناء دنيانا التي فيها معاشنا، العمل للحصول على خبزة دافئة، وكوب لبن بارد، عفوا العمل من أجل الحصول على طبق كسكس، كان يقال لنا اعمل لتجد طعاما تسد به رمقك !!!

لماذا لم يقال لنا اعمل لتحسين مهاراتك العلمية؟ اعمل لأجل تطوير مستواك المعرفي؟ اعمل لتنفع الناس؟

لهم أعذارهم لأنهم كانوا يعملون من أجل الخبز، كانوا يجاهدون للحصول على خبزة دافئة لسد الرمق، كانوا مبرمجين على طلب العيش فقط، إنه أمر مؤلم أن تجد نفسك في صراع من أجل الطعام، لكن الحياة لا تختصر في طعام وسرير للنوم، الدنيا التي فيها معاشنا تحتاج منا الإبداع والإبتكار والإختراع في مجالات متعددة.
لهذا واجب عليك استمرارية العمل من أجل تحسين مهاراتك العملية، وقدراتك الفكرية، العمل لأجل تحويل حياتك إلى عطاء مستمر، عطاء على المستوى الأسري، وعلى المستوى المهني، وعلى مستوى المجتمع، واعمل لتخرج نفسك من ضيق الدولة إلى سعة دولتك، ابني لك دولة فأنت بنك من القدرات والمهارات التي يمكن أن تعطي لنا رغم سنك المتقدم، لهذا حاول فأمامك فرص كثيرة في هذه الدنيا الفانية، بينما أنت الإنسان ستعود في الآخرة، إنك تمضي نحو حياة أخرى أفضل بكثير من هذه الحياة التي تعيش هنا، لا تيأس إنك في الطريق الصواب، رغم كل ما نعيشه من ألم، وليس فينا على وجه الأرض من لا يتألم، الناس كلهم يمرون في طرقات ضيقة في مسيراتهم نحو الآخرة، لكن تبقى الحياة جميلة تستحق أن نعيشها، وهنا نتذكر حال رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بشره على وجهه وحزنه في قلبه، لذلك حاول دائما أن تبتسم، التبسم في وجه أخيك صدقة.

أثناء البناء الدنيوي واجب علينا أن لا ننسى فرائضنا الدينية، يجب أن لا نغفل عن صلواتنا الخمسة،

الحياة قائمة على التوازن بين الدنيا والآخرة، كما أن دنيانا جسر نحو بناء آخرتنا.

أداء واجباتنا الدينية يعد أهم ما نقوم به في يومنا،

وهذا ما نجده غائب عند الغرب، لا يهتمون بالروح، الجفاف الروحي والفراغ الروحي يؤدي إلى الإلحاد والإنتحار، لذلك نجد الفراغ الروحي في الدول الغربية يتسبب في الإنتحار، في الغرب الإنسان بدون وجهة حقيقية، تنتهي آمالهم عند مادياتهم الدنيوية !!!

التخطيط والدراسة والعمل لأجل بناء الدنيا، وتحقيق أهداف دنيوية، لا تثنينا عن هدف الآخرة التي إليها معادنا، والتي فيها ستبدأ حياتنا الأبدية.
رزقنا الله وإياكم خير الدنيا والآخرة .. آمين يا رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *