مجتمع

خطوات ذهبية من علم النفس للتغلب على عاداتك السيئة

حين نرى النّاسَ مِن حَولنا يحقّقون نجاحاتٍ متعدّدة في حقولٍ مختلفة، نشعر بعبءٍ أكبر لكي نقوم بفعلٍ ما لأنفسنا؛ لكي ننجح ونحقّق ما يحقّقه الآخرون. ومن الصحيح أن آليات “المقارنة الاجتماعية” تلعب دورًا أساسيًّا في المساهمة في خلق اضطراباتٍ نفسية كالقلق والاكتئاب، إلّا أنّ “المقارنة الاجتماعية” في حدّها الطبيعيّ أداة نفسية وتطوّرية مهمّة لنا نحنُ البشر؛ تحفّزنا وتدفعنا لتطوير أنفسنا والتقدّم من مَواقعنا الحالية إلى مواقعنا المُستقبلية.

في سعيكَ المُستمرّ لتطوير نفسك، قد تقرّر مثلًا أنّك بحاجة إلى الإقلاع عن التدخين، أو لعلّك قد عزمتَ منذ أشهرٍ على إنهاء رواية كنتَ قد تحمّست لقراءتها وأَوصى بها أصدقاءُ كُثُرٌ، ولكنّك للآن وحتّى هذه اللّحظة لَم تقرأ منها سوى عشر صفحات. وقد تكون على قناعة تامّة بأنّك بحاجة إلى فقدان بضعة كيلوجرامات من وزنك الزائد، أو أنّك تتمنّى لو أنّ لكَ هذه القدرة على الالتزام بالتمارين الرياضية لكي تبني جسدًا متناسقًا وجذّابًا. مع هذا كلّه، ورغم رغبتكَ الشديدة في فعل هذا كلّه، ورغم نيّتك وإقدامكَ على فعل هذا؛ فإنّك تفشل في تحقيق أي تقدّمٍ مَلحوظ.

لا بأس، فهذا يحدث مع معظم النّاس، ويأتي هذا المَقال لكي يشرح الأسباب العلمية الكامنة وراء هذا التناقض السلوكيّ بين ما نرغب به وبين ما نفعله على أرضِ الواقع، وفي الوقت نفسه ستجد، خلال قراءتِك، بعض النصائح التطبيقية بحسب أهمّ الأبحاث العِلمية في حقل علم النفس السلوكيّ والمعرفيّ، وبحسب نظريات التحفيز والتقويم السلوكيّ، التي نأمل أن تساعدك على الإنجاز والالتزام بالعادات الإيجابية.

ما يجب أن تعرفه

أبسط طريقة لكي نفهم الأسباب التي تمنعنا من تحقيق كلّ ما نريد بمجرّد إرادتنا ورغبتنا بتحقيق شيء ما، هي أن نسأل السؤالَين الآتيَين: لماذا لا نحقّق كلّ ما ننوي فعله؟ وما العلاقة أساسًا بين الرغبة والسلوك؟

يستخدم الباحثون مصطلح “فجوة النيّة-السلوك (Intention-Behavior Gap)” للإشارة إلى الفرق العملي بين مخطّطات النّاس وأفعالهم في الواقع، أي هذا الفرق بين رغبة الإنسان وبين ما يفعله على أرض الواقع. ثمّة فجوة دائمًا يمكنكَ ملاحظتها في سلوكيات أصدقائك وفي عائلتك وفي نفسك، هناك دائمًا عادةٌ نريد التخلّص منها ولكنّنا لا نستطيع، وهناك مهارات كثيرة نرغب في تعلّمها لكنّنا لا نبذل أي جُهد لتعلّمها.

يعتقد الباحثون في علم الاقتصاد السلوكيّ أنّ النوايا لا تعطي مُؤشّرًا دقيقًا على سلوكيات النّاس، وإنّما تعطي مَلمَحًا أوّليًّا لا يلزم منه التطابق على أرض الواقع بالضرورة. وهذه الفجوة تحضر بشكلٍ عالٍ في المجال الطبّي، حيث إنّ العديد من المَرضى يَعِدُون الأطباء وبكامل اقتناعهم بضرورة تغيير نمطهم المَعيشي الضارّ إلى نمط معيشي أكثر صحّية ونيّتهم الجادّة حِيال هذا التغيير، ولكنّ عددًا قليلًا جدًّا من النّاس مَن يفعل ذلك.

لماذا يحدث هذا؟

ما الذي يُعيق تطابق النيّة والسلوك لدى جزء كبير من البشر؟ وما الذي يحول بين الرغبة الداخلية والتطبيق على أرض الواقع؟ لكيّ نفهم هذا، علينا أن نفهم كيف تجري عملية اتّخاذ القرارات السلوكية داخل الدماغ.

تكمن المشكلة الأساسية -كما تُشير الدراسات في علم النفس- في أنّ الذي يحكم السلوك البشري وقرارت النّاس أكثر من مجرّد العقل الواعي، وأكثر من مجرّد إرادتهم. ثمّة حمولة جينية وتاريخية طويلة تضرب في عمق التاريخ، ثمّة ممارسة بشرية قديمة وخبرات سلوكية توارثتها الأجيال البشرية عن طريق الجينات تُسهِم في السلوك البشري، كما أنّ العقل البشري تحكمه العديد من الانحيازات اللاواعية التي تطوّرت عبر التاريخ لحماية الإنسان ولإبقائه على قيد الحياة، وبمعنى أكثر اختصارًا، فإنّ الإنسان في اللحظة الحالية يُسهم في تكوين قراره جزءٌ واعٍ وجزءٌ كبير غير واعٍ من الضغوطات النفسية والانحيازات الإدراكية التي تتداخل في تأثيره على قراره.

يُفسّر النموذج المهيمن في علم النفس السلوكي والمعرفي هذا أيضًا، فـ”دانيال كانمان” الذي حصل على جائزة نوبل في الاقتصاد لإيجاده نموذجًا تفسيريًّا يُفسّر آليات اتّخاذ القرار عند البشر عن طريق تفسيره لما يحصل داخل العقل البشري، يساعدنا في فهم هذا. لدى البشر نظامان إدراكيان:

  • أحدهما النظام الأوّل (التلقائي)

وهو النظام الغريزي والعفوي والبسيط الذي لا يحتاج إلى بذل جهد ولا إلى تحليلات عقلية، تنطوي فيه العادات السلوكية، نظام غير واعٍ يساعدنا على أداء وظائفنا اليومية بتلقائية ودون تفكير أو جهد، ومليء بالانحيازات الإدراكية والضرورات البقائية.

  • والنظام الآخر هو النظام الثاني (الواعي)

يتطلّب وقتًا أطول ويستنزف جُهدًا أكبر ويحتاج إلى تحليل منطقي ووعي، وهو أقلّ حضورًا وأقل استدعاءً خلال الحياة اليومية. يُشير “كانمان” إلى أنّ البشر قليلًا ما يفرضون على أنفسهم استخدام النظام الثاني، وأنّهم يعتمدون في حياتهم اليومية على النظام الأوّل العفوي والتلقائي وغير الواعي لتقليل التوتّر الداخلي وتوفير الطاقة وتقليل عناء التفكير وبذل الجهد الذهني والتحليلي.

بحسب هذا النموذج، فإنّنا نتمسّك بالعديد من العادات السيئة ونتخلّى عن العديد من الأهداف الإيجابية والرغبات الهادفة؛ لاستحكام النظام الأوّل على حياتنا اليومية، ولتنازل البشر عن تفعيل النظام الثاني والذي يتطلّب مناكفة وممانعة ويستهلك وقتًا وجُهدًا وطاقة أكبر.

ماذا أفعل وكيف أحقّق ما أريد؟

  • أولًا: لا تُخبر أحدًا بنواياك، الكتمان شرط للإنجاز

ثمّة مقولة شائعة في الثقافة العربية، قد تُنسَب إلى النبيّ الكريم بوصفها حديثًا، تقول: “استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان”، وبالفعل تُشير العديد من الدراسات إلى أنّ إخبار النّاس بالنوايا قبل تحقيقها أدعى لعدم تحقّقها. لكنّ الفرق الرئيسي بين التداول الشعبي لهذه المقولة وبين ما يخبرنا به العلم يكمن في تعليل الفشل في تحقيق الأهداف بعد إخبار النّاس بها.

لا تذهب الدراسات إلى تفسير عدم تحقّق الأهداف والفشل بالإنجاز إلى جهة الحسد أو العين، أيّ أنّ الدراسات لا ترى مصدر هذه الإعاقة مصدرًا خارجيًّا، لكنّها تُثبت أنّ مصدر هذه الإعاقة يكون ذاتيًّا وداخليًّا. إذ إنّ ما يحدث فعليًّا حين تخبر أصدقاءك بما تريد تحقيقه، هو أنّ كثرة الحديث وكثرة تخيّل الهدف تُشعر الإنسان بشعور مخادع ولذيذ يُساعد في إفراز هرمون الدوبامين، والذي يُفرَز في العادة عند شعور الإنسان بالإنجاز.

من هنا، فإنّ ما يحدث فعليًّا هو أنّ الدماغ يشعر كما لو أنّ الهدف قد تحقّق بالأساس، ويُكافئ صاحبه على ذلك بإشعاره بنشوة التحقيق بمجرّد إخباره لمَن حوله برغبته في تحقيق ذلك؛ لأنّ ما يحدث عادةً حين تخبر أحدهم بطموحك وأهدافك العظيمة هو أنّ الناس سيُثنون عليك وسيمدحونك ويقولون عبارات تشجيعية وإيجابية تجعلك تشعر بالسعادة وبنشوة حقيقية، وهو ما يخدع العقل، ويشعر كما لو أنّ الهدف تحقّق فعلًا؛ فتفقد الحافزية والدافعية لإنجازه، لذلك إذا أردتَ تحقيق أمر ما فلا تخبر به أحدًا حتّى تحقّقه، أو أَخبِرْ به أقلّ عدد ممكن من الأشخاص إن كان لا بدّ من إخبار أحدهم، فإنّ هذا من شأنه أن يُقلّل من فُرَص تقاعسك عن أدائه.

  • ثانيًا: مجرّد تدوينك لعاداتك السيئة كفيل بتقليصها

قد تبدو هذه النصيحة غريبة، لكن تُشير الدراسات إلى أنّ مُجرّد تدوينك لعاداتك السيّئة فور حدوثها أو في نفس يوم حدوثها كفيل بمقاومتها. يحدث هذا لأنّك تمارس العادات بتلقائية وبلا وعي، ولكنّك حين تتناول دفترك في كلّ مرّة تُقْدِم فيها على عادة ما وتدوّنها، فإنّك تصير أكثر وَعيًا بحدوثها، وتنقلها من حيّز العادات اللاواعية إلى حيّز الأفعال المرصودة والواعية. أضف إلى هذا أنّك قد تقوم ببضعة تجاوزات صغيرة خلال يومك، لكنّك حين تقوم بتدوينها جميعًا، ستراها مجتمعة، وبدلًا من أن تكون مجرّد تجاوز صغير في وجبة صغيرة مثلًا أو سيجارة واحدة فقط، ستجد في نهاية اليوم أنّك تناولت العديد من الوجبات الصغيرة والعديد من السجائر؛ فتصير أكثر وعيًا بحجمها مجتمعة ومتراكمة.

 

لذلك، كل ما عليكَ فعله هو أن تُبقي في جيبك دفترًا صغيرًا، وأن تدوّن كل تجاوز سلوكيّ ترغب في التخلّص منه، فور حدوثه، اكتب العادة ووقتها ومكانها وشعورك الذي سبق قيامك بها (الساعة 3:10 مساءً تناولت سيجارة؛ لأنّي كنت أشعر بالقلق من تكليف وظيفي أوكله إليّ مُديري في العمل)، وهكذا، لأنّ هذا سيُساعدك على رؤية أنماط سلوكية، مثل اقتران القلق لديك بتدخين السجائر، واقتران الشعور بالفراغ بتناول الطعام غير الصحّي.

المصدر: الجزيرة نت

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *