منوعات

المقلوبة.. الأكلة الفلسطينية المقاومة التي ترهب إسرائيل

بمجرد أن تعد أكلة فترهب بذلك عدوا، سيكون هذا مشهدا مثيرا في فيلم خيال علمي. لكن أكلة “المقلوبة” الفلسطينية ترهب بالفعل إحدى أقوى جيوش الاحتلال العالمية.

وإعداد المقلوبة يعتبر أخطر اللحظات التي تخشاها عناصر الاحتلال الإسرائيلي، فما سر هذه الأكلة؟ هل في مكوناتها؟ أم في طريقة تحضيرها؟ أم في طريقة وطقوس أكلها؟ أم في حمولتها التاريخية وما تمثله للشعب الفلسطيني من رمزية نضالية وتاريخية؟

تقول الحكاية الشعبية المتوارثة، حسب الجزيرة نت، إن أهل القدس أكرموا القائد صلاح الدين الأيوبي بعد فتحه القدس، وقدموا له طبقا شعبيا اسمه “الباذنجانية” يتكون من الخضار والباذنجان، فأعجب بطريقة تقديمه وقلبه، وتساءل عن تلك الأكلة “المقلوبة” فاعتمد الاسم الصلاحيّ بعدها، وعُرفت بالمقلوبة إلى يومنا هذا.

وحسب نفس المصدر، يورد الباحث في التراث الفلسطيني حمزة العقرباوي هذه الحكاية، مبينا للجزيرة نت أن لا أدلة تنفيها أو تثبتها، ولا يُعلم بالضبط متى ظهرت أول مرة، لكن الثابت لدى المهتمين والباحثين في الطعام أنها طبق قديم، بدليل إشارة المصادر التاريخية خلال العهد الأموي والعباسي إلى وجود الأرز في أطباق القدس وبلاد الشام، وهو المكون الأساسي للمقلوبة.

في البدء كان الباذنجان

والمقلوبة طبق فلسطيني رائج رئيسي، إلى جانب المفتول والمسخن والمنسف، وتتكون من الدجاج والأرز والقرنبيط أو الباذنجان، بينما تختلف مكوناتها حسب الذوق المناطقي والفردي، ليستبدل الدجاج أحيانا بلحم الخروف أو العجل، وتضاف البطاطا أو الجزر أو البندورة، وفي أحيان أخرى الفول الأخضر والحمص والشعيرية.

“في البدء كان الباذنجان، ثم أضاف إليها الفلسطيني ما استحب من مكونات حديقته” يقول العقرباوي ذلك مشيرا إلى احتواء المقلوبة قبل الأرز على البرغل أو الفريكة، لكن الأرز ترأس عرش المقلوبة بعد رواجه في الأرياف والقرى، وتداول الأمثال الشعبية مثل “العز للرز والبرغل شنق حاله، صحن الرز بارِك (متربع) بالنص”.

وعدا اشتهار المقلوبة في أيام جُمَع المقدسيين واجتماعهم، كانت الطبق الأكثر تداولا على موائد الصائمين الرمضانية في المسجد الأقصى، حيث سادت صورهم وصور موائد المبعدين عن المسجد الأقصى الكائنة على أبوابه.

لماذا المقلوبة وكيف استخدمها الفلسطينيون سلاحا ضد الاحتلال بالقدس؟

المقلوبة طبق سهل التحضير، شهيّ الطعم، غنيّ بالمكونات، جميل المنظر، تتمازج مكوناته بانسجام في قدر (طنجرة)، ويتبارز معدوه بإتقان قَلبِه في طبق منبسط (صينية-سدر) حيث لا تلتصق مكوناته في قاع القدر، وتنزل وحدة واحدة متخذة شكل القدر بحبات أرز ذهبية يمنحها الزيت لمعانا، ويزيدها اللوز أو الصنوبر المقلي جمالا ولذة.

ويرى الباحث رمزية المقلوبة في كونها طبقا لا يؤكل إلا جماعة، تجتمع حوله العائلة مستحضرة إرثها وعاداتها المطبخية الشعبية، إضافة إلى منحها البعد التاريخي وربطها بتحرير القدس وفاتحها الأيوبي، ويضيف أن تلك الرموز يوظفها الفلسطينيون في ثاني أقدس الأماكن الإسلامية، عبر نقطة ارتكاز المُقدّس في العقلية الشعبية الدينية الفلسطينية.

للمقلوبة رمزية مضاعفة

لذلك كان فعل طبخ أو أكل أو قلب المقلوبة، في القدس والمسجد الأقصى، يحمل معاني رمزية مضاعفة، وهذا ما استشعرته المقدسية المبعدة عن الأقصى هنادي الحلواني التي اشتهرت -إلى جانب رفيقاتها في الإبعاد خاصة خديجة خويص- بإعداد وقلب المقلوبة على أبواب الأقصى بعد إبعادهن عنه، وتحديدا في طريق المجاهدين قرب بابي الأسباط وحطة، حيث يواصل الاحتلال إبعادهن سنويا خلال شهر رمضان منذ عام 2015، بينما يواصلن الصلاة وإطعام المقلوبة للصائمين داخل وخارج الأقصى حتى اليوم.

تقول الحلواني للجزيرة نت إن الاحتلال أبعدها للمرة الأولى في رمضان عام 1436 هـ (الموافق تقريبا عام 2015 م) فأصرت على إكمال مخططها وإحضار طناجر المقلوبة وإدخالها للصائمين في المسجد الأقصى، أما هي فجلست قرب باب السلسلة وقلبت مقلوبتها وسط دهشة من جنود الاحتلال وشرطته.

مئات طناجر المقلوبة حضرتها هنادي ورفيقاتها المبعدات على مدار 7 سنوات من الإبعاد، وتبين الحلواني أن المقلوبة سميت في القدس “طبخة النصر” وأنها “اسم على مسمى، فهي تقلب قرارات الإبعاد بحقنا، حيث استطاع الاحتلال إبعادنا جسدا، لكن روحنا وعملنا ما يزال معلقا بالمسجد”.

الرباط بإبداع

“بالمقلوبة نرابط بإبداع، في القدس لا نستطيع امتلاك سلاح في وجه المحتلين، فابتكرنا أسلحة أخرى، وحين أطبخ المقلوبة أضع توابل الصمود والثبات، وأطهوها بنية مراغمة المحتل، وإيصال صوت المبعدين لكل العالم، المقلوبة ليست غاية بل وسيلة” بهذه الكلمات وصفت الحلواني المقلوبة، قائلة إن مائدة المقلوبة تجتمع حولها أحاديث الرباط ومغامرات دخول القدس وأشواق المبعدين.

وتبين المبعدة خديجة خويص للجزيرة نت أبرز أهداف “المقلوبة” والتي تتمثل في تفطير الصائمين، وحشد الناس في الأقصى، وإبراز صورة جمالية فيه خصوصا لمن هم خارج فلسطين، وإعادة الدور الريادي للأقصى الذي لا يقتصر على الصلاة أو القرآن الكريم، بل على الأنشطة الاجتماعية التي لا تتنافى مع قدسية المسجد. عبرت القارات واستجوب المحتل معديها في غرف المخابرات.. كيف غدت “المقلوبة” سلاحا نوعيا في القدس؟

اسم على مسمى

وتضيف خويص “اخترنا طبخة المقلوبة وورق العنب (الدوالي) لما فيها من مظهر القَلب، التي يمكن قلبها بسهولة مقارنة بغيرها من الأكلات، وهي قلب الطاولة على رأس العدو”. وللمفارقة فإن الاحتلال منعنا مرات عديدة من إدخال طبخة المقلوبة إلى المسجد الأقصى معتبرا إياها نوعا من أنواع دعم الرباط والمرابطين، وحقق معنا حولها في أقبية التحقيق لزعمه أنها تساهم في التحريض عليه”.

تختم المبعدتان عن الأقصى أن قلب المقلوبة لم يقتصر على شهر رمضان، بل تعداه إلى إفطارات صيام النوافل مثل الاثنين والخميس وبعض المناسبات الدينية الأخرى، كما عبرت المقلوبة القارات خارج فلسطين والمدينة المقدسة المحتلتين، فقلبتها الحلواني وخويص في تركيا، إندونيسيا، البحرين، الأردن، وغيرها من الدول التي قامتا بزيارتها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *