منوعات

حدث فضائي لإنقاذ البشرية.. اصطدام مبرمج بين مركبة فضائية وكويكب لتحويل مساره

ستكون البشرية جمعاء يوم الإثنين 26 سبتمبر (أيلول) 2022 على الساعة 19:14 بالتوقيت الشرقي (23:14 بتوقيت غرينتش)، على موعد مع حدث فضائي لم تشهد له في تاريخها مثيلا.

وكما سبق التطرق إليه في تقرير سابق لـ”العمق” حول الحدث المنتظر، يتوقع أن تقوم وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا”، بمهاجمة كُوَيكِب بالمركبة الفضائية “دارت” لمحاولة تحويل مساره وذلك في إطار برنامج يختبر قدرة البشر على حماية الأرض من دمار ناتج عن ارتطامها بكويكبات فضائية مستقبلا.

وبالطبع لا يمكن مشاهدة الحدث بالعين المجردة، فحتى هواة التصوير الفلكي قد يتمكنوا فقط من تصوير الومضة التي سيخلفها الاصطدام في تلك اللحظة، لكن كاميرات “ناسا” ستوثق تفاصيل الحدث وتنقلها في بث مباشر.

التقرير التالي الذي أعدته العمق اعتمادا على مصادر إعلامية مختلفة (اندبندنت عربية، الجزيرة نت، ناسا عربي) يقربكم من الحدث المنتظر، ويقدم تفاصيله ومراحله والإطار الذي يتم فيه، ويجيب عن سؤال مهم: هل تشكل عملية ناسا بالهجوم على الكويكب المعني أي خطر على الأرض؟

“لحظة مثيرة في تاريخ البشرية”

حسب “ناسا عربي” انطلقت مهمة اختبار إعادة توجيه الكويكب المزدوج (دارت) التابعة لناسا في الساعة 10:20 مساءً بالتوقيت المحلي ليلة الثلاثاء، 23 نوفمبر (1:20 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، أو 0620 بتوقيت جرينتش 24 نوفمبر) 2021 من مجمع الإطلاق الفضائي 4 في قاعدة فاندنبرغ للقوة الفضائية في كاليفورنيا.

وحسب نفس المصدر، انطلقت مركبة دارت على متن صاروخ فالكون 9، ومن المقرر أن تسافر ملايين الكيلومترات لتصطدم بكويكب في مهمة اختبارية.

ومنذ بدء رحلته العام الماضي يتجه مسبار “اختبار تغيير مسار الكويكب الثنائي- دارت” (DART)  نحو القمر “ديمورفوس” (قطره 163 مترا) والذي يدور حول الكويكب “ديدايموس” (قطره 780 مترا).

وحسب الجزيرة نت، استطاع مسبار “دارت” أن يلتقط صورة لكويكب “ديدايموس” لأول مرة في يوليو/تموز الماضي من على بعد 32 مليون كيلومتر، وها هو يقترب منه يوما بعد يوم.

وحسب نفس المصدر، سوف تستمر الكاميرا “دراغون” الموجودة على متن المسبار بالتقاط صورة للكويكب كل 5 ساعات على مدار الساعات المقبلة قبل موعد الاصطدام، وذلك كي تحدد المسار الأدق من أجل أن تصطدم بالكويكب القمر في المكان المحدد الذي سيؤثر على مداره.

وحسب أندبندنت عربي، تقترب المركبة “دارت” بسرعة من هدفها الذي ستضربه بسرعة أزيد من 23 ألف كيلومتر في الساعة. مما يؤدي إلى نقل طاقة حركية كافية من المركبة الفضائية التي يبلغ وزنها نحو 1200 رطل (544 كلغ) لتغيير مدار “ديمورفوس” بشكل ملحوظ.

وسيقوم قمر صناعي صغير يحمله “دارت”، وتم إطلاقه قبل الاصطدام بتصوير التأثير والتأثيرات اللاحقة مباشرة، بينما ستصل بعثة “هيرا”، التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية إلى “ديمورفوس” في عام 2026 لتقييم ما إذا كانت “دارت” قد غيرت مدار الكويكب.

ولا داعي للهلع، حسب نفس المصدر، فلا الكويكب “ديمورفوس” ولا الكويكب الأكبر الذي يدور حوله “ديديموس” يشكلان أي تهديد لأنهما يدوران حول الشمس على مسافة نحو سبعة ملايين ميل من الأرض في أقرب نقطة ( سيبلغ الكويكب أدنى مسافة له من الأرض في الخامس من أكتوبر/تشرين الأول القادم عند مسافة 10.66 ملايين كيلومتر). لكن وكالة “ناسا” اعتبرت أن من المهم تنفيذ هذه المهمة قبل أن تكون الحاجة إليها فعلية.

وقال المسؤول في قسم الدفاع الكوكبي في “ناسا” ليندلي جونسون، للصحافيين في مؤتمر الخميس (22 سبتمبر)، “إنها لحظة مثيرة ليس للوكالة فحسب بل أيضاً لتاريخ الفضاء وتاريخ البشرية”.

عملية الاصطدام التاريخي

وإذا سار كل شيء وفق المخطط، حسب أندبندنت عربية، فإن من المتوقع أن يحدث الاصطدام بين المركبة الفضائية والكويكب عند الساعة 19:14 بالتوقيت الشرقي (23:14 بتوقيت غرينتش). ويمكن متابعته عبر البث المباشر لـ”ناسا”

ومن خلال الاصطدام بـ”ديمورفوس”، تأمل “ناسا” في دفعه إلى مدار أصغر حيث توفر عشر دقائق من الوقت الذي يستغرقه للالتفاف حول “ديديموس” والذي يبلغ حالياً 11 ساعة و55 دقيقة، وهو تغيير سيكتشف بواسطة تلسكوبات أرضية في الأيام التالية.

وهذه التجربة ستجعل ما جُرِّب في السابق فقط في الخيال العلمي خصوصاً في أفلام مثل “أرماغيدن” و”دونت لوك أب”، حقيقة.

ومن أجل ضرب هذا الهدف الصغير، ستتوجه المركبة بشكل مستقل خلال الساعات الأربع الأخيرة من الرحلة، مثل صاروخ موجه ذاتياً.

وستلتقط كاميرتها المسماة “دراكو”، الصور الأولى للكويكب الذي لا يعرف شكله بعد (دائري أو مستطيل…) في اللحظة الأخيرة، بمعدل صورة في الثانية، وسيكون من الممكن رؤيته مباشرة على الأرض مع تأخير حوالى 45 ثانية فقط.

وبعد دقائق، سيمر قمر اصطناعي بحجم علبة أحذية يسمى “LICIACube” وانفصل عن “دارت” قبل أسبوعين، قرب الموقع لالتقاط صور الاصطدام والمواد المقذوفة، من صخور مسحوقة ألقيت بفعل الاصطدام. وسترسل صور “LICIACube” في الأسابيع والأشهر التالية.

هل من أجسام قريبة تهدد الأرض؟

ستراقب هذا حدث الاصطدام مجموعة من التلسكوبات، على الأرض وفي الفضاء، من بينها “جيمس ويب”، وقد تكون قادرة على رؤية سحابة غبار مضيئة.

وأخيراً، سيراقب مسبار “هيرا” الأوروبي المقرر إطلاقه عام 2024، “ديمورفوس” عن كثب في عام 2026 لتقويم عواقب الاصطدام وحساب كتلة الكويكب للمرة الأولى.

ويُعتبر عدد قليل جداً من مليارات الكويكبات والمذنبات الموجودة في النظام الشمسي الذي تنتمي إليه الأرض، خطيراً على كوكب البشر ولن يكون أي منها كذلك في السنوات الـ100 المقبلة.

إلا أن كبير العلماء في “ناسا” توماس تسوربوخن قال، “أضمن لكم أنه إذا انتظرتم مدة كافية، سيكون هناك جسم ما”.

ورُصد حتى الآن حوالي 30 ألف كويكب من كل الأحجام قرب الأرض، تطلق عليها صفة أجسام قريبة من الأرض، أي أن مدارها يتقاطع مع مدار كوكب البشر. ويعثر على حوالي ثلاثة آلاف نوع جديد كل عام.

ووفقاً للعلماء، رصدت كل الكويكبات التي يبلغ طولها كيلومتراً أو أكثر بشكل شبه كامل. لكنهم يقدّرون أنهم لم يرصدوا إلا حوالي 40 في المئة من الكويكبات التي يبلغ مقاسها 140 متراً أو أكثر، وهذه لديها القدرة على تدمير منطقة كاملة.

وحسب “ناسا بالعربي” قام العلماء إلى حدود الآن بتصنيف 90% تقريباً من جميع الكويكبات القريبة من الأرض والتي يعادل حجمها حجم الكويكب الذي أدى لانقراض الديناصورات قبل ملايين السنين، وذلك وفقاً لكريستينا توماس Cristina Thomas، رئيسة مجموعة رصدية ضمن مهمة دارت. مع ذلك، لا يزال هناك العديد من الصخور الفضائية الأصغر التي لم تُحدد بعد.

وإذا أخطأت “دارت” هدفها، سيكون لدى المركبة كمية وقود كافية لمحاولة أخرى في غضون عامين. لكن إذا نجحت، ستكون خطوة أولى نحو عالم قادر على الدفاع عن نفسه من تهديد وجودي في المستقبل، كما قالت نانسي شابوت من مختبر الفيزياء التطبيقية في جامعة جونز هوبكنز.

تصوير الاصطدام فرصة لا تعوض

حسب الجزيرة نت، يترقب هواة التصوير الفلكي الحدث بفارغ الصبر، إذ من المحتمل أن يتمكنوا من تصوير الومضة التي سيخلفها الاصطدام في تلك اللحظة، وهو تحد ينتظر المصورين الذين سيبحثون عن سماء صافية نقية ليحصلوا على تلك اللقطة التي ستكون نتاج تركيب عدد كبير من الصور المتتالية والمعالجة رقميا والتي سيتم التقاطها من وراء عدسات التلسكوبات التي لا يقل قطر مراياها عن 20 سنتيمترا.

وحسب نفس المصدر، سيكون موقع الاصطدام في كوكبة النهر أسفل الجوزاء (الجبار) في النصف الجنوبي من السماء، مما يصعب عملية تصويره لسكان خطوط العرض الشمالية.

أما الدول الواقعة أسفل خط 25 عرض شمالا، حسب نفس المصدر،  فستكون قادرة -في حال صفاء السماء وتوافر الإمكانات- أن ترصد هذا الحدث، وسوف تحظى بعض الدول العربية بهذه الفرصة، حيث سيعمل مصورو الفلك على التقاط صورة للاصطدام الذي سيلمع لفترة وجيزة بعد وصول الضوء إلى الأرض من خلال تقنية التصوير الفلكي المحترف، وسيتم التقاط عشرات وربما مئات الصور التي سوف تدمج معا لإخراج صورة واحدة نهائية خالية من التلوث الضوئي ومن جميع التأثيرات السلبية للكاميرا من جهة وللغلاف الجوي الأرضي من جهة أخرى.

ولأن سرعة الضوء محدودة -رغم أنها السرعة القصوى في الكون (300 ألف كيلومتر في الثانية) – فإن شعاع الضوء الناتج عن الاصطدام سوف يستغرق 45 ثانية بعد لحظة الاصطدام كي يصل الأرض، فالمسافة الفاصلة بين الأرض وبين الكويكب تعادل 15 مليون كيلومتر أو 0.1 وحدة فلكية (المسافة بين الأرض والشمس).

ولمتابعة أحداث هذا الاصطدام توفر وكالة ناسا قناة للبث المباشر عبر تلسكوبات أرضية ستقوم برصد هذا الاصطدام وتصويره للجمهور على القناة.

وفي قطر وبعض البلدان العربية سيقوم هواة التصوير فجر يوم 27 سبتمبر/أيلول الجاري بالتقاط صور للحدث من خلال كاميرات احترافية مركبة على عدسات مجموعة تلسكوبات محوسبة تتابع حركة النجوم.

زخة شهب جديدة

وحيث إن هذا التصادم سيحدث قريبا من مدار الأرض حول الشمس فمن المحتمل أن ينتشر غباره في الفضاء ليتقاطع مستقبلا مع الأرض أثناء دورانها حول الشمس، مما يولد زخة شهب جديدة تشاهد خيوطها الضوئية لامعة في سماء الأرض في نفس اليوم من كل سنة.

ولأنها ستكون زخة جديدة فمن المحتمل أن تكون شهبها لامعة ومميزة، ومن المبكر إطلاق اسم عليها، فذلك مرتبط بخلفية النجوم التي سترى أنها تدخل إلينا منها.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *