منتدى العمق

المسيرة.. أو الشعب اللافيسبوكي

وصفها كثيرون بأنها مسيرة العار، وآخرون بورقة التوت الأخيرة التي سقطت فأبدت عورة المخزن، عورة ديمقراطية هشة لو صرف عليها عشر ما صرف في تلميعها خارجيا لكان حقا لنا مسمى الاستثناء. هي إذا مسيرة الأحد، مسيرة العمقين، فكان الداعي عمق الدولة وكان المدعو عمق المجتمع الذي لم يخطئ موعدا كان قد دعي إليه.

أبدى الكثيرون استغرابهم لما آل إليه الوضع الديمقراطي في المغرب بعد تبجحنا بالاستقرار في منطقة ملغومة أمنيا وساخنة سياسيا، لكن السليم هو أن نستغرب استغراب المستغربين من المسيرة، لسبب بسيط هو أن المعطيات الموضوعية والإجراءات المتخذة منذ التصويت على دستور2011 لم تكن لتقطع مع وضع ما قبل من العشرين من فبراير بل تركسه بنوع من العقلانية الخبيثة وذلك إما بإعادة توزيع أدوار من رفع الشباب صورهم في العشرين من فبراير أو بتهجيين من كانت لهم الجرأة الحديث بنبرة تزعج هرم السلطة آنذاك. هذه المعطيات كلها كانت تؤشر بما لا يدع مجالا للشك أننا في اتجاه انتكاسة ديمقراطية لم يكن أدنى المتشائمين خلال الحراك الفبرايري يتوقع أن تكون بهذا الحجم، وما مسيرة الأحد إلا عرض من أعراض هذه الانتكاسة، والقادم من الأيام سيتكفل بإظهار ما خفي طيلة الخمس سنوات الماضية.

في ظل هاته الإشارات والمعطيات التي لا يمكن أن نلتقطها إلا بنوع من السلبية والإحباط، لا ينبغي أن نغفل عن بعض النقاط التي بإمكانها أن تشكل طوق النجاة للديمقراطية المغربية ولو بعد حين. من بين هاته الإشارات، الفئة التي استهدفتها السلطات قصد انزالها للشارع، بغض النظر على أنها فئة غير متعلمة، هي فئة غير مرتبطة بالأنترنيت وتحديدا بالفضاء الأزرق “الفيسبوك”، فكما هو واضح من خلال الشهادات، العديد من المشاركين في المسيرة المشؤومة ليسوا على دراية ببعض الموجات الفيسبوكية كمثل شابة تحمل لافتة القباج مشطب عليه وهي لا تدري اسمه، وآخرون يحملون صورة مركبة لمولاي عمر بنحماد وفاطمة النجار وهم لا يعلمون شيئا عن الموضوع، في حين أن الارتباط بالعالم الأزرق لا يجعلك تبحث عن المعلومة بل يجعلك هدفا لها بشقيها الجدي والهزلي. ولتأكيد ذلك، فالرجوع إلى الكيفية التي انطلقت بها المسيرة يؤكد أن من كان وراءها لم يكن يسعى لإنزال من يرتبطون “بالفيسبوك”، فحدث الفيسبوك المتعلق بالمسيرة لم ينشئ إلا ليلة ونصف ليلة قبل انطلاقها، مع أن القاعدة تقول بأن الدعاية الحديثة تمر كلها عبر وسائل
التواصل الاجتماعي، ولو أنشئ قبل ذلك لوئدت المسيرة قبل نشئتها ولسقط القناع لحظتها عمن يقف وراءها ولو كان قد سقط عنه بعد حين.

إن المواجهة السياسية المباشرة مع قوى النكوص والرجعية السياسية قد أتبتت فشلها في مجموعة من المحطات لا لشيء إلا لأن الملعب الذي يحتضن اللعبة السياسية غير محايد، فكثيرا ما يجري أن تلعب القوى الوطنية في ملعب قوى النكوص ضف إلى ذلك أن الحكم الذي يدير اللعبة هو طرف فيها، وبالتالي كان لزاما على كل غيور على المسار الديمقراطي في المغرب البحث عن ملعب جديد للعبة ولو كان وهميا في انتظار جعله ماديا ملموسا. اليوم وبعد المسيرة “الفضيحة”، أمكننا القول بأن الفضاء الأزرق بإمكانه أن يكون قلعة يتنفس فيه رواد الديمقراطية نسيم الحرية. وإذ يشهد اليوم على أولى الانتصارات لابد من جعل الفيسبوك خاصة والأنترنيت عامة حقا دستوريا لكل مواطن مغربي، فكما قمنا في السابق بإنجاز البرنامج الوطني لكهربة العالم القروي، أعتقد أننا اليوم في أمس الحاجة إلى برنامج وطني “لفسبكة” العالم القروي.

إذا كان تعميم الأنترنيت سيفوت على النكوصين أجيالا متعددة من الجهالات، فإنه وللأسف فوت ولايزال يفوت على القوى الوطنية أجيال السبعينيات فما تحت بحكم أنها قد أصبحت تقنيا متجاوزة، فما عاد يهمها مستجدات الأنترنيت ولا خباياه، وبالنظر مرة أخرى إلى المسيرة “الفضيحة”، يتبين أن جزءا كبيرا من المشاركين هم من كبار السن الذين لم يستطيعوا الإفلات من دعاية السلطة لا لشيء إلا لأنهم لا يتوفرون على بديل حديث. أقول اليوم وبعد سكوت كل القوى السياسية عن منع الاتصالات اللاسلكية عبر الأنترنيت، أن الدور قادم على وسائل التواصل الاجتماعي بعدما أتبتت أنها شوكة في حلق الدولة العميقة. إننا اليوم في أمس الحاجة إلى جبهة وطنية، تكون الأحزاب السياسية في مقدمتها، منظمة ومؤطرة تبتغي تأطير الحراك “الفيسبوكي”، لا لون إديولوجيا لها بل فقط تبتغي خدمة الإطار الديمقراطي لا مكوناته وترافع عند مؤسسات الدولة من أجل الحق في تعميم الأنترنيت خدمة لوطن يترنح.