وجهة نظر

خطوات عملية لنصرة رسول الله

بعد الإساءات المتكررة ضد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، رأى كثير من الدعاة أننا بحاجة لإعادة تعريف الناس كافة بشخصه وبدعوته.

الجهات الوصية على التربية والتعليم ابتعدت عن هذه المواد التعريفية بالرسول صلى الله عليه وسلم، أخلاقه، أفعاله، دعوته، رسالته، لابد من إعادة التعريف به للناشئة، للمسلمين أنفسهم، ولغير المسلمين، لأن غير المسلمين ليسوا كلهم حاقدين، فالكاريكاتورات المسيئة لا تعجب الجميع.

إعادة التعريف بالرسول الكريم، هو ما نهجته سيدة تدعى “هند السايغ” وهي أستاذة مغربية أمريكية، في مواجهة الفيلم المسيء للإسلام، حيث قامت بعرض فلم وثائقي “محمد ميراث نبي”، ثم فتحت بابا للمناقشة، فكانت المفاجأة: الكثير من الحاضرين شهدوا بعظمة محمد صلى الله عليه وسلم، تعجبوا من احترامه للمرأة عكس ما يروج ويقال، أعجبوا بأخلاقه، بسماحته، بتواضعه، برحمته صلى الله عليه وسلم، حبذا لو تعمم مثل هذه التعاريف في جامعاتنا وخارج جامعاتنا ويحذو المسلمون حذو الأستاذة المغربية الأمريكية هند.

طبعا ليس كل غير المسلمين حاقدين، هاهو “مايكل هارت” قضى 28 سنة في تأليف كتابه “العظماء المائة”، نعم 28سنة، ثم في لندن أتى ليعلن عن أعظم شخصية، هي شخصية محمد صلى الله عليه وسلم، كان بعض الحاقدين من الجمهور يقاطعه، قال لهم “وقف رجل في مكة معه زوجته، صاحبه، وطفل، منذ 1400 سنة، صدقه مليار ونصف مسلم، ثم قال كلمات تكتب بماء الذهب”ليس هناك كذبة تعيش 1400سنة” ثم تابع “مايكل هارت”إن محمدا هو الرجل الوحيد في التاريخ الذي نجح على المستويين الديني والدنيوي.

ثم ها هو الباحث الانجليزي “لويت نيز”ي قولها مدوية صادقة: المسيحي الصادق هو الذي يعترف برسالة محمد. وقد تنبأ “تولستوي”: شريعة محمد ستسود العالم، وها هو مؤلف قصة الحضارة “والد جورن” يقول كلمات تخاطب المنطق والعقل السليم: “إذا حكمنا على العظيم بما كان له من أثر على الناس، قلنا إن محمدا هو أعظم عظماء التاريخ”.

ويبقى في رأيى المتواضع أن أحسن طريقة للرد على الإساءات الموجهة للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هي إتباع سنته وتحقيق الشرطين الأساسين للتمكين في الأرض، كما علمنا صلى الله عليه وسلم: الإيمان والعمل الصالح، ربط الدين بالدنيا، والدنيا بالدين، لا ما تعيشه أمتنا حاليا، انفصام في الشخصية المسلمة: يسارع الخطى نحو المساجد هنا، ويغش في عمله هناك، يكثر من الحج والعمرة، ولا يجد حرجا في رمي النفايات في بلده بل وحتى في يوم عرفة .. صدق من قال إن كثيرا من أمتنا يعيش انفصاما بين عبادته وأخلاقه وتصرفاته.

إرتفعت بعض الأصوات مؤخرا تنادي بمقاطعة البضائع الفرنسية كطريقة حضارية للتعبير عن الغضب، كتنفيس حضاري، كوسيلة مجتمعية حضارية، تريد أن توصل رسالة سلمية إلى صناع القرار في فرنسا، مقاطعة ظرفية، رسالة إلى فرنسا ومسؤوليها أن الرسول صلى الله عليه وسلم خط أحمر، الاساءة إليه هي إساءة لمشاعر مليار ونصف مسلم، في كل أنحاء العالم الإسلامي والعربية، ولا يعقل بتاتا أنه باسم حرية الرأي أمنعك من حريتك في التعبير عن غضبك بطريقة سلمية حضارية. من حقي أن أقول “أنا غاضب “أنا مقاطع”، أم أننا أمام علمانية جديدة، بتعريف جديد، تبيح تدخل دولة في أحاسيسنا، في شعورنا؟

وعكس ذلك تماما نجد أئمتنا مشكورين يرفعون شعار التسامح، الوسطية، الإعتدال، بل تتعاون دولتنا مع كثير من الدول في محاربة الإرهاب، إذن نحن بالمقابل نرفض أي إرهاب فكري يسيء لمقدساتنا، لأن ديننا علمنا إحترام المسيح، ولم يجز لنا أبدا الاساءة إليه أو للديانة المسيحية.

ترى هل من خطوات عملية أخرى ننتصر بها لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم؟

-نعم “بحضارة تربط الدنيا بالدين” هذه “جملة واحدة” جربت من قبل وأعطت ثمارها، تخلفنا لأننا ارتدنا المساجد وتغيبنا عن العمل، نسينا أن أول كلمة نزلت على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إقرأ” لم تكن صل أو صم أو اعتمر، تحضرني صور الركاب في وسائل النقل في الغرب، جلهم إن جالسين أو حتى واقفين في زحام شديد يقرأون، ونحن أمة إقرأ نادرا ما نقرأ.

– نعم ربط الدين بالدنيا يجعلك ويجعلني منتجين لا متوكلين على الغير، يجعلنا نجيد ونتقن عملنا فنحس بنفس النشوة إن لم يكن أكثر من نشوة قيام الليل
كيف لحامل لكتاب الله يخلف وعده، يغش في عمله، يلقي النفايات في الشارع العام، يسارع الخطى لصلاة الجمعة ولايعود لعمله بعد الصلاة؟ إن الإسلام ثورة ضد كل مظاهر الغش، الإسلام جاء من أجل الانضباط السلوكي، متى كان الإسلام قرآنا يحفظ فقط ولا يطبق؟

يقول ابن خلدون “كمال التوحيد في تحويل الإيمان إلى واقع في السلوك التطبيقي للعبد المؤمن، نعم منظومة تمزج العمل بالإيمان…. عبادة تصنع حضارة وصناعة وعمارة الأرض..

لا يكاد يكتمل مفهوم العقيدة إلا بمعنى العمل والإعمار بخلاف الأديان التي رجحت كفة اللاهوت… ديننا يعتبر الاستزادة في العلم ترقي في مدارج التقوى.

المحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من يساعد في عمارة الأرض ببناء المستشفيات والمدارس عوض الاقتصار على بناء المساجد، من يبني إنسانا قبل أن يبني عمرانا.

المحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من يتحلى بأخلاق النهوض لا أخلاق القعود والعجز، من علو همة، وقوة إرادة، وطموح يناطح السحاب لاسقف له، وإتقان في العمل، وصدق في الوعد والكلام، وحزم وقوة في قول الحق ولو قاله لوحده، لا يكون أبدا إمعة مع الأغلبية إن أحسنت أحسن وإن أساءوا أساء، كلمة الحق تبقى كلمة حق ولو قالها واحد، وكلمة الباطل تبقى باطلا ولو قالها المئات، لا يغش ولو غش الناس، لا يستهتر ولو استهتر الناس، لا يقبل الظلم ولو قبله الناس.

المحب الحقيقي لرسول الله صلى الله عليه وسلم من يجمع بين اخلاق النهوض وأخلاق القوة، فيكون صاحب رسالة، وصاحب قضية، لا يلتزم أبدا بالسلبية طلبا للسلامة، ولا يكتفي بالذهاب للمساجد، ولكل عمرة وحج، وقد غش هنا وكذب هناك، فهذا تحريف للدين عن هدفه وعن أصله الشرعي، لن يساهم مثل هؤلاء في نهضة أمة، وستجد الأمة كما هو حالنا الآن تعرف نهضة باهتة ضعيفة.

المحب والمدافع الحقيقي عن الرسول صلى الله عليه وسلم من يؤمن بالفاعلية الثقافية، من يعمل من أجل انتصار الأفكار السليمة على الأفكار المشوشة، من لديه نمط تفكير يجعله يرى الدين والتدين بطريقة صحيحة، ليدرك دوره في أمانة الاستخلاف، ليدرك المفهوم الحقيقي للأمانة:إلقاء النفايات في الشارع العام خيانة للامانة ولو صليت ليل نهار، كتم العلم خيانة للامانة، عدم إحترام المواعيد خيانة للأمانة، تلويث شوارعنا خيانة للأمانة، تضييع أوقاتنا خيانة للامانة، عدم الوفاء بوعودنا خيانة للأمانة، كل هذا هو ما جاء به الإسلام ورسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، فلم نؤمن ببعض الكتاب فقط؟

نعم ننتصر لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بتطبيق أحسن تعريف للفضيلة “هو أن تستعمل كل قدراتك”، أو كما قال فورد “انت ترغب في العمل والعطاء، فأنت محق”.
أن نرفع عاليا قيم التسلح بالعلم والتعلم المستمر، أن نعمل كل من مكانه لإخراج الأفراد من دائرة بطالة العقول إلى دائرة التفكير والتخطيط، أن نعلم الجيل الجديد “اذا لم تخطط كنت حتما ضمن مخططات الآخرين”، إذا لم تخطط للنجاح فقد خططت للفشل”.

ننتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بألا نمل من طرق العقول وصناعة الأفكار وهل صنع محمد صلى الله عليه وسلم إلا أفكارا؟

لابد من تجديد خطابنا الديني، حذار ثم حذار من التلوث الفكري لأنه يحدث بمعدل بطيء يجعلنا نفقد الإحساس بأثره، نحذر الجيل الجديد من الإمعة كما قال أحد الفلاسفة “لو قال 50 مليون مقولة خطأ فستبقى مقولة خطأ”.

ننتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمساءلة أنفسنا “كم ثغرة أحدثنا في جدار الباطل ليسقط”. وأن المؤمن القوي يبقى أفضل من المؤمن الضعيف “إن وجدناك أمينا ضعيفا استبدلناك لضعفك، وإن وجدناك قويا أمينا رفعنا لك ذكرك وأعناك على عملك”هي هي، سنة الله لا تتغير ولا تحابي أحدا.

ننتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتعليم أبنائنا أنه ليس عيبا أن نسقط ولكن العيب ألا نقوم بعد سقوطنا “فلكل جواد كبوة”، والوعي بجانب النقص أولى خطوات النجاح والنهوض.

ننتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بتحذير أبنائنا من “إعجاب المغلوب بغالبه”، فيقلده ويسلم له زمام أمره، نعلمهم أنه آن الأوان لينتصر المغلوب على غالبه لا أن يعجب به.

ننتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بنقل أنفسنا وأبنائنا لجزيرة لا للتسويف، لا للتكاسل لا للغش في العمل لا للمفهوم المورفيني للدين والتدين.

ننتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء الإنسان، كما فعل صلى الله عليه وسلم، إنسان شعاره”فتعمل ما استطعت لعل جيلا. سيأتي يحدث العجب العجابا”.

جيل شعاره ما قال روبرت شولر “المكان الوحيد الذي تصبح فيه احلامك مستحيلة هو داخل أفكارك أنت شخصيا”، جيل يردد مع الرافعي “إذا لم تزد شيئا في الحياة كنت أنت زائدا على الحياة”، جيل يعشق التحدي، يردد يوميا “الحياة مليئة بالأحجار لن اثعتر بها، بل سأجمعها واصنع منها سلما نحو النجاح”.

آنذاك إذن نكون إنتصرنا حقا للحبيب صلى الله عليه وسلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • بشرى
    منذ 3 سنوات

    مقال رائع يستحق كل التنويه ونشره على نطاق واسع.