وجهة نظر

“التكركير” فيه وفيه

لحظة الاستماع إلى النشيد الوطني، هي لحظة تتجاوز حدود الكلمات العاكسة لروح المواطنة، وتتخطى عتبات اللحن المرهف الذي يحرك أوثار الانتماء للوطن، هي لحظة استثنائية في زمن الوطن، تقتضي التقدير والانضباط والاحترام والالتزام، ولايمكن تصورها إلا داخل هذه الطقوس وليس خارجها، لذلك، فما صدر عن بعض لاعبي المنتخب الوطني قبل أيام، من “تكركير” أثناء مراسم عزف النشيد الوطني، كان من الطبيعي أن يثير زوبعة من اللغط والجدل والإدانة، لما حمله من قلة احترام وانعدام مسؤولية، ومن استخفاف بالمنتخب الوطني وبالقميص الوطني، الذي لايمكن البتة، منحه للعابثين والمتهورين والمتقاعسين والمترددين.

في هذا الصدد، فإذا كان الولوج إلى المنتخبات الوطنية، يتوقف على شرط الكفاءة الرياضية أو الكروية على وجه التحديد، فهذه الكفاءة لا معنى لها، إذا لم تكن مرادفة لشروط المسؤولية والانضباط والالتزام والتضحية والبسالة في الدفاع عن ألوان القميص الوطني، وكمتتبعين للشأن الرياضي الوطني، يصعب القبول بما صدر عن اللاعبين المعنيين الذين اصطادتهم عدسات الكاميرا في لحظة “تكركير”، كما يصعب إيجاد مبرر لما حدث من تصرف عبثي، لأن الاستخفاف بالنشيد الوطني والعلم الوطني ، هو فعل مرفوض تماما، لما له من إساءة للوطن ورموزه، لذلك، فما حصل من منزلق سلوكي، بدون شك تم طيه وتجاوزه، لكن هذا لايمنع، من استثماره، بالشكل الذي يضمن القطع النهائي مع الممارسات العابثة والمتهورة الفاقدة لروح المواطنة والمسؤولية، التي لا مجال لها في منتخب وطني، يقتضي لاعبين مسؤولين يستحقون شرف الدفاع عن ألوان الوطن عن جدارة واستحقاق.

لكن، وحتى لانكون قاسيين على اللاعبين المعنيين الذين وقعـوا في هيـام “التكركير”، نرى أن “التكركير” درجات ومستويات، فهناك من “يكركر” / يضحك على الوطن بعبثه السياسي وهناك من “يكركر” على الوطن بممارسة الفساد والجري الأعمى وراء الريع والمناصب والكراسي، وهناك من “يكركر” على الوطن بانتهاكه للحقوق وتطاوله على القوانيــن، وهناك من “يكركر” على الوطن بأنانيته المفرطة وإشاعته لثقافة العبث والتهور والتفاهة والسخافة والانحطاط، وهناك من “يكركر” على الوطن، بممارسته لرياضة الحلب والسلب والنهب بدون حسيب أو رقيب، وهناك من “يكركر” على الوطن بإشاعة ثقافة الشطط والتسلط و الزبونية والمحسوبية والرشوة والمصالح المتبادلة، وهناك من “يكركر” على الوطن بإعاقة عجلة التنمية وحرمان الوطن من فرص النهوض والرقي والرخاء والازدهار…، وخطر هــؤلاء وغيرهم، أقوى على الوطـن.

وفي جميــع الحالات، من الصعب أن نساوي بين من “كركر” أثناء عزف النشيد الوطني في لحظة عبث وانزلاق سلوكي، ومن “كركر” و”يكركر” على الوطن بأنانيته وعبثه وفساده وانعدام مسؤوليته، وهــؤلاء “يكركرون” دون أن تصطادهم عدسات الكاميرا، كما اصطادت لاعبيــن وقعوا في الشباك في لحظة عابرة تقاطع فيها العبث والاستخفاف، وربما الجهل برمزية اللحظة وقيمتها الوطنية، ونختم بالقول، “كركروا” كما تشاؤون معشر “المكركرين”، لكن اتركوا الوطن، لأنه أرقى من عبثكم، وأعظم من طباعكم السيئة وعاداتكم القبيحة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *