وجهة نظر

اغتيال السفير الروسي بأنقرة.. هدية السماء لإيران وأمريكا

من الصعب جدا التكهن بعواقب أو انعكاسات اغتيال سفير روسيا بتركيا على طبيعة العلاقات بين البلدين أو حتى على طبيعة التحالفات في الشرق الأوسط على المدى القريب. خاصة وأن كل المعطيات توحي بألا يد للسلطة في الأمر وإن كان ذلك لا يبرؤها بأي حال من الأحوال من مسؤولية التقصير الأمني، مادام أن المنفذ كان ينتمي إلى سلك الشرطة، وهذا ما يجعل الأمور أكثر تعقيدا بالنسبة للموقف التركي.

اتهام سلطات أنقرة لجماعة “خدمة” التابعة للداعية المعارض لأردوغان فتح الله غولن مباشرة بعد الحادث ودون انتظار نتائج التحقيقات فيه نوع من المجازفة، خاصة وأن الأمر قد لن يكون في صالح النظام ولا في صالح أردوغان بالتحديد وهو الذي أعلن حربا شرسة لاجتثاث كل من له صلة بالجماعة داخل كل أجهزة الدولة والمؤسسات الكبرى والمؤثرة والحساسة في البلد وهذا ما سيعني ضمنيا فشلا ذريعا لكل جهود سياسته في هذا الجانب.

محور إيران- سوريا سيكون المستفيد الأكبر من عملية الاغتيال بالدرجة الأولى، إذ سيجدها فرصة سانحة لإعادة روسيا بالكامل إلى صفها وبعيدا عن الحضن التركي، خاصة وأن روسيا سعت للتقرب من الأخيرة أملا في الحصول على أقصى المزايا الممكنة من خلال التحالف مع القوتين الإقليميتين والمتصارعتين في نفس الوقت داخل الساحة السورية مقابل سعي الدولتين لاستمالتها إلى جانبها وموقفها من الملف.

الولايات المحتدة ستكون ثاني مستفيد من عملية الاغتيال، مادام أن الغضب الروسي على تركيا سيجعل هذه الأخيرة بين خيارين ثالثهما مر، وهما يا إما تقديم تنازلات قد تكون مؤلمة لروسيا مقابل طمس الملف والإبقاء على العلاقات على ما هي عليه، وإما أنها ملزمة على البحث عن قنوات جديدة للعودة للحضن الأمريكي من جديد وذلك بعد فترة الجفاء التي اتسمت بها العلاقة بين الطرفين في الآونة الأخيرة، وسيكون لهذا ثمنه هو الآخر قد لا يقل تكلفة عن الأولى .

سيناريوهات المرحلة المقبلة إذا تبقى رهينة بطبيعة التبرير التركي على التقصير الأمني من جهة وعلى طبيعة التنازلات و الاسترضاءات التي تقدمها أنقرة من جهة ثانية وذلك نظير إخماد غضب القيصر اتقاء لأي ردة فعل عنيفة قد تزيد الأمور تعقيدا، خاصة وان أنقرة في غنى عن أي توتر مع أي طرف أجنبي في هذا الوقت بالذات، فما بالنا بتوتر مع روسيا احد اكبر الشركاء الاقتصاديين لها.

لكن الآن يبقى السؤال المطروح هو ما هو طبيعة الثمن أو المقابل المحتمل أن يطرحه ساسة الكريملين نظير الغفران للغلطة التركية الجسيمة؟ .

روسيا قد لا تكون لها أي حسابات مع جماعة غولن من التي يمكن أن تكون موضع صفقة لذلك، لذلك نعتقد أن بوتين قد يطالب بمقابل سياسي في إطار آخر، خاصة وانه من الصعب إثبات الجريمة على جماعة “خدمة” مادامت ظروف الاغتيال توحي بعلاقة الأمر بالملف السوري خاصة بالجرائم الأخيرة في حلب، لذلك تبقى الجماعات الإسلامية هي المتهم الرئيسي كما أنها تبقى الطرف المناسب لتحميله المسؤولية والذي في نفس الوقت الطرف الأمثل لبوتين ليكون موضع أي صفقة محتملة مع النظام التركي.

بذلك فعملية الاغتيال قد تكون فرصة لا تعوض لروسيا يمكن استغلالها لتصفية حساباتها مع الجماعات المعارضة للنظام السوري من التي تدعمها أنقرة، إذ قد تجدها فرصة سانحة للضغط على نظام أردوغان ليس فقط لتحديد موقفه بشكل واضح من تلك الجماعات والتي من الممكن فعلا أن تكون متورطة في العملية، وإنما نعتقد أن روسيا ستسعى لاستخلاص تعهد أو موقف واضح من أنقرة لوقف الدعم الذي تقدمه لتلك الجماعات أو على الأقل بعض منها.

لكن يبقى الخاسر الأكبر من عملية الاغتيال حتى لو تمت معالجة الأمور وعودة المياه لمجاريها، هو سمعة تركيا التي اكتسبها من استقرارها –النسبي- مقارنة مع بلدان مجاورة تعرف أحداث ملتهبة، إذ مع توالي العمليات الإرهابية ضد مختلف المؤسسات والمصالح يضع صورة البلد وثقة المستثمرين فيها على المحك، خاصة وأن الاستقرار السياسي والأمني كان عاملا حاسما في ارتفاع عائدات قطاعي السياحة والخدمات كأحد الفطاعات الرئيسية التي يعتمد عليها الاقتصاد التركي، وهو ما سيجعل من القطاعات السالفة الذكر أكبر المتضررين من هذا الوضع الأمني المتسم بالهشاشة.