منوعات

الصفح: إليك كيف يمكن للمسامحة أن تقودك إلى الراحة النفسية والعاطفية والبدنية

من إعداد فريق مايو كلينك

عندما يسيء إليك أحدهم أو يؤديك، يشغلك ذلك ويأخذ من اهتمامك، فتختار إما أن تغضب وتستاء وتفكر في الانتقام أو أن تباشره لإشفاء غليلك، أو أن تصفح وتسامح وتمضي قدما في درب الحياة.

جميع الناس مروا بتجارب أساء إليهم فيها غيرهم أو أصابوهم بالأذى، ويختلفون فقط في حجم ذلك الأذى ونوعه ومصدره، ووتيرته في حياتهم. لكن الأهم هو أنهم يختلفون أيضا في الخيار الذي اختاروه للتصرف حيال ذلك.

فقد يصدر الأذى من أقرب الناس إليك وأحبهم لك، والديك زوجك أبناؤك، وقد يصدر من أعز أصدقائك، أو من زملائك في العمل، أو جيرانك، أو معارفك. وقد يكون الأذى جسديا، أو كلمة سامة، أو مكيدة، أو نميمة باطلة، أو يكون وشاية، أو إضرارا بعلاقة، أو إفسادا لمشروع، أو حتى خيانة.

وعلمتنا تجربة الحياة أن خيار الصفح أو خيار الانتقام، خياران كلاهما صعب. لكن الذي أكدته تلك التجارب أيضا وأكده خبراء الصحة، هو إن لم تسامح الآخرين، فقد تدفع ثمنًا غاليًا.

وحسب التقرير الذي أعده فريق “مايو كلينيك” الطبي، يمكنك بانتهاج مبدأ المسامحة أن تحظى بالسلام والأمل والامتنان والبهجة. ويوصي التقرير بأن تفكر في كيف يمكن للمسامحة أن تقودك إلى الراحة البدنية والعاطفية والروحية.

فقد صح عن الرسول الكريم، حسب مصادر مختصة في الحديث، أنه قال :” المؤمِنُ الذي يُخالِطُ الناسِ و يَصبِرُ على أذاهُمْ، أفضلُ من المؤمِنِ الَّذي لا يُخالِطُ النَّاسَ و لا يَصبرُ على أذاهُمْ”. ومعلوم أن الصبر الذي يقابل الإساءة يكون حقيقيا حين يرتكز على الصفح.

والتسامح ليس موقفا سريا تتخذه في نفسك، بل موقف شجاع يدركه الطرف المسيء، سواء طلب المسامحة أم لم يطلبها. وإذا تعذر التسامح فعليك بالغفران، فهو أيضا علاج لك قبل أن يكون كسبا لغيرك.

فماذا يعني التسامح؟ وما هي فوائده؟ ولماذا يسهل حمل الضغينة؟ وكيف يمكن تحقيق حالة المسامحة؟

في التقرير التالي يقدم فريق “مايو كلينيك” إجابات قد تساعدك لمواجهة الأذى والإساءة بالصفح والتسامح، وتكون من الفائزين.

ماذا يعني التسامح؟

يختلف معني التسامح عند مختلف الأشخاص. وبرغم ذلك، عادةً ما يشمل معنى التسامح اتخاذ قرار بالتغاضي عن الشعور بالاستياء والتخلي عن الأفكار الانتقامية.

إن الفعل الذي سبب لك الشعور بالجرح أو الإهانة ربما يرافقك طوال الوقت، ولكن التسامح من الممكن أن يقلل من سيطرة ذلك الشعور على نفسك ويساعدك على التحرر من القيود النفسية التي يفرضها الشخص الذي أساء إليك. إن التسامح من الممكن أن يؤدي حقًا للشعور بتفهم موقف من تسبب في جرح مشاعرك، واستيعاب مشاعره والتعاطف معه.

وليس من التسامح فقط أن تنسى الضرر الذي تعرضت له أو تتجاوز عنه أو أن تسعى لإصلاح ما فسد في علاقتك مع من تسبب في جرح مشاعرك، بل إن التسامح يجلب لك الشعور بالراحة التي تساعدك على الاستمرار في الحياة.

ما فوائد مسامحة شخص ما؟

يمكن للتخلي عن الأحقاد والقسوة أن يفسح الطريق لتحسين الصحة وتحقيق راحة البال. قد تؤدّي المسامحة إلى ما يلي:

  • علاقات صحية
  • تحسين الصحة العقلية
  • تقليل القلق والتوتر والعدائية
  • خفض ضغط الدم
  • خفض أعراض الاكتئاب
  • تقوية جهاز المناعة
  • تحسين صحة القلب
  • تحسين تقدير الذات

لماذا من السهل جدًا حمل الضغينة؟

يمكن أن يتسبب إيذاؤك من شخص ما، لا سيما شخص تحبه وتثق به، في الشعور بالغضب والحزن والارتباك. إذا كنت تسهب في الحديث عن الأحداث أو المواقف المؤذية، فإن الضغائن المليئة بالاستياء والانتقام والعداء يمكن أن تتجذر. وإذا سمحت للمشاعر السلبية بالسيطرة على المشاعر الإيجابية، فقد تجد نفسك تشعر بالاستياء أو الظلم من أم رأسك حتى أخمص قدميك.

بعض الأشخاص يكونون أكثر تسامحًا بطبيعة الحال من غيرهم. لكن حتى لو كنت حامل ضغينة، يمكن لأي شخص تقريبًا أن يتعلم كيف يكون أكثر تسامحًا.

ما هي آثار الشعور بالضغينة؟

إذا كنت لا تغفر، فقد تسبب:

  • جلب الغضب والمرارة في كل علاقة وتجربة جديدة
  • تصبح مقتنعاً عن طريق الخطأ بأنه لا يمكنك التمتع بالحاضر
  • تصبح مكتئباً أو قلقاً
  • تشعر بأن حياتك تفتقر إلى المعنى أو الغرض، أو أنك على خلاف مع معتقداتك الروحية
  • تخسر علاقات ترابط قيمة وثرية مع الآخرين

 

كيف يمكنني تحقيق حالة المسامحة؟

المسامحة هي التزام بإجراء تغيير شخصي. للانتقال من المعاناة إلى المسامحة، يمكنك:

  • التعرف على قيمة المسامحة وكيف يمكنها تحسين حياتك
  • تحديد ما يحتاج إلى المعالجة ومن يحتاج إلى مسامحته ولماذا
  • فكر في الانضمام إلى إحدى مجموعات الدعم أو رؤية أحد الاستشاريين
  • الاعتراف بمشاعرك حول الضرر اللاحق بك وكيف تؤثر على سلوكك، والعمل على تحريرها
  • اختيار مسامحة الشخص الذي أساء إليك
  • ابتعد عن العيش في دور الضحية وتخلص من سيطرة وسلطة هذا الشخص المسيء والموقف على حياتك

فإذا تخلصت من الضغائن، فلن تعد ترى حياتك بمنظور مقدار الأذى الذي تعرضت له. حتى إنه قد تشعر بحالة من التعاطف والتفاهم.

ماذا يحدث إن لم أسامح شخصا ما؟

يمكن أن تكون المسامحة صعبة، خاصةً إذا كان الشخص الذي يؤذيك لا يعترف بالخطأ. إذا وجدت نفسك متعصبًا:

  • مارس التعاطف. جرب أن تنظر للموقف من وجهة نظر الشخص الآخر.
  • اسأل نفسك لماذا يتصرف بمثل هذه الطريقة. فلربما تصرفت بنفس الطريقة إذا تعرضت لنفس الموقف.
  • فكر في المرات التي أسأت فيها للآخرين وفي أولئك الذين قد سامحوك.
  • دوِّن ما حدث في دفتر يوميات أو اتجه في صلاتك إلى الدعاء أو استعن بالتأمل الموجه — أو تحدث مع شخص تعرف عنه الحكمة والطيبة، مثل رجل دين أو مقدم خدمات الصحة العقلية أو شخص مقرب لديك محايد أو صديق.
  • اعلم أن المسامحة هي إجراء وأنه حتى المساوئ الصغيرة قد تحتاج إلى إعادة نظر ومسامحه مرارًا وتكرارًا.

 

هل يضمن الغفران التسامح؟

إذا كان الحدث المؤلم يهم شخصًا تقدر العلاقة التي تجمعكما معًا، فحينها يمكن أن يؤدي الغفران إلى التسامح. إلا أن هذا ليس هو الحال دائمًا.

فقد يكون التسامح مستحيلاً إذا كان الشخص المؤذي ميتًا أو غير راغب في التواصل معك. وفي حالات أخرى، قد لا يكون التسامح مناسبًا. ولكن يظل الغفران ممكنًا — وإن تعذر التسامح.

ماذا لو لم يتغير الشخص الذي أسامحه؟

جعل شخص آخر يغير من تصرفاته أو سلوكه أو كلماته ليست الغرض من الصفح. عليك أن تعلم أن الصفح قد يكون سببًا لتغيير حياتك — فهو يجلب السلام النفسي والسعادة الروحية والعاطفية. قد ينهي الصفح قدرة الطرف الآخر للسيطرة على حياتك.

ماذا لو كنت أنا الشخص الذي يحتاج للصفح؟

تتمثَّل الخطوة الأولى في تقييم الأخطاء التي ارتكبتها والاعتراف بها بصراحة وكيف كان تأثيرها على الأشخاص الآخرين. تجنَّب الحكم على نفسك بقسوة.

إذا كنت تشعر بالفعل بالأسف بسبب تصرف أو قول بدر منك، ففكِّر في الاعتراف به لمن ألحقت بهم الضرر. عبِّر عن شعورك بخالص الأسى أو الندم، واطلب الصفح — دون اختلاق الأعذار.

ولكن تذكَّر، لا يمكنك إجبار أحد على مسامحتك. يحتاج الأشخاص الآخرون إلى اتخاذ قرار الصفح في وقتهم المناسب. مهما حدث، التزم بمعاملة الآخرين برحمة وتعاطف واحترام.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *