منتدى العمق

مهندسو العدم يكلمون أم المهندس

كان ابن السيدة حليمة* على وشك التخرج مهندس دولة. سنة واحدة فقط كانت تفصله.قبل مايناهز السنة، قرر الابن، التوجه الى سوريا،برفقة” صديق” سلفي.غادر وترك أمه، التي تشتغل مُدرسة بمؤسسة ابتدائية، بإحدى مدن الشمال. مكلومة، لاتقوى على سماع أي حديث أو تلميح يتعلق بهذا الابن.. أليست أُماً !؟ لم يعد لها حول ولم تعد لها حيلة..بل حياة..يالهذا العاق …

خلف الابن جرحا غائرا في نفسيه والديه، خصوصا الأم التي دأبت على تلقي التهاني والتبريكات من جيرانها فرحا بابنها الذي سيصبح عما قريب مهندسا، لسوف ينقلب هذا الشعور الى خيبة أمل وصدمة مدوية في نفسية كل من يعرف المهندس(م.أ).

كيف فعل ذلك ؟ متى قرر فعلا هذا الشاب أن وجهته هي جحيم سوريا رفقة الأوغاد؟

أسئلة وأخرى عديدة لم يجد لها الأبوين ولا الأقارب والأباعد جوابا شافيا. ربما حتى فرقة الخيام لم تستطع لحد اللحظة فك لغز الشاب وهو ما يفسره استدعاؤهم المتكرر لوالدي الشاب ..

ترك الشاب أبا وأما مشلولي الارادة ومسلوبي الامل. ما الذنب يا ترى الذي اقترفاه في حقه! مستواه الدراسي لم يكن ليحلم به أبناء الجيران. أهكذا رد الجميل؟ سعادة الأم بنجاح ولدها وتفوقه في الدراسة حوله الشقي في لحظة إلى جحيم.

كان أقصى ما يُطلب من هذا الابن عند تخرجه هو الصورة التي سيرسمها نجاحه في جبين الأبوين. تحول هذا التمني الى أضغاث أحلام.

آخر اتصال للشاب مع أمه كان مختصرا ومؤلما فاق ألم ولادته، كان كالتالي: “حنا مسامحين الوليدة” لكم أن تتصوروا ردة فعل الام. واسمحوا لي بأن ألعن هذا الابن غير مكترث للصدمة النفسية التي خلفها رحيله الفجائي واتصاله الملعون هذا.

حسب بوح الأم لزميلاتها وأحيانا قليلة لجيرانها أن ابنها لم يكن يُظهر في تصرفاته أي شيء يشي بتدين معين، ولا حتى خطابه الذي يخلو من أية مَسحة دينية. طيب، ما سبب التحول إذا؟ هل هو تكوينه؟ قطعا لا. مجال دراسته بعيد بسنوات ضوئية عن الميتافيزيقا. وما الصلة بين الإيمان بفكرة دينية سياسية معينة خِلافة أو خُرافة أو أيا كان، بقرار ذهابه الى سوريا “خلاص المجانين والسيكوباثيين أصحاب فكرة الخرافة والدولة الاسلامية التي سينبعث مجدها” ما الصلة، أهي البنية الذهنية لصاحبنا هذا؟

تحليل الجابري “أحد عقلاء هذا الوطن والذي حلل بنية العقل العربي في مشروعه و شَخّص عوائق التغيير” يمكن أن يسعفنا في فهم العلاقة السببية بين أصحاب الفكر الديني المتطرف وتكوينهم الاكاديمي، يقول الجابري “أن العقل التقني، أو التكنولوجي، عقل فارغ من الأمور النظرية التي هي ميدان لتعدد الأسئلة والأجوبة، ولذلك نجده مستعدا لتلقي “العقائد” الجاهزة بمثل السهولة والعادة اللتين يتلقى بهما القوانين العلمية، فليس غريبا إذن أن تكون المعاهد والكليات العلمية من أهم الساحات التي يستقطب فيها التطرف الأنصار و الأشياع” انتهى كلام جراح العقل العربي.

يسعفنا هذا التحليل أيضا في فهم العلاقة السببية بين تكوين بعض أعلام التطرف الديني “المهندس أسامة بن لادن والمهندس الظواهري والمهندس المرزوقي” وبين تطرفهم في فهم النص الديني عموما.

ربما هنا تنتهي تساؤلاتنا حول العلاقة ما بين التكوين الاكاديمي للشاب وإقدامه على الذهاب الى سوريا.

لكن، تشخيص الطبيب في العادة لا يخفف من وقع الصدمة في نفسية الأم. الأم تظل أُما مهما بلغت درجة وعيها وتفهمها للامور الأشد تعقيدا في الحياة؛ كلاسيكية في أحاسيسها ومشاعرها تجاه أبنائها ويلتقي في هذا الشعور الانسان والحيوان على حد السواء. كان الله في عون هذه الأم والسلام.

*قصة من نسج الواقع المرير.
*اسم مستعار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *